أحرار جبريني
“الطريق للخضوع.. فن الليونة.. الشطرنج الأرضي..الرياضة الفاتنة”، وغيرها من المسميات التي أطلقت على رياضة الجوجيتسو، تلك الرياضة العريقة التي يعود تاريخها إلى العصور القديمة.
الجميع إتفق على أنها مجموعة من أنماط الفنون القتالية اليابانية، تعتمد بالأساس على العقل في توظيف طاقة المهاجم والإستفادة منها بدلاً من مقاومته “إخضاع الخصم”، والتركيز على المرونة الجسدية والإنضباط الذاتي، ويتحكم بها عدد من القيم الأساسية وهي الولاء والعدل والتواضع والثقة بالنفس والاحترام.
وتقوم رياضة الجوجيتسو على ركيزتين أساسيتين: تنشيط العقل والذهن لتمكن من توظيف طاقة الخصم والاستفادة منها قدر المستطاع، والاعتماد على القتال الأعزل مما يسهم في رفع مستويات اللياقة البدنية.
نشأت رياضة الجوجيتسو في اليابان ومن ثم تطورت بالبرازيل وبدأ تطبيقها في الهند ومن ثم انتشرت في جميع دول العالم.
وفي فلسطين العام (2009) يعود الفضل في انتشار رياضة الجوجيتسو وإعطائها حيزاً على الساحة الرياضية، لمجموعة من الشباب في مدينة رام الله عندما قرروا الاتجاه نحو ممارسة لعبة جديدة من ألعاب الفنون القتالية، حينها لفت نظرهم رياضة الجوجيتسو وبدأوا بالتعرف على هذه الرياضة وتطبيق ما تم تعلمه ومن ثم واصلوا التدريب، وبالرغم من عدم وجود امكانيات مادية حينها إلا أنهم بنهاية المطاف استطاعوا أن ينطلقوا إلى العالمية.
قواعد رياضة الجوجيتسو..
لهذه الرياضة قوانين صارمة تختلف عن غيرها، حيث من الممنوع نهائياً إستخدام قبضة اليد أو الكوع أو الرأس في النزال، كما أنه يحظر الضرب في أماكن مميتة أو في العين أو الأنف، أما الحركات المسموح بها هي ثني الذراع والمعصم والدفع والسحب وخنق الخصم.
هناك العديد من الأحزمة المختلفة في تلك الرياضة حيث يتم ترتيب الأحزمة حسب مستوى كل لاعب ومدى مهارته وخبرته العملية بالاضافة إلى إتقان الرياضة، مثلا: ” الحزام الأبيض فهو دلالة على المبتدئين، والأسود دلالة على المحترفين، كما أن اللاعبون يرتدون بدلة تسمى بالكيمونو، وتصنع من مادة قطنية خفيفة.
طريقة أداء المباريات
المباريات في هذه الرياضة تتم بين لاعبين ولكن لابد أن يكونوا من نفس الوزن، حيث أن هذه الرياضة تتضمن سبع فئات في للرجال وهي من وزن تحت ال55 وفوق ال94، وخمس فئات للسيدات من وزن تحت ال48 وحتى فوق ال70 كيلو، وتكون المنافسة فوق بساط طول أضلاعه حوالي 16 مترا، وهو مربع الشكل، ويمنع خروج اللاعبين خارج البساط، ويوجد حكم داخل البساط وهو الرئيسي، حكمان مساعدان يقفان في منطقة الخطر حول البساط، ويراقبون المباراة لمساعدة الحكم الرئيسي.
مباراة الجوجيتسو تبلغ مدتها حوالي 5 دقائق، وتكون عبارة عن جولة واحدة، وتنتهي المباراة إما بتثبيت أحد الطرفين للأخر وجعله ينسحب، أو بمجموع النقاط، حيث يعد الحكام المساعدين نقاط لكل متنافس، وعلى حسب عدد النقاط يتم تحديد الفائز، أما لو تساوى اللاعبين في عدد النقاط، يتم عمل مباراة أخرى لتحديد الفائز، أما لو قام أحد اللاعبين بتسجيل مخالفة تتعارض مع قوانين اللعبة يتم إخراجه من المنافسة وإعلان الأخر كفائز.
هناك منظمتان تقومان بتنظيم مباريات الجوجيتسو وهما الاتحاد الدولي للجوجيتسو وهي تنظم بطولة كل أربع سنوات لهذه الرياضة على مستوى العالم، والأخرى هي المنظمة البرازيلية، والتي يديرها أبناء جرايسي.
فوائد الرياضة الفاتنة على المستوى البدني والفكري..
الجوجيتسو ليست مجرد رياضة تمارس بل هي نظام حياة متكامل لها العديد من الفوائد أبرزها: تعمل على تحسين مستوى المرونة والتوازن والقوة البدنية والمساعدة في الحفاظ على وزنٍ مناسب ، و تحسين عمل نظام القلب والأوعية الدموية وتقوية جهاز المناعة وتقليل نسبة الإصابة بالأمراض .
كما أنها تعمل على تعزيز الثقة بالنفس وروح الشجاعة والإقدام وتزيد مهارة الانتباه والتركيز والاستجابة بسرعة بالاضافة إلى خفض مستويات التوتر وتحسين الحالة المزاجية.
وعلى مستوى المجتمع تعمل تلك الرياضة على ترسيخ الخصال الحميدة كالحكمة والتواضع وترسيخ قيم التعاون وروح الفريق وتزيد القدرة على التفكير بشكلٍ إيجابي وتحدي الصعاب عدا عن تشجيع الانفتاح والتعرف إلى ثقافات وحضارات مختلفة.
نشأة اتحاد الجوجيتسو في فلسطين..
يوضح غسان أبو مطر رئيس الإتحاد في حديث لــ “بالغراف” :” بأن ولادة الإتحاد جاءت بعد جهد وعمل دؤوب، ففي البداية كان عدد قليل من اللاعبين يمارسون اللعبة رفقته لمدة عاميين، وبعد ذلك قرروا السفر إلى المملكة الهاشمية الأردنية للإنضمام إلى فريق ميرزا لتكون المدرسة المعتمدة للاعبين هناك تعلموا الأسس والقوانين والتقنيات، ليعودوا بعد ذلك إلى أرض الوطن ويفتتحوا ” نادي بال جيتس” ونادي باور جيتس” ويقومون بجلب وضم اللاعبين تدريجياً لهذه الرياضة”.
وبدأت تلك اللعبة بالإنتشار، وأصبح هنالك خمسة مدربين معتمدين في فلسطين بالإضافة إلى إفتتاح العديد من الأندية الخاصة لممارسة اللعبة.
و في العام (2019) قرر هو وزملائه تشكيل لجنة لتلك الرياضة تحت مظلة اللجنة الأولمبية الفلسطينية يكون هو رئيسها، و هيا عوده الله نائبه له، والمدرب احمد خفش رئيس اللجنة الفنية وانور عوده الله الامين العام وحمزه قطامه مسؤول اللجنة المالية.
وتم بعد سنوات تأسيس الاتحاد الفلسطيني للجوجيتسو تحديداً العام (2021)، وحاصل على الاعتراف الرسمي من الاتحاد الدولي والاتحاد الاسيوي والاتحاد العربي .
ويعمل الاتحاد الان على نشر اللعبة وتنظيم الفعاليات والمسابقات ورفع مستواها والمشاركة في العديد من البطولات المحلية والدولية، وتوسيع قاعدة اللاعبين وذلك عن طريق افتتاح المزيد من النوادي في جميع محافظات الوطن
أول حكم دولي في فلسطين..
المدرب أحمد الخفش الحاصل على الحزام الأسود الدولي بالجوجيتسو “درجة مقاتل” وشهادة حكم دولي العام (2021)، على مدار العشرة سنوات شارك بالعديد من البطولات الدولية وحصل على الكثير من الميداليات الملونة كلاعب ولعل أبرزها الميدالية الذهبية عن فئة الوزن المفتوح في بطولة الأردن لمحترفي الجوجيتسو، إضافة لحصوله على ميدالية برونزية عن فئة وزن تحت 94 كغم في بطولة غرب آسيا والتي جرت في المملكة الأردنية كما تمكن من إحراز الميدالية البرونزية في البطولة الدولية التي عقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية.
ويعتبر المدرب الخفش أول حكم دولي معتمد في فلسطين، بالإضافة إلى مساهمته في تطوير اللعبة عن طريق نشر ثقافة الجوجيتسو وتنظيم البطولات المحلية وتأهيل لاعبي رياضة الجوجيتسو من كافة الفئات العمرية، إلى جانب رفع علم فلسطين في المحافل الدولية.
بطولات وأبطال..
في فترة قصيرة استطاع اتحاد الجوجيتسو من وضع بصمة من خلال قيامه مؤخراً بتشكيل منتخب وطني لتلك اللعبة، وبالرغم من تلك الفترة القصيرة إلا أن المنتخب الوطني للجوجيتسو خلال مشاركته الخارجية في بطولات “غراند بريكس” و”باتيا” الشاطئية ومنافسات المنتخبات في تايلاند، حقق 6 ميداليات ملونة.
وفي بطولة الإمارات الدولية، المصنفة “G1″، والتي ضمت نخبة اللاعبين من عدة دول حول العالم، إستطاع المنتخب الحصول على ميداليتيّن برونزيتيّن.
وعلى المستوى المحلي نجح الإتحاد بتنظيم بطولتين للجوجيتسو، بمشاركة العديد من اللاعبين.
ويؤكد غسان أبو مطر رئيس الإتحاد على أن الإتحاد الفلسطيني للجوجيتسو لديه خطط وأهداف واضحة يسعون للوصول إليها بخطى ثابتة، ومنح اللاعبين الثقة الكافية بالإتحاد لتطويرهم، وتوسيع قاعدة المشاركين فيها والوصول بالأبطال صوب المنصات العربية والقارية والدولية.
المساندة والدعم..
تعتبر لعبة الجوجيتسو منجم الذهب للدول الراغبة في الدخول بهذا الحقل، حيث يبدع فيها عربياً الاردن والامارات، اذا ستكون طريق فلسطين سالكة صوب المنصات في ظل شخصية الرياضي الفلسطيني التي تتناسب مع فلسفة اللعبة، وهنا يأتي دور شركة الاتصالات الفلسطينية “جوال” التي تقوم دوماً في دعم ورعاية مختلف الأنشطة والفعاليات الرياضية، ورياضة الجوجيتسو بشكل خاص،
يقول عبدالله سويطي مدير العلاقات العامة في شركة جوال في حديث لــ “بالغراف”: إن جوال كان لها شراكة مع رياضة الجوجيتسو على مدار السنوات السابقة، سواء بتوفير المستلزمات الفنية اللازمة للاتحاد والاعبين، أو برعاية بطولات محلية. وهذا العام تم تنفيذ بطولة رام الله الثالثة التي حملت عنوان (كأس الشهيدة الاعلامية شيرين ابو عاقلة) بمشاركة أكثر من 200 لاعب ولاعبة من كافة المحافظات الشمالية، ونحن فخورون برعاية هذه الرياضة التي فرضت وجودها محلياً وعالميا، وحصدت جوائز ومراتب متقدمة، خلال فترة قصيرة وبإمكانات بسيطة”.
ويشير سويطي إلى أن رياضة الجوجيتسو تسهم في تطوير المهارات الذهنية والبدنية لدى فئة الشباب، كما تعزز من قدراتهم في الدفاع عن أنفسهم وتزيد ثقتهم بأنفسهم.
وان رعايتهم لبطولة الجوجيتسو، لا تنتهي بانتهاء فعاليات البطولة، ” فنحن نبقى على اطلاع لمتابعة كل الإنجازات التي يحققها لاعبي هذه الرياضة، والاتحاد الفلسطيني لرياضة الجوجيتسو، حتى نقدم ما يحتاجوه من دعم يستطيعون من خلاله الاستمرار في خطواتهم نحو العالمية، ودائماً ما تفرز البطولات أسماء جديدة في هذه الرياضة، من لاعبين مميزين حصدوا ألقاباً ومراكز متقدمة على مستوى العالم، ومدربين وحكام، نفخر بهم”.
ويختتم سويطي حديثه مع “بلغراف” بتوجيه رسالة إلى جميع الرياضيين قائلاً: “نؤمن بشبابنا الفلسطيني الرياضي، المبدع والمتألق في كل الساحات، ونؤمن بأن الرياضة هي خير وسيلة لإيصال الصوت الفلسطيني الشاب القادر على تحقيق المستحيل رغم كل المعيقات والتحديات التي يواجهها، وواجب علينا وعلى القطاع الخاص دعم الرياضة الفلسطينية، بكافة مكوناتها، لتطوير المستوى الفني للعبة، وتأهيل لاعبين مميزين، يسجلو اسم فلسطين دائماً في البطولات الدولية”.
ويبقى السؤال هل سنرى شركات أخرى ستقوم في توفير الدعم لهذه اللعبة وتساهم في زيادة انتشار “الجوجيتسو” عالمياً ؟
