loading

عمر مناع: الخبّاز الشهيد

هيئة التحرير


لم يكن للخبز في يوم من الأيام

هذا الطعم هذا الدم

كانت الأرض رغيفاً

كانت الشمس غزالة

كان عمر شعباً في رغيف

دَمُهُ في خبزه

خبزُهُ في دمه

قالها الشاعر محمود درويش إنهم يغتصبون الخبز والأرض، وهكذا في تمام الساعة السادسة فجراً أصبح ملك الطابون شهيداً، دمه في خبزه وخبزه في دمه، فلم يعد للمخبز فرّانا ولا للطحينِ خبازا

الشهيد عمر يوسف مناع “فرارجة” (٢٣ عاماً) ارتقى فجر الاثنين في مخيم الدهيشة في بيت لحم متأثراً بجروح أصيب بها في رقبته وصدره، عقب اقتحام قوات الاحتلال المخيم لاعتقال عدداً من الشبان بينهم شقيق الشهيد ” يزن مناع”.

عمر الملك..

ويقول جودت مناع عم الشهيد في حديث ل”بالغراف” إن مناع كان يتمتع بعلاقات اجتماعية طيبة مع كل من في المخيم، كان محب للمساعدة، وابتسامته على وجهه لم تغب يوماً”.

هو الشاب الوسيم صاحب الوجه الملائكي والعيون الخضراء كما وصفه أهل المخيم، محب لرياضة رفع الأثقال وممارساً لها، أكمل تعليمه حتى الثانوية العامة وأصبح يعمل في مخبز للعائلة، “مخبز يافا” وكان ملقب بملك الطابون في المخيم، فكل من هناك صغيراً وكبيراً يعرفه بهذا اللقب، سيغيب طعم طابونه عن أفواههم وسيفتقدون لابتسامته وصوته وممازحته في كل لحظة سيمرون بها من أمام المخبز”.

“لن يجد الناس خبزاً هذا الصباح، يا صانع الخبز الجميل، نحن جياع” هكذا علق رفاق وأهالي مخيم الدهيشة اللذين تعودوا أن يصطفون طوابير من أجل شراء خبز الطابون وأنواع الخبز المختلفة التي كان يضع فيها الشهيد مناع لمساته ويزينها بابتسامته التي خطفتها رصاصات الاحتلال فجر أمس.

ويقول صديقه نزار قراقع في حديث ل”بالغراف” :”كان الشهيد مبتسماً بشوشاً، محبوباً اجتماعياً معطاء، كان إنسانا بسيط جداً، لم تغب ابتسامته عن وجهه يوماً، وكما قال لنا والده أنه كان أول من يهب للدفاع عن المخيم حينما يقتحمه الجيش ولم يحب أن يجلس في المنزل حينها”.

اللحظة القاتلة..

“وينك يا بشار عمر استشهد” هكذا بدأ صديق الشهيد بشار سالم الحديث عن اللحظات الأولى لاستشهاد رفيقه، ويقول في حديث ل”بالغراف” إنه كان في حالة من اللاوعي، عدم الإدراك، وفقدان للعقل متأملاً أن يكون الخبر اشاعة، ولكنه كان يعلم أنه حقيقي ولكن لا يريد تصديق الخبر”.

“احملو عمر يا جماعة، احملو عمر، ارفعو عمر فوق” وبحسب سالم أن هذه الجملة التي تم ذكرها من الرفاق والأصدقاء والمحبين وكل شخص عزيز للشهيد عمر أثناء تشييعه، تم ذكرها أربع مرات لكنها ما زالت تتردد على مسامعه، ويتساءل بينه وبين نفسه هل فعلاً عمر هو الشهيد؟ هل فعلاً الشخص الموشَّح بالعلم الفلسطيني والذي كان وجهه يشِّع كرامةً و نوراً هو عمر؟

ويتابع سالم:” صوت ضحكته مش راضي يفارقنا، رغم عدم استيعاب اليوم بتفاصيله وأحداثه إلا أنه الآن ليس معنا، أصبح كما كان يسعى ويحب ويرغب ثائراً، مقاوماً، جريحاً، اسيراً، مشتبكًا و ثمّ شهيداً”.

ابتسامة الفقراء لن تدوم

بحزن وألم واشتياق رفيق يقول سالم:” كان عمر ذلك الشاب الفقير صاحب الابتسامة العريضة والتي كانت سبباً في ضحكة جميع اللاجئين واللاجئات في المخيم، تلك الصباحات المُفعمة بالأَمَل و الحب، “صباح الخير يا فلان… صبحو صديقي… يسعدلي هالصباح… أنا هيك بلش يومي لما شفتك” والعديد من الصباحات التي كانت تتردد من ذلك الشاب المحبوب، حيث كان الجميع يأتي ليس ليشتري الخبز فقط وإنما لينعم ببعض الحب والأمل من ابتسامة والكلام”.

” لازم نلم حالنا كلنا ونلتقي” تلك كانت أمنية عمر” ! وللأسف رحل عمر وأصبحت أمنية رفاقه جميعهم أن يلتقوا للمرة الأخيرة ولو لدقيقة واحدة، يخبرون عمر فيها  كم كان عزيزاً صديقاً ثابتاً محبوباً! كل ما بقي الآن فقط الذكريات،” ألا ليت رصاصات الغدر لم تقتلك في ذلك اليوم، وألا ليت تلك الذكريات تتحول الى واقع”.

لحظة الوداع..

يروي سالم عن لحظة وداع رفيقه الشهيد ويقول: “ما بين و بين، في البداية لم أرد توديعه لعدم تصديقي بالخبر لكن في نفس الوقت كنت أريد أن أراه وذلك بسبب اشتياقي له، و كانت هنا اللحظة التي انهارت فيها كل معاني الانسانية، والتي لم يستطع أحد منا تمالك نفسه، حينها أيقنت أن عمر أصبح ثائراً شريفاً كريماً شهيداً”.

ويكمل سالم: “رغم عدم ادراكي للكابوس الذي مررت به والذي ما زلت اؤمن بأنَّه كابوس، إلّا أني سأشتاق لكل ما بيننا، لمنه اعتقد أنه حان الوقت لأن نعتذر لكل من كان يبحث عن الخبز في هذا الصباح، لم تجد الناس خبزاً هذا الصباح، يا صانع الخبز الجميل، كان المخيم عابساً في هذا الصباح، يبحث عن ضحكتك وأنت تعجن الطحين و تخبز، في هذا الصباح مررت ولم أسمع “صباح الخير ابو البييش، خذلك خبزة” أصبحنا جياع يا عمر، أصبحنا جياع”.

كل من في المخيم استيقظ يبحث عن تلك الابتسامة في كل الأماكن، يستمعون للمقاطع المسجلة أكثر من مرة لتصديق أن صوت هذه الضحكة لن يسمعوه مرةً أخرى على الواقع!

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة