loading

إذا فازوا فهُم فرنسيون.. وإذا خسروا فهُم “قرود”!

ياسمين الأزرق

انتهى كأس العالم بتتويج الديوك الفرنسية وصيفًا بعد مباراة جنونية مع راقصي التانغو، لتكشف العنصرية عن أنيابِها أمام أصحاب البشرة الداكنة من لاعبي المنتخب الفرنسي أوريليان تشاويميني، كينغسلي كومان وراندال كولو مواني، حيث أضاع أوريليان وتشاويميني ركلتي ترجيح في النهائي، فيما أهدر مواني فرصة تسجيل هدف في آخر دقيقة من الشوط الإضافي، لتمتلئ حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقادات اللاذعة والعبارات العنصرية والتشكيك في انتمائهم مع رموز تعبيرية على شكل قردة، ولم يكتفي الجمهور الفرنسي “العنصري” من تسليط غضبه على اللاعبين الثلاثة بل دعوا من خلال التعليقات إلى ترحيل أحد اللاعبين إلى أفريقيا، ما اضطرهم إلى إغلاق التعليقات، لاحتواء هذا الهجوم العنصري سريعًا.

أما كيليان مبابي الذي حظي بكُل الدعم بعد الخسارة، فقد تعرّض سابقًا لهذا الهجوم العنصري عندما أهدر ضربة جزاء أمام سويسرا عام 2020. كما نال الجزائري الأصل كريم بنزيما نصيبه الكافي من العنصرية الفرنسية حيث أدلى لأكثر من مرّة عن رضوخ مدرب الديوك الفرنسية لما أسماه بـ “ضغوطات عنصرية”.

يمكن الحد من الخطاب العنصري الموجه ضد اللاعبين المهاجرين في صفوف المنتخب الفرنسي، من خلال خطاب إعلامي قوي وإغلاق التعليقات أو “فلترتها”، وادعاء الاتحاد الفرنسي لكرة القدم باحتوائه للاعبين، لكن من سيُسكت هذا الصوت المتردّد صداه في نفوس لاعبين بذلوا جهدا مضاعفًا لتحظى “بلادٌ لم تتقبلْهم” بفرصة الفوزِ في المراكز الأولى؟!

عودة للوراء قليلا

في مباراة النصف النهائي بين المغرب وفرنسا، كان المقهى مكتظًّا بالمشجعين ومن لم يجد مقعداً ظلّ واقفا أو جلس على الأرض، كان التوتر سائدًا، والأعصابُ مشدودة، والنادلُ نسيَ الطلب مرّات عدّة لأنه وقف مشدوها أمام شاشة التلفاز وهو يصرخ “يلّا يا زياش”، هذا الشعور الذي لم نعتد عيشه في النسخ السابقة من كأس العالم، فقد كُنا دائما ما نختارُ فريقًا آخر نشجعه، لدولة ربما لم نزرها، أو دولةٍ استعمرَت جزءًا من عروبَتنا، أو دولةٍ فقيرة مالت إليها عواطفِنا فشجعناها، لكنّنا وللمرة الأولى لم نكن منقسمين في المقهى نتبادل الشتائم، ولم ينتظر أيّنا انكسار الآخر، ولم نحتج أن نسأل بعضنا “أي فريق تشجع؟” فالجميعُ يقف مع المغرب، كُلنا “عربيٌّ” دون تخطيط مسبق، حتّى أنه وفي محاولةٍ لفرنسا لتسديد هدفٍ ضائع، صرخ شاب في طاولة قريبة “جول!” بصوتٍ حماسي خجول، فالتففنا جميعنا إليه نصرخ “انت مع مين؟” ولم أسمع صوتَه طوال المباراة، أظنّه شعر بأنه خارج عن الصف الوطني!

مباراتانِ متبقيتان فقط أعادتانا إلى النسخ القديمة من كأس العالم، لكن الفرق هنا أننا أصبحنا مشجعين بنسخٍ أخرى، لدينا الحق باختيارِ فريقِنا الذي نشجعه، ومثلمَا تحتفي الأرجنتين بجمهورها المهيب الذي حضر نهائي كأس العالم، فإننا بِتنا نحتفي بجمهور المغرب المهيب من كُل صوبٍ عربيٍّ أو أفريقي، وكُنا قادرين على تذوق حُلوِ النهائيات في أجواء المونديال التي لم نعشها من قبل، وشعرنا لبرهة أن الحلم انتهى حين فازت الديوك على أسود الأطلس، نقرَتها بهدفين نظيفين، لتخرج المغرب من نهائي كأس العالم، وتخرجنا من نشوة النصر العربي، لكنّنا لم نتنصّل أبدًا كجمهور عربي من دعمِ المنتخب المغربي بعد خسارته الأخيرة، بل كان دعمُنا مضاعفًا تأكيدًا على قوّة أدائهم خلال المونديال وتقديرًا لجهودِهم.

لماذا لا نشجع فرنسا؟

حصدت فرنسا أول كأسٍ لها في مونديال 1998 بثلاثة أهداف نظيفة أمام منتخب البرازيل، حيث أحرز الجزائري الأصل زين الدين زيدان هدفين لصالح الديوك الفرنسية، وفي عام 2018 أعادَ ثلاثةُ مهاجرين الأمل إلى فرنسا حاصدين كأس العالم بأربعة أهدافٍ في شباك كرواتيا مقابل هدفين اثنين، لكنّ الاحتفالَ والمجد والتهاني والزغاريت ذهبت لصالح فرنسا ولم يكن للجزائر، البرتغال، غينيا والكاميرون، وهي أصول اللاعبين الذين سدّدوا الأهداف، أي نصيبٍ من التهاني.

وإن عدنا قليلًا إلى الوراء، ففي عام 1958، كان الفريق الفرنسي من أقوى المرشحين للفوز بكأس العالم في السويد، لكنّ أربعة من أبرز لاعبيه انسحبوا من الفريق قبل شهرين فقط من بدء المونديال، وهم لاعبون من أصول جزائرية، بخطة من جبهة التحرير الوطني التي كانت تقود ثورة في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي منذ عام 1954، وهكذا خسرت فرنسا بغيابِ لاعبيها من أصول استعمرَتها، قبل أن تنجح الثورة الجزائرية من طرد المستعمر الفرنسي وإعلان استقلال الجزائر عام 1962، وهو العام نفسه الذي لم تكن الديوك محظوظة إذ لم تتأهل لكأس العالم الذي أقيم في تشيلي آنذاك.

فرنسا الديمقراطية في الحاضر

وإن حاولنا أن نغفِر “زلّات” فرنسا واستعمارَها المهين في الماضي، وحاولنا النظر إليها بعينٍ بيضاء لرؤية إيجابياتها كدولة ديمقراطية متقدّمة، فإنها مصرّة أن تطيح بهذه الصورة الزائفة قُبيل نهاية المونديال الذي نافسَت في نهائياته بشراسة للفوز باللقب، قبل أن يطيح بها المنتخب الأرجنتيني في مباراة أقل ما توصف بـ “الجنونية”.

فبالرغم من أن المهاجرين من أصول أفريقية وغيرِها في فرنسا، قد جلبوا لها كأسي العالم لعامي 1998 و2018، إلا أنها وقبل شهرٍ واحد من انطلاق مونديال 2022، صرّح وزير الداخلية الفرنسي: “بناء على تعليماتي فإن الشرطة تبدأ هذا الصباح في التفكيك النهائي لـ “معسكر الكراك” في ساحة فورسيفال في باريس، سيتم نشر 1000 ضابط شرطة حتى لا يتم إعادة تكوين هذا المخيم في مكان آخر.. لحظة مهمة لاستعادة النظام العام في باريس”.

وقُبيل يومين فقط من المباراة النهائية لكأس العالم، التي شارك فيها مُهاجرون حاربوا في الملعب بكُل ما أوتوا من مهارةٍ ولياقة وقوّة، لرفع اسمِ مُستعمرِ بلادِهم عاليًا، وعلى رأسِهم كِليان مبابي هداف كأس العالم 2022، يناقش الرئيس الفرنسي المتعصّب إيمانويل ماكرون تقديم مشروع قانون للهجرة تلفّه مخاوف حقوقية من أن يتضمن عمليات “إعادة قسرية غير قانونية” للمهاجرين وطالبي اللجوء.

هذا كله يؤكد على أن الرياضة لا تغفِر زلّات الحكومات، ولا يمكن التغاضي عنْها لمجرّد كفاءة الفريق، خاصة وإن كان منتخبًا ممثلاً عن دولةٍ في كأس العالم، وليس نادٍ رياضيٍّ متعدّد الجنسيات.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة