loading

العقيد فتحي خازم: نسر ونجمتين في مكانهما الصحيح

هيئة التحرير

ليس كأي ضابط عسكري، حال العقيد في جهاز الأمن الوطني فتحي زيدان خازم (58 عامًا) من مخيم جنين شمال الضفة الغربية، والذي يحمل على كتفه “نسرًا ونجمتين، كشعار يدلل على رتبة العقيد”، في صورة لم يعهدها الفلسطينيون كثيرًا، قبل خازم تحدي الاحتلال ولم يرضخ بتسليم نفسه، وأصبح المطارد، صاحب الخطاب الذي يدافع عن المقاومين، كيف لا وهو الذي أطلق العنان لنسره عن كتفه، وقدم نجمتيه فلذتي كبده رعد وعبد الرحمن شهداء.

“يا فلذة كبدي: قاتلت في سبيل الله، واشتبكت مع عدونا وعدو الدين، مقبلاً غير مدبر، اللهم إني أشهدك، وأشهد ملائكتك، وحملة عرشك، أنني راضٍ عن ابني عبد الرحمن، فارض عنه يا الله”، هذا خطاب ضمن مشهد لم ينسه الفلسطينيون يوم أمس الأربعاء، حين وداع العقيد فتحي خازم من مخيم جنين، لابنه الشهيد عبد الرحمن الذي قتل وثلاثة آخرين خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للمخيم وإصابة العشرات.

ولن ينسى الفلسطينيون مشهد العقيد المطارد وهو يصيح على ابنه الشهيد عبد الرحمن حين إنزاله القبر “سلم على رعد يابا”، يقصد ابنه الشهيد رعد منفذ عملية “ديزنغوف” قرب تل أبيب قبل نحو ستة أشهر، وقتل فيها 3 إسرائيليين وإصابة 16 آخرين، وقتل رعد خلال العملية.

خطاب المؤمن الصلب

لم تكن خطابات فتحي خازم وليدة لحظة، حين الحديث عن رجل صاحب خطاب ديني وإيمان قوي بدا جبلاً لا ينكسر أمام عدوه، فظهر بمشهد خلال تشييع جثمان ابنه عبد الرحمن، بين مقاومين في مخيم جنين يحيطونه من كل جانب، بل إن كلماته الموجهة لفصائل المقاومة تؤكد إيمان الرجل ووعيه بطبيعة المرحلة، حينما خاطبهم قائلاً: “إن المخيم أمانة في أعناقكم، ووحدة المخيم أمانة في أعناقكم، ووحدة الفصائل، إياكم أن تضيعوها هذا الصف، إياكم أن ننكسر، استمروا يداً واحدة، وروحاً واحدة، وعلى قلب رجل واحد”، فيما رفض أن يتم وصف المقاومين بـ”الزعران”.

ويوضح أمين خازم شقيق العقيد فتحي “أبو رعد” في حديث لـ”بالغراف”، أن خطاب شقيقه نابع من قناعاته وإيمانه، وهو إنسان مثقف وواعي، وملتزم دينيًا، وهوايته قراءة الكتب، بمواضيع متنوعة.

من جانبه، يقول مفيد غانم صهر فتحي خازم لـ”بالغراف”: “إن فتحي صاحب عزيمة، وهو اضطر إلى أن يكون بهكذا موقف، حيث إنه صلب وشجاع وقوي، وصاحب مبدأ ولا يقدر أن يكسر نفسه، فشخصيته قوية، ولديه روح الشخص القيادي منذ صغره، كما أنه لا يظهر للآخرين ضعفه، بل يشد من أزر من حوله”.

يتمتع فتحي خازم بشخصية واعية مثقفة، وبعلاقات اجتماعية متميزة، وهو مستقر بحياته ومقبل جدًا على الحياة، قبل أن تطارده قوات الاحتلال، وكان رجل إصلاح متزن، وصاحب حضور قوي، وهو ملتزم دينياً بوعي ودون تطرف، وخطابه الديني منطقي وواعي، ولديه ذاكرة قوية، وخطاباته ارتجالية، وهو مثقف بمختلف المواضيع، وجلساته لا تمل، ولديه منطق في إقناع الآخرين، يؤكد صهره مفيد غانم.

مطاردة وتحدي

العقيد خازم لم يكن والد شهيد طارده الاحتلال بعد تنفيذ ابنه رعد عملية إطلاق النار في شهر أبريل \ نيسان 2022، دون أن يفعل شيئًا، ليصبح بعدها رمزًا وأيقونة يصفه الفلسطينيون بأنه “العقيد الحقيقي”، وكانت خطاباته كفيلة بإنعاش روح المقاومة.

أبو رعد الذي لاحقه الاحتلال، طيلة الأشهر الماضية، وفشل باعتقاله، تعرض وعائلته لمضايقات وهدم شقة له، فابنه همام تعرض للاعتقال، وسبقها استهداف قوات خاصة لجيش الاحتلال لهمام ووالدته بالرصاص الذي لم يصبهما وتمكنا من الفرار واستشهد حينها الفتى محمد زكارنة.

ووفق شقيقه أمين، فإن قوات الاحتلال طالبت فتحي بضرورة تسليم نفسه، لكنه رفض، وطلب منهم تسليم جثمان نجله، لكن قوات الاحتلال حاولت أن يسلم نفسه وبعدها تسلم الجثمان، فرفض إلا بتسليم نجله رعد أولاً، ثم تصاعد التحدي، إلى أن أصبح مطاردًا لقوات الاحتلال.

إيمانه الراسخ دفع “أبو رعد” للقول بعد استشهاد ابنه عبد الرحمن: “هدموا بيتي ولم يهدموا إلا حجاراً، لم يهدموا لا عزيمتنا ولا إرادتنا، قتلوا أبنائي ولكنهم ليسوا بقتلى فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، الله مولانا ولا مولى لهم، عقيدتنا تجعلنا نفرغ صبراً على قلوبنا”.

العقيد المطارد.. تاريخ من النضال!

لم يكن يعرف فتحي خاز الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني، لكنه وبعد استشهاد رعد بات أيقونة الفلسطينيين، فمن هو العقيد المطارد؟ اجتماعيًا هو أب حنون ولديه خمس أولاد و3 بنات أكبرهم الشهيد رعد ثم يليه الشهيد عبد الرحمن، والعقيد خازم رجل مقبل على الحياة، وبناته متزوجات ولديه أحفاد.

نضاليًا، فقد بدأ مشوار فتحي خازم منذ انتفاضة الحجارة “الانتفاضة الفلسطينية الأولى”، حيث اعتقلت قوات الاحتلال فتحي، وأمضى في سجونها نحو خمس سنوات بتهمة مقاومة الاحتلال، خرج بعدها، وحين أقيمت السلطة الفلسطينية التحق خازم بجهاز الأمن الوطني وتنقل في صفوفه في العديد من المحافظات، وحاز العديد من الرتب إلى أن حصل على رتبة عقيد وكان يشغل نائب قائد منطقة نابلس في الجهاز، لكن قبل سنوات كان بصدد الوصول إلى رتبة عميد، وبسبب خلافات داخلية، جرى تجميد عمله وطلب منه عدم الدوام، “فهو ليس متقاعد، بل جمد عمله”، بحسب ما يؤكده أمين خازم، شقيق العقيد فتحي “أبو رعد”.

تعود أصول عائلة خازم إلى بلدة قباطية جنوب جنين، من عائلة زكارنة، واشتهرت باسم الجد الذي اضطر للعيش مع أقاربه في مدينة شفاعمر في الداخل في أربعينيات القرن الماضي، بعدها اعتقلت قوات الاحتلال بعد احتلال فلسطين زيدان خازم والد فتحي، وجرى سحب الهوية منه وإبعاده وهو شاب من شفاعمرو إلى مدينة خانيونس بقطاع غزة وبقي هناك خمس سنوات، ثم عاد إلى جنين وعاش في مخيمها وتزوج وتوفي ودفن فيه.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة