loading

انتخابات البرازيل وفلسطين: بين اليسار واليمين

عبد الله زماري*

ترامب البرازيل، لقب يطلقه الأنصار والمؤيدون، على الرئيس البرازيلي الحالي “جايير بوليسنارو” الطيار السابق بالجيش البرازيلي، المسيحي الانجيلي المحافظ ذو التوجهات اليمينية، والفائز بالانتخابات السابقة منهياً سنوات طويلة من حكم اليسار البرازيلي.

لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، على النقيض، رئيس البرازيل اليساري لفترتين متواليتين (2003-2010) مرشح حزب العمال، اليساري، الموصوف بابن الشعب.

هؤلاء هما قطبا حملة انتخابية شرسة مستمرة منذ حوالي سنة كاملة، وهي المدة التي اعقبت حصول “لولا” على حكم ببراءته من تهم الفساد التي كان ادين بها في محاكمة مثيرة للجدل، ما قبل الانتخابات السابقة، تلك التهم التي ساهمت في خسارة حزب العمل للانتخابات. شراسة الحملة الانتخابية والاستقطاب السياسي الشديد في المجتمع البرازيلي، إضافة لتصريحات نارية من بوليسنارو، لا تبشر بانتقال سلمي للسلطة، في حال خسارة بوليسنارو، تلك الخسارة التي توقعها مراقبون محليون ودوليون، ومهدت لها كثير من الصحف والمواقع الإخبارية تبعا لعدة استطلاعات رأي، أشار بعضها إلى إمكانية حسم “دا سيلفا” للمعركة الإنتخابية من الجولة الأولى، بالرغم من وجود 11 مرشحا للرئاسة، من بينهم القاضي الذي حكم بإدانة دا سيلفا قبل ما يقرب من خمس سنوات.

لم يحسم “لولا” الانتخابات من الجولة الاولى رغم فوزه على بقية المرشحين بنسبة (48.4%) من أصوات الناخبين، تلاه الرئيس الحالي بولسينارو بنسبة (43.2%) الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين مفاجأة لصالح بوليسنارو، بينما حصل بقية المرشحين على نسب أصوات متدنية جداً.

من هما قطبا الانتخابات

بوليسنارو.. فاز بالانتخابات السابقة بعد مسيرة انتخابية مثيرة للجدل تضمنت اتهام كل منافسيه بالفساد او قضايا فضائح، مما جعله المرشح الأقوى في حينه، كما تحالف مع الانجيليين، رجال أعمال كبار، قيادات الجيش والشرطة، وقوى اجتماعية محافظة، وقدم برنامجا انتخابيا واعداً، الا ان أداءه كان رديئا، سواء على الصعيد السياسي او الاقتصادي او الصحي، او حتى البيئي، فقد حصر علاقاته الدولية بالولايات المتحدة، مهاجمًا الصين وروسيا ومعظم الدول ذات الصداقات العريقة من البرازيل، مما جعل دول العالم تنظر للبرازيل بتشكك وعدم يقين، اما في الجانب الصحي فقد رفض تلقي اللقاح وأخر وصول اللقاحات إلى شعبه مما جعلها تحتل المرتبة الثالثة من حيث ارتفاع عدد الوفيات في العالم.

لولا.. تصدر لولا داسيلفا استطلاعات الرأي ما قبل الانتخابات،  بنسبة تتراوح بين (48-51%)، حيث يرى فيه البرازيليون المنقذ مما تمر به البلاد من أزمات وعزلة ونفور دولي، خاصة بعد أن خسرت حلفها مع الولايات المتحدة بعد سقوط ترامب، والمخاض الدولي الحاصل حاليا نحو إعادة تشكيل العالم وأحلافه وأقطابه. “لولا” لاعب سياسي ماهر على الصعيد الدولي فهو وان كان يرفض هيمنة الولايات المتحدة على امريكا الجنوبية، إلا أنه لن يقطع علاقاته بها أو يناصبها العداء، كما أنه يمتلك علاقات جيدة مع روسيا والصين فهو من أسس برفقتها مجموعة بريكس الإقتصادية، تلك المجموعة التي سيعيد إحياء دور البرازيل وعدد من دول أمريكا الجنوبية فيها، بعد ان جمده بوليسنارو.

اضافة لقدرات “لولا” الرجل السبعينيّ على الصعيد الدولي، فهو أيضا لاعب محنّك بالسياسات الداخلية، والذي استطاع خلال فترة حكمه سابقا، تغيير حياة ملايين البرازيليين من خلال المنح التعليمية وبرامج الرعاية الصحية، إضافة إلى تشجيع الزراعة بالمناطق الريفية النائية، وهو أيضا _على عكس بوليسنارو_من أنصار البيئة وهي موضوع حساس في البرازيل التي تعاني تراجعًا في مساحات غابات الأمازون، وما تشكله هذه الغابات من أهمية للبرازيل وكوكب الأرض بشكل عام.

وإذا ما نظرنا للأمور بعيداً عن اسم الشخص الفائز بالجولة الثانية من انتخابات الرئاسة البرازيلية، فانه سيواجه عدة أزمات ومشاكل معقدة، سواء ما يتعلق بالوضع الإقتصادي والإجتماعي الداخلي، أو ما يتعلق بعلاقات البرازيل الدولية في ظل هذه المرحلة التاريخية التي يعاد فيها تشكيل العالم وإعادة اصطفاف الدول في تكتلات جديدة ستشكل أقطاب مرحلة ما بعد هيمنة الولايات المتحدة كقطب وحيد في العالم. وربما ليس أقلها الأزمة الروسية الأوكرانية والتي تركت آثارها الإقتصادية على بقية العالم بمجالي الغذاء والطاقة، اضافة إلى المواقف السياسية التي اصبحت تحسب بدقة وكأن الولايات المتحدة تقف للدول “عالنقرة”. إضافة للأزمة التي خلفتها جائحة كورونا على البلاد والتي تركت خلفها ما يقرب من 700 ألف وفاة، وتراجع اقتصادي مقلق، يضاف للجمود الناتج عن أزمة أوكرانيا وتحذيرات المؤسسات الإقتصادية العالمية من فترة ركود وتضخم ستضرب العالم خلال فترة قريبة. إضافة إلى تفشي العنف والجريمة في المجتمع البرازيلي، وعلى صعيد القضية الفلسطينية من المتوقع ان تلعب البرازيل _إذا ما فاز لولا_ دورها التاريخي المناصر والصديق للقضية الفلسطينية ولكل حركات التحرر بالعالم، وان يساهم استعادتها لنفوذها في امريكا اللاتينية في وقف انزياح دول القارة باتجاه السياسات الامريكية تجاه الدعم المطلق لدولة الإحتلال، ويساهم في تخفيف ضغوط الولايات المتحدة على دول تعارضها مثل فنزويلا والسلفادور وكوبا، كون البرازيل ترفض تعامل الولايات المتحدة مع أمريكيا اللاتينية على أنها فنائها الخلفي، مضمون الولاء، ومن المرجح أن عودة البرازيل لتصدر المشهد في أمريكيا اللاتينية، قد يوقف ميل بعض الدول لنقل سفاراتها إلى القدس المحتلة على غرار ما فعلت الولايات المتحدة وجواتيمالا وهندوراس. وربما وجدنا ترجمة لما يتوقعه الفلسطينيون من “لولا” من خلال نتائج صندوق فلسطين لانتخابات الرئاسة البرازيلية والتي حصد فيه لولا نسبة (85%) من الأصوات بينما حصل بولسينارو على (7%) فقط.

هذه المشاكل التي كان بوليسنارو جزءا من تفاقمها بسبب سياساته الداخلية والخارجية، والتي لم يقدم لها حلولا  مقنعة في برنامجه الانتخابي، نجد المرشح المخضرم يتصدى لها برؤية الخبير القادر على إعادة البرازيل إلى مكانتها العالمية، وهو الامر الذي فعله سابقاً، وتثق نسبة كبيرة من البرازيليين انه سيفعله مجددًا برغم ان الظروف الان أصعب من تلك التي سادت رئاسته الأولى.

قد تكون انتخابات البرازيل، الاستثناء الوحيد تقريبا، الذي يعود فيه اليسار إلى الحكم في ظل تنامي الشعبوية واليمينية في معظم الانتخابات العامة التي أجريت مؤخرا، خاصة بالدول الأوروبية، ولكن في ظل ما يعايشه المشهد السياسي البرازيلي من استقطاب شديد، واشتعال الدعاية الإنتخابية التي كانت أشبه بحرب كلامية نارية، هناك خشية أن لا تمر الانتخابات بسلام، حيث ظهرت اشارات من خلال احاديث بوليسنارو، وبعض ابرز أنصاره، أن معسكر بوليسنارو لن يسلم بخسارته في الانتخابات وقد يلجأ أنصاره إلى افتعال أعمال شغب واحتلال لبعض مؤسسات الدولة على غرار ما فعل أنصار ترامب حين خسر انتخابات الرئاسة لصالح بايدن قبل عامين.

باحث مختص بالاعلام الرقمي

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة