هيئة التحرير
أثار مصادقة الحكومة في العشرين حزيران/يونيو على تعديل جدول رسوم المحاكم النظامية، الذي جرى تنسيبه من رئيس مجلس القضاء الأعلى عيسى أبو شرار، جدلا في صفوف المحامين والقانونيين وحالة غضب شعبية في الشارع الفلسطيني.
وارتفعت رسوم بعض القضايا والدعاوى بمختلف أشكالها بصورة كبيرة بموجب الارتفاع الجديد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، رسوم الطلبات المستعجلة التي قفزت من دينارين إلى 200 دينار، حيث كان الحد الأدنى للرسوم أمام محاكم البداية 500 دينار، لكنه تضاعف في الجدول الجديد الى 2500 دينار، بينما كان أمام محاكم الصلح، 10 دنانير، وأصبح يصل الآن إلى 50 دينارا، والحد الأعلى ارتفع من 100 إلى 1000 دينار.
كما ارتفعت رسوم دعوى إخلاء المأجور التي كانت 10 دنانير أصبحت تصل في الجدول الجديد إلى 1000 دينار، وكذلك ارتفعت رسوم دعاوى تغيير الاسم، من 10 دنانير لتصبح 100 دينارا، أما رسوم طلبات وقف البناء فقد ارتفعت من دينارين إلى 200 دينار.
وجاءت هذه الزيادة في رسوم المحاكم النظامية، لتراكم الضغوطات الاقتصادية على المواطن، الذي يعاني من أزمات ومشاكل مركبة فهو من ناحية يواجه ظاهرة الغلاء وارتفاع الأسعار لوحده، دون سياسات حكومية تساعده على الصمود، كما يعاني الموظفين من عدم انتظام الرواتب منذ شهور، في وقت اتجهت كل القطاعات الرسمية والخاصة إلى رفع أسعار خدماتها، الأمر الذي بدت عليه الحالة العامة أقرب إلى عملية “حلب” جماعية حكومية وخاصة للمواطن.
وجاء هذا القرار المُنسب من أعلى سلطة قضائية، ليضيف جملة انتقادات إلى انتقادات سابقة لها، من تراكم القضايا في المحاكم، وطول أمد البت فيها، وتدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية، وبالتالي فإن الحكومة ومن خلفها مجلس القضاء الأعلى يقول للمواطنين إن العدالة لمن استطاع إليها سبيلا، الأمر الذي ينعكس على عزوف الناس أكثر عن اللجوء إلى المحاكم، الأمر الذي سيرتد على الأرض وتوجه الناس إلى استيفاء حقوقهم باليد بما يترتب عليه تهديد للسلم الأهلي وفقدان القضاء احترامه وهيبته.
وقال المحامي والقاضي السابق أحمد الأشقر في حديث لـ ” بال غراف” إن قرار رفع رسوم القضاء الصادر من مجلس الوزراء، بتنسيب من مجلس القضاء الأعلى، شكل مضاعفة غير مسبوقة في الرسوم، ما يجعل القضاء الفلسطيني للأغنياء وليس للفقراء.
وأضاف الأشقر أن القرار يدفع لعزوف الناس عن التوجه للقضاء بسبب هذه الرسوم”، مؤكداً أن هذا الأمر يؤدي إلى الإخلال بالسلم الأهلي والاضطراب الداخلي، وهذا قد يدفع المواطنين إلى قيامهم باستيفاء حقوقهم بأيديهم واستخدام وسائل غير قانونية لهذه الغاية، وهذا سيشكل معضلة كبيرة ستقود إلى الفلتان.
وأضاف الأشقر أن الأصل في إصدار هكذا قرارات أن تكون بالتشاور مع نقابة المحامين لأنها صاحبة الاختصاص والخبرة، ومكلفة بحماية الحقوق والحريات العامة بموجب قانون النقابة، مضيفاً أن عدم مشاورة نقابة المحامين في كل الأنظمة والقوانين المتعلقة بشؤون المحاكم، يؤدي في كثير من الأحيان إلى صدورها مجتزأة، أو غير متوافقة مع واقع الحال، مشيرًا إلى أنه وبحسب بيان النقابة فإن وزير العدل زار النقابة وسمع الملاحظات لعرضها على رئاسة الوزراء لإلغاء القرار وسحبه.
وأكد أن هذا القرار يشكل خطورة بدرجة أساسية على المواطن الفلسطيني وحقه في اللجوء للقضاء لأنه هو الذي يتحمل هذه الرسوم وهو الذي سيتكبد هذه الزيادة، ومن واجب نقابة المحامين حماية المواطنين في اللجوء للقضاء، باعتبارها المدافع عن المصالح المهنية للمحامين ولقطاع العدالة في فلسطين بشكل عام.
في حالة عدم التراجع عن هذا القرار فإن نقابة المحامين ستقوم بسلسلة من الإجراءات الاحتجاجية لتحقيق العدالة لأنه لا يمكن تحقيق العدالة بمثل هذه الخطوة.
يتعرض الجهاز القضائي منذ سنوات لانتقادات، جلها تتعلق بتدخل السلطة القضائية وأحكام سيطرته عليه، ما أثر على مدى ثقة المواطن به، واستقلاليته، في ظل تهميش أطراف وأركان العدالة الآخرين، ولعل سلسلة القرارات بقوانين والتعديلات المتعلقة بالسلطة القضائية والتي نشرت في الجريدة الرسمية في السادس من آذار/مارس 2022 دليل على ذلك، والتي تمثلت في قرار بقانون تعديل قانون الإجراءات الجزائية، وقرار بقانون تعديل قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، وقرار بقانون تعديل قانون البينات في المواد المدنية والتجارية، وقرار بقانون تعديل قرار بقانون تشكيل المحاكم النظامية، وقرار بقانون بشأن دعاوى الدولة، وقرار بقانون تعديل قانون التنفيذ، وقرار بقانون تعديل قرار بقانون المحاكم الإدارية، والتي تعد امتداداً للقرارات بقوانين التي صدرت خلال عامي 2019 و2020 .
وقالت مؤسسة الحق في آذار/مارس تعقيبا على تلك القرارات بقوانين إن “التدهور المستمر الجاري في السلطة القضائية، انعكاسٌ للأزمة المستمرة في النظام السياسي، نتيجة تأكل المبادئ والقيم الدستورية، ومتطلبات إنفاذ الاتفاقيات الدولية، وضعف منظومة الشفافية، وغياب المساءلة والمحاسبة”.
بينما كشف الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة “أمان” في تقرير له في 2022 تراجع استقلالية الجهاز القضائي في الرقابة على المسؤولين وقراراتهم بعد تعديل قانون السلطة القضائية، حيث أكد على توصيات الائتلاف الأهلي لإصلاح القضاء وحمايته، وأهمها مراجعة القرارات بقوانين الصادرة نهاية عام 2020 لناحية ضمان استقلالية وحيادية الجهاز القضائي وبشكل خاص هيئات القضاء المسؤولة عن الرقابة الإدارية على أعمال السلطات العامة، وضمان نزاهة التعيينات والترقيات فيه، وضرورة الفصل بين رئاسة مجلس القضاء الأعلى كمنصبٍ إداري، ورئيس المحكمة العليا كمنصب قضائي، وإتاحة المشاركة المجتمعية في عضوية مجلس القضاء الأعلى، وتعزيز منظومة النزاهة في عمل المجلس وتشكيل لجانه ووحداته، وإلغاء التشريعات التي صدرت بشأن القضاء.
كما كشف ائتلاف امان في 2022 التقرير الأول لمقياس النزاهة في القضاء الفلسطيني وهو الأول من نوعه، حيث أظهرت نتائج المقياس أن نظام النزاهة في القضاء الفلسطيني مقلق، وقد بلغت العلامة النهائية للمقياس (57 علامة من أصل 100 علامة) أي حصوله على تصنيف متوسط بناءً على نتائج ثمانين مؤشرا مستخدما في المقياس، ما يدل على أنّ وضع نظام النزاهة في القضاء الفلسطيني “مقلق”.
وقوبل قرار تعديل لائحة رسوم المحاكم برفض المؤسسات الحقوقية والقانونية ومؤسسات المجتمع المدني ونقابة المحامين، التي أعلنت عن جملة من الفعاليات الاحتجاجية احتجاجاً على القرار مجلس الوزراء، ما دفع الحكومة إلى الرجوع خطوة للخلف من خلال تكليف وزير العدل محمد الشلالدة ببحث القرار مع نقابة المحامين والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وهو اللقاء الذي جرى بالفعل وبناء عليه أكد وزير انه سينقل موقف النقابة والهيئة الى مجلس الوزراء والطلب منه سحب القرار من اجل إخضاعه لمزيد من الدراسة والمشاورات مع جميع الأطراف ذات العلاقة، ما دفع نقابة المحامين إلى تعليق الفعاليات الاحتجاجية.
وقال المستشار أسامة الكيلاني “إن إصدار هذا القرار ليس له أي مبرر، وهو قرار ظالم وهو اعتداء على حق الشعب في اللجوء للقضاء الذي من المفترض أن يكون مجانيا، وهو قرار شخصي من عيسى أبو شرار رئيس مجلس القضاء، المعين خلافا للقانون ولم يكن قراراً مدروسا، ولم تكن له أي خلفية علمية، ويجب إلغاؤه بأسرع وقت ممكن، لأنه عبارة عن قيد في حق الناس في اللجوء للقضاء الطبيعي ألا وهو القضاء النظامي”.
وأضاف في حديثه لـ ” بال غراف” أن “هذا القرار رفع الرسوم في بعض المَواطن 200%، وفي بعض المَواطن الأخرى إلى 2500%، وهذا يجعل القضاء حكرا على الأغنياء، وحرم الطبقة الفقيرة من حق اللجوء للقضاء، مما جعل هناك تمييز بين الغني والفقير في حق اللجوء للقضاء، والذي من المفترض أن القضاء وُجِدَ لحماية الحقوق والحريات، والطبقة الفقيرة هي التي بحاجة لحماية حقوقها من جشع الاغنياء ومواجهة طغيان السلطة”.
وأكد الكيلاني أن هذا القرار يؤدي إلى اللجوء “إلى استيفاء الحق بالذات، لأن المواطن الذي لا يستطيع أن يصل القضاء للحصول على حقه، سيضطر لأخذ حقه بيده، وهم بذلك يوجهون الناس إلى الاقتتال الداخلي، إضافة إلى أن هذا القرار يساهم في اللجوء إلى القضاء العشائري بمساوئه”، مضيفاً أن هذا أسوأ شيء أن يتم اللجوء للقضاء العشائري لحل المشاكل عام 2022، رغم وجود التطور الفكري والحضاري والتكنولوجي ، وهذا يتحمل مسؤوليته عيسي أبو شرار لأن هذا القرار الصادر عن رئاسة الوزراء جاء بتوصية منه، وهو الذي يتحكم ويصدر توصياته في الكثير من القرارات.
“الحل يكمن بالنظر فيما سمي بالإصلاح القضائي وأن يتم إعادة النظر، بالمجلس القضائي الحالي، لأنه السبب في الكارثة القانونية والقضائية الموجودة حاليا ولأنه يتعامل مع الموضوع باعتبارات شخصية محضة وتصفية حسابات، والذي سيدفع الثمن هو المواطن”.
واضاف الكيلاني أن القرار نافذ في المحاكم الفلسطينية رغم وجود قرار بوقف نفاذه بعد الاجتماع مع النقابة وأخذ الملاحظات، لكن القرار نافذ في المحاكم.
وأكد أنه في حالة عدم العدول عن هذا القرار فإن المحاميين لن يستطيعوا العمل لأن المبالغ المطلوبة منهم لقاء كل استدعاء أو كل طلب او كل دعوى لن يستطيعوا دفعها لا هم ولا موكليهم.
وأشار إلى أن أبو شرار يدعي أن هذا القرار يساهم في تقليص عدد الدعاوي الواردة للمحاكم، وهذا يقلل من الدعاوي المتراكمة، مضيفاً أنه يرى من وجهة نظره أن هذا بمثابة أداة ضاربة في مواجهة المحامين أو من يعارضه، فمثلاً إن علق المحامون العمل فهو سيوصي القضاة بشطب دعاوي المحامين مما سيؤدي إلى إعادة الدعوى والرسوم، وهذا سيساهم في التفكير كثيراً قبل القيام بأي خطوة احتجاجية بمواجهة أي إجراء من إجراءات مجلس القضاء الأعلى، ويكون بمثابة قمع للحريات.