القدس في مواجهة العقاب الجماعي

هيئة التحرير

انتقامًا! تفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارًا محكمًا على أهالي مخيم شعفاط وبلدة عناتا المجاورة شمال شرق القدس، منذ أن نفذ مقاوم عملية إطلاق نار تجاه الجنود على الحاجز العسكري المقام على مدخل مخيم شعفاط السبت الماضي، أسفرت عن مقتل مجندة، وإصابة جنديين آخرين وصفت جراح أحدهما بالخطيرة.

مئات العمال والموظفين وعشرات الطلبة انتظروا لساعات على الحاجز العسكري المقام على مدخل مخيم شعفاط ومنعهم الاحتلال ليعودوا منازلهم، وحرموا الالتحاق بأعمالهم ومدارسهم، وعطلت حركة الأهالي والمارين، هكذا بدت الحياة اليومية في مخيم شعفاط وبلدة عناتا المتجاورين، ليترك 150 ألف نسمة تحت وطأة الحصار.

عقاب انتقامي

سياسة عقاب جماعي يتبعها الاحتلال لردع الفلسطينيين، فمنعت الحالات المرضية الذهاب للمستشفيات، والتجار لتجارتهم، والطلاب لمدارسهم، وحرم الأهالي ممارسة حياتهم الطبيعية، وممارسة حق العبادة كالذهاب للمسجد الأقصى، ولم يسمح للأهالي ممن كانوا خارج المخيم، أو زوار المخيم الخروج والدخول من وإلى المخيم، منذ السبت الماضي، ليطاول الحصار ليس أهالي المخيم فقط وإنما بلدة عناتا.

يؤكد المحامي مدحت ديبة وهو من أهالي مخيم شعفاط، في حديث لـ”بالغراف”، أن العقاب الجماعي الذي مارسه الاحتلال لا يضر بالمخيم فقط، بل جميع الفلسطينيين وكل من له علاقة بالمخيم، و”هذا عقاب جماعي غير مبرر”.

أزمة إنسانية تلوح بالأفق!

أزمة شديدة وشل حركة الحياة اليومية للأهالي، قد تكبد الأهالي أزمة إنسانية قادمة، ما دفع طاقم من المحامين وبناء على طلب محافظ القدس بالتقدم بالتماس مصغر لما يسمى وزير الأمن الداخلي ومدير شرطة الاحتلال طالبوهما بإزالة المنع والإغلاق حتى مساء اليوم الإثنين، ومن ثم سيتم تقديم التماس غداً الثلاثاء، لما تسمى محكمة العدل العليا للاحتلال، من أجل النظر في الحالات الإنسانية.

وبحسب المحامي ديبة، فإن أكثر من 300 مسن يعانون أمرضًا مزمنة، وأكثر من 1500 طفل يعانون الإعاقة، وأكثر من 250 مريض فشل كلوي بحاجة للمتابعة والمراجعة، علمًا بأن كل الحالات السابقة تم منعهم جميعاً من الذهاب للمستشفيات، وتم منع طواقم الإسعاف الدخول والخروج لمخيم شعفاط.

ما يحدث في مخيم شعفاط يؤكد الناشط الشبابي ناصر خشان في حديث لـ”بالغراف”، أنه مثال صغير لتاريخ كامل من عنصرية الاحتلال، إذ إن ذلك الحصار والعقاب الجماعي أثّر على حياة الأهالي من جميع النواحي، فتوقف التعليم، ومنعت الحالات الإنسانية تلقي العلاج، وتوقفت المحال التجارية، ولم يسلم الأهالي حتى وهم داخل بيوتهم من الاقتحامات المتكررة وإطلاق القنابل المسيلة للدموع، عدا عن صعوبة الحياة أصلاً لطبيعة ظروف المخيم.

يقول خشان: “نحن أمام قانون جديد بإغلاق الباب على السجين داخل زنزانة انفرادية، إضافة إلى سياسة القمع المتواصلة ليل نهار، والساعات القادمة ستكون فترة امتحان للجميع”.

فك الحصار مقابل تسليم المنفذ!

منذ السبت الماضين وقوات الاحتلال تدفع بتعزيزات عسكرية وطائرات داخل مخيم شعفاط وبلدة عناتا وضاحية السلام المتجاورة، ضمن سياسة عقاب جماعية تقود لأزمة إنسانية، وحينما حاول العشرات الخروج كان رد الاحتلال بتسليمهم منفذ العملية! يؤكد الناشط الإعلامي رمزي غنايم في حديث لـ”بالغراف”.

ويرى غنايم، أن الاحتلال يسعى لسلخ الفكر المقاوم من خلال هذه السياسة وتجريم العمل المقاوم وإخراجه من قالبه الوطني، الذين يحاول الاحتلال تدفيعهم الثمن حتى يسلموا الاحتلال منفذ العملية.

