loading

فرحة كَسرت القيد

هيئة التحرير

من الوجع الذي يسكن جنبات بيوتهم صنعوا الفرحة، وبإرادة النجاح كسروا القيد، وبنور العلم بددوا عتمة من السجان، فسافروا بنجاحهم في امتحان الثانوية العامة، وعانقوا ذويهم في السجون وأهدوهم فرحة العمر التي لا توازيها إلا فرحة الحرية.

وفي كل مرة تُعلن فيها نتائج الثانوية العامة، تتجه الأنظار والقلوب إلى بيوت الأسرى، لمشاركة أبنائهم وبناتهم فرحة النجاح، لتبديد الحسرة والوجع في قلوبهم، ومعانقة الفرح معهم حتى البكاء.

تفوقت الطالبة رغد حامد من بلدة سلواد في امتحان الثانوية العامة وحققت معدل 98 في الفرع الأدبي، ولعل الدافع لنجاحها وتفوقها غريبا، لكن ليس على الفلسطينيين الذين دائما ما صنعوا من الصعاب المستحيل.

 عاشت رغد ظروف صعبة قبيل امتحانات الثانوية بعد أن فقدت والدتها في أيلول/سبتمبر عام 2020، مخلفة وراءها وجعا وفراغا كبيرا لها شخصيا، بعد 3 سنوات فقط من اعتقال شقيقها مالك حامد المحكوم بالسجن المؤبد.

يقبع مالك في العزل الانفرادي منذ قرابة السنة، ولعل هذا العزل كان الدافع لرغد التي كانت متعلقة جدا بأخيها قبل اعتقاله، إلى الإصرار للتفوق والنجاح وتحقيق معدل عال في الثانوية العامة، لإيصال قضيته إلى أوسع شريحة من خلال نجاحها.

 وقالت رغد لـ “بالغراف”، إن شقيقها مالك يقبع في العزل منذ 12 شهرا، وهذا ما “دفعني للتفكير بتجربة شعوره بأن أحبس نفسي في الغرفة للدراسة، لتحقيق النجاح التفوق، حتى يسمع العالم بنجاحي وأرفع قضية أخي وقضية الأسرى لكل العالم”.

وتضيف “كان هذا دافعي القوي والأول لأحقق معدل عال في التوجيهي حتى تنتشر قصة أخي في السجن، وينتهي عزله”، مشيرة إلى أنها حين كانت تزوره قبل عزله، كان يشجعها على الدراسة والتفوق.

وتهدت رغد نجاحها لشقيقها ولكل الأسرى والجرحى والشهداء، موضحة أنها تنوي دراسة القانون في جامعة بيرزيت حتى تستطيع الدفاع عن الأسرى.

أما والدها الحاج أحمد حامد أكد لـ”بالغراف” صعوبة الظروف التي مرت بها ابنته خلال دراستها، لكن إرادتها دفعتها لتحقيق النجاح والتفوق لتشجيع ودعم العائلة لها”.

ولفت الحاج حامد إلى أنها حققت أمنية والدتها وأخيها بالنجاح والتفوق، مشيرا أن مالك لم يعلم حتى الآن بنجاح شقيقته كونه يقبع في العزل الانفرادي منذ عام تقريبا.

وكان الأسير مالك حامد، قد سكب الماء الساخن على سجان إسرائيلي في سجن جلبوع، قبل 11 شهرا تقريبا ردا على عمليات القمع والتنكيل بحق الأسرى التي يمارسها السجّانون عقب انتزاع ستة أسرى حرّيتهم من المعتقل العام الماضي، حيث تعرض للضرب والتنكيل والعزل، ومن ثم عزله.

 القانون حلم نهاد منذ الصغر

في منزل الأسير رشيد عمر المحكوم بالسجن المؤبد و25 عاما، عمت الفرحة الكبيرة بنجاح نجله نهاد بمعدل 89.1 في الفرع الأدبي، وشارك الأهل والأقارب والجيران عائلة الأسير فرحة النجاح.

 نهاد الذي لم يتجاوز عمره 7 شهور حين اعتقلت قوات الاحتلال والده عام 2005، ويقضي حكما بالسجن المؤبد و25 عاما، كان لديه حافز إدخال الفرحة لقلب والده دافعا لتحقيق النجاح والمثابرة في امتحان الثانوية العامة.

وقال لـ”بالغراف”، “بعد دقائق من معرفة النتيجة بلغنا الوالد بها داخل السجن، لقد دخلت الفرحة إلى قلبه رغم القيود والسجن والحراس، كان صوته مليء بالفرحة وشعور السعادة، وكان الأسرى من حوله سعداء، وباركوا لي النجاح”.

ويقبع الأسير رشيد عمر في سجن مجدو الذي نقل إليه من سجن جلبوع بعد عملية نفق الحرية العام الماضي، وقد تمكن العام الماضي من الحصول على شهادة البكالوريوس الجامعية داخل السجن.

يخطط نهاد اليوم لدراسة القانون في جامعة النجاح، فهذا كان حلمه منذ المرحلة الابتدائية، قائلا ” منذ الصفر وأنا أحلم بدراسة القانون، ووالدي شجعني ودعمني على هذا الخيار”، مشيرا أنه رغم الفرحة الكبيرة إلا أنها تبقى منقوصة في غياب الوالد.

فرحة على الهاتف

صبيحة يوم النتائج، سارع الأسير يوسف السكافي المحكومة بالسجن المؤبد، للاتصال بعائلته لمساندة ابنته تحرير التي كانت بانتظار نتيجتها في امتحان الثانوية العامة، حيث بقي على الهاتف إلى حين وصلت نتيجة نجاحها بمعدل 73.6 في الفرع العلمي، فشاركها النجاح بصوته البعيد، ودموع الفرح التي طغت على المشهد.

 لم يكن المعدل مرضيا لتحرير التي كانت تتوقع تحقيق معدل أعلى، لكن والدها ساندها ودعمها وشجعها، رغم بكائها الذي لم يتوقف.

وقالت تحرير ” الوالد كان دائما معنا في البيت في كل التفاصيل، وخلال دراستي كان دائما يشجعني ويحفزني على الدراسة والمثابرة، وخاصة في أوقات التوتر أو الزعل، وفي أوقات الامتحانات كان دائم الاطمئنان علي رغم اعتقاله”، منذ عام 2004.

تحرير التي تنوي دراسة التربية في جامعة البولتكنك، مرت كغيرها خلال دراستها بصعوبات نتيجة بعد والدها عنها والقلق الدائم عليه نظرا لعمليات الاقتحام والتنكيل للسجون، إضافة إلى القلق على حالته الصحية، حيث تعرض عام 2009 لجلطة قلبية، وأُجريت له عملية قسطرة وزراعة شبكية في القلب، ومشاكل صحية عديدة.

  بكاء الفرح على الهاتف

كان يوم إعلان النتائج بالنسبة للطالبة دانيا نزال من مدينة قلقيلية، بمثابة يوم الراحة الذي انهارت عن أكتافها به كل أيام التعب والانتظار، محققة النجاح في الفرع التجاري بمعدل 70.

دانيا ابنة الأسير علي شريف نزال، المحكوم بالسجن 20 عاما، وصفت مرحلة التوجيهي بالأصعب، والذي كان والدها يساعدها يوميا لتجاوزها ودعمها.

وتقول دانيا لـ”بالغراف”، إنه ” بشكل يومي كان بابا يتصل ويطمئن علي ويمنحني الدعم والتشجيع، ويقدم لي المعلومات، فعلاقتي معه قوية ويشد على أهمية النجاح لحياتي”.

اعتقل علي نزال بينما كان عمر دانا عامين فقط، وخلال الفترة الماضية حرمت من زيارته، لكن التواصل من قبله لم ينقطع، قائلة ” كنت أسعى لأحقق معدل أعلى حتى يفرح والدي، وبذلت جهدي في ذلك، لكن الحمد لله”، مشيرة “والدي خلال الامتحانات النهائية قلل من اتصالات علي حتى لا يضيع وقتي”.

 وتضيف ” دائما كان ينصحني بأن أجعل تركيزي على مستقبلي ودراستي، وكذلك على موهبتي الكبيرة بالرسم، والتي تطورت مع السنوات، والتي أبدع بها ويشجعني على تطويرها”.

قد تكون اللحظة التي أبلغت فيها دانا أبيها بنجاحها، أكثر حماسة لديها من معرفتها النتيجة، مضيفة ” قمنا بالتواصل معه وتبلغناه وفرح كثيرا، وبكينا على الهاتف، كانت لحظة صعبة للغاية وأهداني مع الماما أغنية لي”.

ولأنها تبدع بالرسم، تنوي دانا الالتحاق في جامعة خضوري في طولكرم لدراسة هندسة التصميم الديكور الداخلي.

المعدل لن يقتل الحلم

كانت فرحة النجاح لدى الطالبة هبة نيروخ، معجونة بالغصة، الكبيرة، حيث افتقدت والدها في هذه اللحظة التي كانت تنتظر ان يشاركها بها.

وتقول هبة لـ”بالغراف” لم أعش مع أبي، فقد اعتقل قبل أن أرى نور الحياة بستة شهور”، ولكن خلال فترة التوجيهي كان خير الداعم والسند ودائم التشجيع والتحفيز لي.

 تشير هبة إلى تأثير جائحة كورونا والتعليم الإلكتروني على استعداداتها للثانوية العامة، إضافة إلى أن الحالة النفسية خلال الامتحانات كانت صعبة، تضيف ” بعد كل امتحان، كنت ادخل إلى غرفتي أبكي، وكنت بحاجة إلى شخص يدعمني ويسندني”.

وتضيف ” الفرحة كانت مليئة بالغصة لبعد الوالد، ولأن المعدل لم يكن ضمن توقعاتها، وقد شكل صدمة لها، خاصة أنه لن يؤهلها لدراسة ما حلمت به وهو العلوم السياسية، مضيفة “سأدرس عامين في الكلية ومن ثم سأقوم بالتجسير لدراسة العلوم السياسية، المعدل لن يحبط حلمي”.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة