لم تمض سوى سنوات قليلة حتى بدأ قطاع التأجير التمويلي في فلسطين ينمو بشكل واسع، وبمجالات مختلفة خاصة قطاع المركبات، إذ سهل هذا القطاع على المواطنين حرية تملك مركباتهم، دون اللجوء الادخار أو القروض البنكية وغيرها، لكن وبرغم حداثة هذا القطاع ينمو تدريجياً وسط تساؤلات حول مخاطر وإيجابياته، فما هو هذا القطاع؟ وما هي طبيعة عمله؟ ومن هم المستفيدون منه؟
يوجد في فلسطين ثماني شركات تأجير تمويلي مرخصة، وقيمة الرصيد القائم التي منحته شركات التأجير التمويلي (110 مليون دولار)87% منها من قيمة ما منح في العام 2021 للمركبات للأغراض الاستهلاكية والانتاجية، والمتبقي للمال المنقول من معدات وماكينات وجرافات ومحطات طاقة بديلة، ولا يوجد تأجير تمويلي للعقارات حتى الآن، حيث تعمل الهيئة حاليا مع سلطة الأراضي على التعليمات لتمكين عمليات التأجير التمويلي على العقارات، بحسب مدير عام الإدارة العامة للرهن العقاري والتأجير التمويلي في هيئة سوق رأس المال لينا غبيش في حديث لـ”بالغراف”.
التأجير التمويلي للمركبات.. لماذا؟
عالمياً تبدأ الشركات بالتأجير التمويلي على المركبات عند بدء الدولة بممارسة النشاط، عندما يبدأ التمويل التأجيري يكون للمركبات فهي الأموال المنقولة الخاصة، وذلك بسبب سهولة نقلها من مكان لآخر، ولها رقم شخصي يميزها (رقم الشاصي)، وقيمتها ليست عالية كالعقارات وخطوط الإنتاج، والمركبات ليست كماليات بل أضحت شيئًا سلعة أساسية أساسيًا سواء للاستخدام الفردي أو للمنشآت، وفق غبيش.
وتنبع أهمية التأجير التمويلي للمركبات كونها أضحت حاجة أساسية سواء للاستعمال الفردي أو لأغراض العمل، خاصة أن خيارات التمويل والحصول على المركبات في السوق فهي تكون إما عن “طريق البنك، أو من أحد مؤسسات الإقراض الصغير أو تأجير تمويلي من أحد شركات التأجير التمويلي أو عن طريق المورد مباشرة”.
وتؤكد غبيش أن المركبات التي يتم تمويلها ليست جميعها لأغراض استهلاكية بحتة، فهناك شركات ومنشآت ومصانع تحصل على المركبات عن طريق التأجير التمويلي، ومنها مثلاً الشركات الكبيرة مثل شركات الاتصالات ومصانع الادوية ومقدمي الخدمات من نجارين و كهربائيين و غيرهم، حيث أن ما يقارب 36% من قيمة التمويل الذي منح في العام 2022 ذهب للمركبات للأغراض الإنتاجية في حين 52% من هذه القيمة كان لأغراض المركبات للأغراض الاستهلاكية والمتبقي هو لخطوط الإنتاج والمعدات والجرافات.
يعتمد القدرة على الدفع
يعتمد التأجير التمويلي على الأصول، فمثلاً هناك “قطاع المال المنقول الخاص مثل المركبات والجرافات الرافعات وغيرها، وهناك أيضاً الأصول الثابتة كالعقارات والمباني، إضافة للأصول الأخرى كخطوط الإنتاج والمعدات التي تستعملها شركات الطباعة والمصانع وغيرها”، ووفق غبيش “لذلك تعتمد قيمة التمويل على قدرة الشخص على الدفع”.
وتؤكد غبيش “بعد ذلك يتطور قطاع التأجير التمويلي، ويبدأ بالدخول لقطاعات أخرى، وهي تتفوق على غيرها، بحسب طبيعة عمل البلد، وتوجه الاستثمار فيها”، مشيرة إلى أن التمويل التأجيري هو نوع من من أنواع التمويل متوسط الأجل، فققد يكون أقل بقليل من متوسط الأجل أو أعلى من ذلك ويسمى طويل الأجل.
وقد سُن القرار بقانون بشأن التأجير التمويلي لتنظيم عمل قطاع التأجير التمويلي في فلسطين، من تنظيم للعلاقة بصورة رسمية بين المؤجر والمستأجر والمورد وتحديد الحقوق والالتزامات لأطراف التعاقد وآلية انشاء العقود وحالات الاخلال ودور القضاء في حالات الاخلال ودور الهيئة والجهات ذات العلاقة
ووفق غبيش، فإن المشرعين والحكومة يسعون إلى أن يكون تحويل السوق إلى سوق رسمي، حيث المعلومات واضحة ومرتبة والعقود مثبتة، كما أن هنالك أشخاص ليس لديهم خيار مالي، وقد لا يملكون حسابات بنكية أو تاريخ ائتماني أو لا توجد خدمات مالية للمؤسسات في أماكن سكناهم، “فشركات التمويل تصلهم وتحولهم لأشخاص يمتلكون تلك الخدمات”.
في فلسطين ثماني شركات تأجير تمويلي، شركتين منهما لديهما فروع، ولكن لدى الشركات مسوقين يصلون لكافة الفئات التي يستهدفونها، ضمن خطتهم التسويقية.
شروط ميسرة ومرنة
قبل خمسة عشرة عامًا انطلقت الشركة الفلسطينية للتأجير التمويلي “بال ليس”، كأولى شركات التأجير التمويلي المرخصة من قبل هيئة سوق رأس المال الفلسطينية، وهي شركة متخصصة بتقديم خدمات التأجير التمويلي للأصول؛ سواء المركبات أو الأصول الإنتاجية المتنوعة كخطوط الإنتاج والمعدات الهندسية وغيرها من الأصول الإنتاجية.
وتقدم “بال ليس”، وفق حديث مديرها العام، أحمد مالك، لـ”بالغراف”، خدمات التأجير التمويلي بشروط ميسرة، ومرنة، وعلى فترات سداد تصل لغاية ست سنوات، وبأقساط شهرية تتناسب ودخل المستأجر المستفيد من خدماتها وبرامجها، والتي تناسب شريحة كبيرة من المجتمع، وهي أداة ووسيلة لشراء الأصول للأشخاص الذين قد لا يملكون الإمكانيات للاستفادة من برامج التمويل الأخرى، وليس لديهم تجارب مع مصادر التمويل الأخرى.
وتتنوع خدمات “بال ليس” من خلال برامج التأجير التمويلي، منها برنامج التأجير التمويلي المنتهي بالتملك، وهو عقد بين الشركة والمستأجر، يقوم المستأجر بسداد قيمة العقد وفق آلية متفق عليها، وينتهي العقد بتملكه للأصل موضوع التأجير.
وهناك برنامج التأجير التمويلي المنتهي بخيار الشراء، وهو برنامج خاص بالشركات ويمنحها خيار تملك المركبة في نهاية التعاقد، وتقدم الشركة هذا البرنامج مع مجموعة من الخدمات كالتأمين والترخيص والصيانة الدورية بالإضافة إلى الاستفادة الضريبية، إذ تصدر الشركة فواتير بقيمة الأقساط الشهرية المدفوعة من قبل المستأجر، كما تقدم للمستأجر عند نهاية العقد خيار شراء المركبة بمبلغ محدد مسبقاً، أو استبدال المركبة بأخرى جديدة.
تحريك عجلة الاقتصاد
تقدم “بال ليس” خدماتها لكافة أنواع الأصول كالمركبات (الاسخدام شخصي أو لغايات تشغيلية)، والمعدات الإنتاجية كمعاصر الزيتون وخطوط فرز التمور، كما تستهدف الشركة المعدات الهندسية لقطاع التطوير العقاري كخلاطات الاسمنت والرافعات، ولديها برامج متخصصة لتمويل برامج الطاقة البديلة.
ويؤكد مالك أن هذا النوع من البرامج يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد، من خلال توفير البرامج التي تساهم بتوسعة المشاريع، ما يمكن الشركات والمصانع خلق فرص عمل جديدة، وتساهم بتطوير أعمالها.
وتقوم فكرة التأجير التمويلي على شراء الشركة الأصل، ومن ثم تأجيره للمستفيد على فترة زمنية محددة، وبتقسيط على دفعات شهرية أو موسمية، (بحسب إنتاجية المشروع موضوع العقد في بعض الحالات)، وبموجب عقد تأجير تمويلي، وعند نهاية العقد يتم التنازل عن الأصل لصالح المستفيد، حيث يكون هناك برامج خاصة، وتكون الدفعة الأولى ميسرة، ويتم تقسيط المبلغ المتبقي على فترات زمنية منفصلة.
احتياج فلسطيني
هذا النوع من التمويل، وفق المحلل الاقتصادي زين أبو دقة، يحتاجه الشعب الفلسطيني، فهناك الكثير ممن يرغبون بامتلاك أصول ولكنهم غير قادرين على ذلك، وكثير من الأشخاص ليس لديهم دخل ثابت ولا يستطيعون الحصول على قرض، أو أشخاص غير مشمولين مالياً، “فالشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب غير المشمولة مادياً”.
ووفق حديثه لـ”بالغراف”، يؤكد أبو دقة على أن أهمية التأجير التمويلي تنبع من تمكين أشخاص ليس لديهم القدرة على امتلاك أصل معين، وسابقًا كان الامتلاك عن طريق الدفع الكامل، أو عن طريق البنوك والاقتراض.
ويشير أبو دقة إلى أن هناك من يعارض فكرة الإقراض من حيث المبدأ؛ إما لدوافع دينية، أو سياسية من حيث المديونية للبنوك، ولكن لو تم أخذها من منحى حاجة الشخص لشراء أصل وعدم امتلاكه للمال فهذا شيء مهم، فالتأجير التمويلي ليس بالأمر السيء، بل على العكس فهو يلبي احتياجات المواطنين.
مستقبل كبير فلسطينيًا
للتأجير التمويلي مستقبل كبير في فلسطين وفي العالم أجمع، بسبب زيادة عدد الأشخاص الذين لا يملكون القدرة على توفير الدفعة الأولى عند الرغبة بشراء سيارة أو بيت أو أي أصل آخر، إضافة إلى اعتماد ذلك على المؤسسات والأعمال والتشريع بإدخالهم لمنتجات جديدة في إطار التأجير التمويلي، وفق أبو دقة.
ويشير أبو دقة إلى أن التأجير التمويلي وبنسبة كبيرة يشمل السيارات فقط، ولا يدخل في سوق العقارات، وحتى ينمو ويتمأسس في فلسطين يجب أن يشمل قطاعات أخرى، ما يزيد الطلب عليه.
ولا ينكر أبو دقة وجود محاذير للتأجير التمويلي لكنه يؤكد أنها ذاتها لأي نوع من أنواع التمويل غير المربوط بقدرة الشخص على السداد، “فهناك أشخاص ليس لديهم أموال لشراء مثلاً سيارة وليس لديهم القدرة على الدفع الدوري، فيلجأون للتأجير التمويلي الذي ليس به قيود كقيود البنوك مثلاً، مع أنه به قيود إئتمانية مثل البنوك ولكن بصورة أقل، ولهذا به بعض المخاطر، ولكن ليست كبيرة، وربما لم تعايَش في فلسطين”.