ووفق غنايم، فإن هذا الحصار أدى لعزل أكثر من 4 آلاف طالب وطالبة يدرسون خارج مخيم شعفاط، وقرابة 35 ألف عامل يسلكون الحاجز يومياً، موزعين على مختلف قطاع الخدمات من أطباء ومعلمين ومهندسين ومن يعملون في الفنادق وغيره تم تعطيلهم من خلال هذا الحصار.

معاناة مضاعفة

عشرات المواطنين ركنوا مركباتهم خارج مخيم شعفاط ودخلوه مشياً على الأقدام، ما أدى إلى عدم قدرتهم على تسيير أمور حياتهم اليومية داخل المخيم، بسبب منعهم من الخروج، ومنع الاحتلال.

تكبدت التجارة في مخيم شعفاط كذلك، خسائر أخرى، فمنع الاحتلال دخول البضائع التجارية خاصة التموينية والمحروقات، وبدأ المخيم يعاني من شح كبير في المحروقات، وكذلك بدأ الطعام والمواد الطبية بالنقصان، كما منع السكان من الوصول للبنوك خارج المخيم لسحب أموالهم ومخصصاتهم الشهرية.

الإغلاق لمدة يومين وفق غنايم، يشكل كارثة، فالخضار تأتي من شمال الضفة الغربية وتسلم بشكل يومي، والإغلاق أدى إلى نقص حاد في المستلزمات اليومية، وكذلك اللحوم، فالمنتجات داخل المخيم المتواجدة حالياً هي المعلبات والبقوليات التي لا تستهلك بشكل يومي، أما باقي المنتجات التي يكون الأهالي بحاجتها يومياً تم منع إدخالها بسبب الإغلاق، وبعض المحلات خالية من الأصناف الأساسية.

التجار يعانون

لم يقتصر هذا الوضع الكارثي على مخيم شعفاط، بل وطال بلدة عناتا، فالمدارس مغلقة وحركة العمال مشلولة، وتأذى التجار في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، حيث يؤكد التاجر مالك أحمد من بلدة عناتا في حديث لـ”بالغراف” “أن الوضع أثر علينا من عدة نواحي، من ناحية الحركة الداخلية ومن ناحية التجار الذين يوزعون البضائع من خارج البلدة، فالموضوع مرهق، هناك استهلاك من داخل البلدة، ولكن هناك إعاقة لحركة التجار من خارج البلدة، ما يواجه المندوبين خطرًا على حياتهم واحتمالية عدم عودتهم لمنازلهم”.

أحد أصحاب المحال التجارية في مخيم شعفاط “محمد” وهو من مدينة نابلس يؤكد في حديث لـ”بالغراف” أنهم منذ ثلاثة أيام لا يستطيعون الخروج من المخيم، والوصول لمنازلهم، والتواصل مع أهلهم، ويقول: “فشلت حركتنا بالكامل، إضافة إلى أن حصارنا لا يجدي نفعاً، حيث أننا لا نمارس عملنا، فمحرومين من ممارسة العمل ومن العودة للمنزل!”.

ويثني التاجر “أبو خليل” صاحب محل نثريات في مخيم شعفاط على كلام محمد، ويشير إلى معاناة صعبة منذ ثلاثة أيام بسبب شل الحركة التجارية، إضافة الى الاعتداءات التي يمارسها الاحتلال على المحال التجارية وعلى المنازل والأهالي.

عناتا بمرمى الحصار

سياسة العقاب الجماعي طالت عدة قرى مجاورة للمخيم بعد عملية إطلاق النار، وخاصة بلدة عناتا المدخل الجنوبي لمخيم شعفاط، ويعتبر “أبو إسلام” صاحب مصلحة تجارية في عناتا أن هذه السياسة ظالمة، فقبل الاحتلال الإسرائيلي انتهج الاحتلال البريطاني هذه السياسة ضد القرى التي كان يخرج منها الثوار فيدمروا القرية ويغلقوها.

يقول “أبو إسلام” في حديثه مع “بالغراف”: تأثر الأهالي والتجار بشكل كامل نتيجة الحصار، حيث أن الاحتلال يقتحم بشكل يومي المخيم وبلدة عناتا، وسط إطلاق قنابل صوتية وغازية وإطلاق رصاص حي”.

ويتابع “أبو إسلام”: “إن المحال التجارية أغلقت، وأثر ذلك على الاقتصاد الموجود داخل المخيم وبلدة عناتا، علاوة على معاناة الطلبة والعمال، وكل هذه السياسة بحجة البحث عن منفذ عملية إطلاق النار! ونحن ندرك أن المشكلة الأساسية هي وجود الاحتلال، وزواله يؤمن لنا العيش بسلام وآمان”.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة
الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعة