loading

العمال: “نار الاحتلال ولا جنة السلطة”

هيئة التحرير: 

في خطوة قد تكون الأولى من نوعها، احتج آلاف العمال الفلسطينيين العاملين داخل الخط الأخضر، فجر اليوم الأحد، على حواجز الاحتلال المنتشرة في الضفة الغربية، التي يمرون منها إلى الداخل المحتل، رفضا لقرار السلطة وإسرائيل بتحويل رواتبهم عبر البنوك الفلسطينية.

ويرفض العمال هذا القرار، ويعتبرونه محاولة من الحكومة لاقتطاع أجزاء من رواتبهم لخزينتها، سواء عبر فرض ضريبة على رواتبهم، وتحويل أجزاء منها إلى صندوق الضمان الاجتماعي الذي تريد الحكومة تشغيله، ويحظى هذا القرار بدعم من وزارة العمل، معزية سببه إلى الدفاع عن حقوق العمال المالية ومحاربة ظاهرة سماسرة العمال.

 وعلى عشرات الحواجز العسكرية تظاهر العمال ورفعوا اللافتات المنددة بالقرار، فيما أعلن بعضهم الإضراب وعدم التوجه للعمل، حيث مثلّ هذا الاحتجاج خطوة أولى من سلسلة خطوات احتجاجية قد تتدحرج في الفترة المقبلة في ظل الرفض المطلق للعمل بالقرار.

وقال أحد العمال لـ”بالغراف” إن العامل يكفيه ما يدفعه ثمن للتصريح بواقع 2500 شيكل شهريا، وهو يعمل ليل نهار حتى يقوم بتأمين سعره، ومن يعطل يوم فإنه يدفع ثمن التصريح من جيبه، مضيفا ” العمال ماكلين هوا”، وهم يريدون من هذا القرار خصم 17% من رواتبنا.

وقال عامل آخر لـ”بالغراف” إننا غير موافقين على القرار، لأن الحكومة والسلطة غير مؤتمنة على رواتبنا، ونحن لا نثق بها، وتجربة مستشفى خالد الحسن وقبلها مصنع الإسمنت، وغيرها من الدلائل الكثيرة التي تجعلنا لا نأتمن الحكومة على رواتبنا، وحتى رواتب الموظفين نرى الظلم بها، فهناك موظفين وناس عايشة في بروج عاجية وناس عايشة تحت خط الفقر.

 في حين استغرب عامل في حديث لـ”باالغراف” من مزاعم الحكومة حول حماية العمال، قائلا ” كيف بدها تحمينا الحكومة، هي في الحقيقة تريد حماية نفسها”، مضيفا نحن “غير موافقين على القرار، أنا أعمل منذ 20 سنة في إسرائيل وما راح علي ولا شيكل، وأدفع ثمن التصريح 2500 شيكل شهريا، ولكن أنا باخذ كل أتعابي وما بروح علي شيكل واحد”.

وقال عامل آخر لـ”بالغراف” إن “من وضع مثل هذا القرار، نايم هو وأولاده في داره الآن، وهو يريد بناء قصور وركوب سيارات هو وأولاده على حسابنا، ييجي يوقف هون ويرى معاناة العمال”، مضيفا ” بدهم يحمونا من المشغل، كيف بدهم يعملوا هيك، احنا بنشتغل مع المشغل، يجب أن نحمي حالنا منهم هم”.

وتصر الحكومة على تنفيذ القرار الذي اتفقت بموجبه على تحويل رواتب العمال في إسرائيل إلى البنوك الفلسطينية، إذ قال وزير العمل نصري أبو جيش في تصريحات صحفية اليوم، أن قرار تحويل رواتب العمال عبر البنوك ستتم من دون فرض أي ضرائب عليها، وهو قرار إسرائيلي، وجاء بالتنسيق بين النظام المالي الإسرائيلي والفلسطيني، بعد إثارة موضوع سماسرة العمال الذي يستغلون قوت العمال.

لكن العمال يعتقدون أن هذا القرار هدفه هو الاقتطاع من رواتبهم الشهرية، ومستحقاتهم المالية المتراكمة منذ سنوات، ويخشون أن يكون تحويل رواتب أجور العمال إلى البنوك الفلسطينية، جزءا من عدة قضايا في ملف العمال في إسرائيل، تريد السلطة إنجازها، أو ترتيبها خاصة الجوانب المالية المتعلقة بها، ولعل ما يخيف العمال هو الاقتطاع لصالح صندوق الضمان الاجتماعي، الذي حاولت الحكومة قبل سنوات إنشائه، لكنها تراجعت عن ذلك لاحقا نتيجة ضغوطات شعبية وجماهيرية شاملة.

وتنبع أهمية صندوق الضمان الاجتماعي بالنسبة للسلطة، ليس بما سوف تقتطعه من نسب محددة من رواتب العمال شهريا فقط وتحويلها إليه، وإنما بتحويل مستحقات العمال المتراكمة منذ عشرات السنوات في إسرائيل للصندوق، والتي تُقدر بـما لا يقل عن 60 مليار شيقل.

وبموجب الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير والاحتلال، فإن الاحتلال التزم بتحويل مستحقات العمال منذ سبعينات القرن الماضي إلى صندوق ضمان اجتماعي فلسطيني، ولعل ذلك ما يوضح تصريح الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين في تموز الماضي بوجود توجه لإنشاء صندوق ضمان اجتماعي خاص بالعمال.

وتعقيبا على احتجاج العمال، قال أمين عام اتحاد النقابات المستقلة محمود زيادة لـ” بالغراف” إن ملف العمال في الداخل المحتل، متشعب القضايا، ومسألة تحويل الرواتب مُثار منذ سنوات من شخصيات فلسطينية وإسرائيلية، وهي مسألة تأتي في سياق متشعب تتعلق بالتصاريح وشروط العمل والضمان الاجتماعي.

وتابع زيادة أن “خشية العمال من هذا القرار في محلها، لأن المسالة لا تتعلق فقط بتحويل أجورهم للبنوك الفلسطينية، حيث يجري في هذه الأثناء تداول إمكانية إنشاء صندوق ضمان اجتماعي خاص للعاملين في المنشآت الإسرائيلية، تحول عليه هذه الاقتطاعات، ويبدو أن العمال قد أدركوا أن الأمر لن يتوقف عند هذه الحدود من الاقتطاعات وقاموا بهذه الاحتجاجات، كخطوة استباقية على هذا التوجه”.

وقال زيادة إنه “من المتوقع تدحرج الاحتجاجات العمال في الضفة، ولذلك كان على وزارة العمل أن لا تتورط في هذه المسألة باعتبار أنها صاحبة الشأن والمصلحة، لكن الوزارة تطمح بأن تكون هي الجهة التي تمر من خلالها التصاريح، وهذا الأمر غير منظور في الأفق وليس بإمكانها ذلك، وعليها أن تتريث باتجاه معالجة الموضوع بشكل أشمل حتى لا تبدو طرفا في النزاع مع هواجس العمال في الوقت الذي من المفترض أن تكون هي المدافع عنهم”.

وعن عدم ثقة العمال في الحكومة، والخشية من الاقتطاع من أموالهم، قال زيادة ” بشكل عام هناك مصلحة عامة بأن تحول هذه الأموال والأجور إلى البنوك، وسينجم عنها تداعيات إيجابية على الاقتصاد، ولكن هذه القضية ليست منعزلة عن مجموعة قضايا مترابطة، ولا يمكن إدارة هذا الملف بهذه الخطة والاستخفاف والقفز عن وعي العمال، وتجاهل وجهة نظرهم، من قبل مجموعة تفكر بعيدا عن العمال، ويدير المسائل بشكل إداري وفوقي بعيدا عن رؤية الوقائع ومشاعر أصحاب الشأن وتقديراتهم وأولوياتهم “.

وتابع زيادة أن “جهات الاختصاص تفكر بعيدا عن العمال، ولا ترى أو تهتم بما يثيره العمال من قضايا طيلة السنوات، والعمال يعتقدون أن الأولوية الآن لوقف عمل سماسرة التصاريح وجزء من هذه السمسرة يشارك فيها فلسطينيون، ولكن السلطة ووزارة العمل واتحاد النقابات لم يتمكنوا من وقف هذه العملية والاستنزاف، ولا يمكن بدون ثقة العمال من تنفيذ أي إجراءات يعتبرها أصحاب الشأن – وهم العمال- بأنها ليست أولوية لهم وأنها مضرة بحقوقهم”.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت يوسف داوود لــ”بالغراف”، حول إصرار الحكومة على تحويل رواتب العمال الى البنوك في ظل رفض العمال، إن سبب ذلك قد يكون رغبة السلطة في معرفة وضبط كمية الأموال التي تدخل إلى فلسطين، مشيرا أن الغاية من ذلك قد تخدم أكثر من سبب، منها الحصول على معلومات دقيقة عن حجم التحويلات المالية الواردة إلى فلسطين من خلال العمال، وكذلك إمكانية فرض ضريبة على تلك التحويلات.

ولفت داوود أن من مصلحة العمال أن يتلقوا رواتبهم كاش، ويتصرفون به كما يحلو لهم.

وحول كان ذلك له علاقة بتوجه الحكومة لإنشاء صندوق ضمان اجتماعي، قال داوود ” لا أعلم إن كان هناك مشروع قانون ضمان اجتماعي، ولكن في حال كان ذلك، فإنه يستوجب من كل عامل أن يدفع مبلغا محددا ترصد له الفوائد ويحصل عليها لاحقا، وقد يكون أحد من الأسباب خلف إصرار السلطة على ذلك”.

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح نائل موسى، إن الحكومة لها غايتان من تحويل رواتب العمال إلى البنوك، الأولى أنها تنتهي من ظاهرة سمسرة العمال وضياع حقوقهم، والمسألة الأخرى الاستفادة من الاقتطاعات الضريبة التي تقوم بها إسرائيل من العمال، بحيث يمكن للحكومة الفلسطينية الحصول عليها من الحكومة الإسرائيلية من خلال المقاصة في استردادها، وهذه وثيقة للحكومة.

ولفت موسى لـ”بالغراف” أن اتفاق باريس أتاح للسلطة الفلسطينية استرداد 75 % من مقتطعات العمال العاملين في إسرائيل، و100 % من مقتطعات العمال في المستوطنات، مشيرا أن إسرائيل تقتطعها من رب العمل في إسرائيل والتي هي للعامل، وعند تحويل الرواتب إلى البنوك، تستطيع الحكومة أن تبرز حجم تلك التحويلات من خلال المقاصة لتسترد تلك الاقتطاعات.

وقال موسى إن اعتقاد العمال بأن الحكومة ستجبي منهم ضريبة دخل غير دقيق، لأن ذلك سيكون بمثابة ازدواجية، لأنه لا يجوز دفع ضريبتين، فالعامل دفع تلك الضريبة في إسرائيل، وبدل أن تذهب قيمة الضريبة لإسرائيل تذهب للمنطقة التي موجود بها العامل والدولة التي يوجد بها العامل.

وحول صندوق الضمان الاجتماعي، قال موسى إن هذه الأموال لا يمكن أن تحوّل إلا إذا كان لدينا مؤسسة ضمان اجتماعي، وفي حال كانت لدينا مؤسسة ضمان ويسجل العامل اسمه بها، وبالتالي الاقتطاعات التي تذهب للضمان الاجتماعي في إسرائيل تُحول للمؤسسة الفلسطينية.

وأشار موسى أن هذه الخطوة مفيدة للعمال، إذ يستطيع العامل مطالبة مؤسسة الضمان الاجتماعي في فلسطين بالأموال التي تقتطع منه لصالح الضمان الاجتماعي في إسرائيل.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة