loading

نابلس وجنين: ياسمينة المقاتلين

هيئة التحرير

في جنبات حارة الياسمينة، داخل البلدة القديمة في مدينة نابلس، ينام المقاومون ويسهرون ويحرسون أهلها وبيوتها، وهم يؤمنون أن لا مكان على وجه الأرض يمكن أن يحميهم أكثر من أهلها الذين يتوارثون مجد المقاومة في أزقتها جيلا بعد جيل.

فصل جديد في تاريخ “الياسمينة” كتبه الشهيدين المقاومين عبد الرحمن صبح، ومحمد العزيزي، إلى جانب عشرات المناضلين الذين خاضوا اشتباكا مسلحا هو الأقوى منذ سنوات، أحيوا فيه ذاكرة الحارة التي ما عرفت سوى المقاومة نهجا، وعاشت ليلة من ليالي الانتفاضة الثانية، كانت الياسمينة بها رصاصة متأهبة في بيت النار.

وإن كانت الحارة قد أخذت اسمها من الياسمين الأبيض المنثور على جدران منازلها القديمة، فإن بنادق الرجال وصور الشهداء وشمت على جدران أزقتها، قدرا أبديا، تروي ما تيسر من الاشتباك الطويل، الذي لم يهدأ ازيز رصاصه.

تعد الياسمينة واحدة من حارات البلدة القديمة، ومن أقدمها، وتحمل سجلا متوارثا في المقاومة، بدأ مع احتلال المدينة عام 1967، كما هي بقية حارات البلدة القديمة، وأحياء المدينة ومخيماتها وقراها، لتنتزع بقوة مقاومتها لقب “جبل النار”، وليصبح قدر أطفالها فيما بعد حين يكبرون ثوارا، وبقوا على ذلك العهد وما بدلوا تبديلا.

ومن قبل الانتفاضة الأولى، كانت حارة الياسمينة الحضن الدافئ للمقاومين في نابلس، والمحرك لكل الأحداث النضالية في المدينة، محصنة من الاقتحام، عصية على الانكسار والغزاة، باسلة في المواجهة، وفيّة حتى الدم، ولعل ذلك ما دفع العديد من الشهداء من خارج مدينة نابلس طوال تاريخ الحركة الوطنية والمقاومة لاتخاذها ملجأً له، فأزقتها كانت الحصن المانع.

وبرزت الياسمينة في الانتفاضة الأولى بأنها كانت مهد مجموعات الفهد الأسود الجناح العسكري لحركة فتح، ومجموعات النسر الأحمر الجناح المسلح للجبهة الشعبية، وهما الجناحين اللذين سيطرا على البلدة القديمة، وفرضا حكم الثورة فيها، ولاحقا دابر العملاء والجواسيس الذين كانوا عيون الاحتلال في ملاحقة المقاومين، فأقاموا في أزقة الياسمينة محكمة للثورة التي كان يجري بها التحقيق مع المتعاونين مع الاحتلال قبل أن يصدر قرارا بالإفراج عنهم أو تصفيتهم، والعديد من الأماكن التي اتخذها المقاومين كمقرات لهم، مطمئنين فيها إلى البيئة الشعبية الحامية لهم.

وعلى امتداد تاريخها المقاتل، قدمت حارة الياسمينة عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى والأسرى والمطاردين، ومن أبرز شهدائها القائد في الفهد الأسود أحمد طبوق الذي قاتل لسنوات وارتقى عام 2002، والقائد العام لكتائب شهداء الأقصى نايف أبو شرخ، وقائد النسر الأحمر أيمن الرزة، والقائد العام لحركة الشبيبة فتح محمود الجميل، وشقيقه مؤيد الجميل، وعماد الناصر، وهاني التَيم، وناصر البوز، ومجدي مرعي، وفادي الصروان، وجهاد أبو صالحة، والقائمة تطول.

 كانت البلدة القديمة في نابلس بشكل عام، وحارة الياسمينة بشكل خاص، عنوان أحد أبرز المعارك في الانتفاضة الثانية، والتي وقعت بالتزامن مع معركة مخيم جنين، وخلالها هدمت قوات الاحتلال أجزاءً كبيرة من الحارة شملت مصابن ومحال ومنازل واحتجزت الأهالي في بيوتٍ اتخذتها ثكناتٍ عسكرية وعاقبتهم لالتفافهم حول المقاومين، إذ لطالما وفّروا لهم الزاد والمأوى وقاموا بمهام الرصد وتأمين الطرق لهم خلال تنقلاتهم.

واليوم بعد عشرين عاما على معركة الاجتياح عادت جنين لسيرتها الأولى، لتكون رصاصة مقاومة في بيت النار، تحت عنوان كتيبة جنين، التي احتضنت تحت شرف بندقيتها كل مناضل ومقاتل، فقاتلوا مقبلين غير مدبرين، وكروا وفروا، وغزوا ونزفوا، ولم يرفعوا سوى راية الجهاد.

ولم يكن لرجال نابلس أن يخلفوا الوعد والعهد، فجاء رجالها ليسندوا مقاومة جنين، بكتيبة نابلس، التي صدت وقاومت، وهاجمت ودافعت، وحملت على أكتافها بعض تعب المواجهة والاشتباك، فكان الدخيل والمبسلط والشيشاني الذين اغتيلوا قبل أشهر، استمرار الدم من جنين إلى نابلس.

أعلت معركة الياسمينة فجر اليوم قداسة الدم، وعهد الرجال، ولذلك كان من الطبيعي أن يتداعى مقاتلو جنين فجرا، ليلتحقوا بالمعركة بعد أن نجحوا بالوصول إلى ساحتها ليلتحموا في الميدان بالرصاص، بانتظار معركة أخرى لا تزال الياسمينة وجنين رصاصة في بيت النار.

وكالة وطن للانباء
فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة