loading

عام جديد: ١١٧ قبرا مفتوحا ينتظر

هيئة التحرير

قبلة وضمة وداعية محتجزة، فجُل ما يحتاجه أهالي الشهداء عقب استشهاد أولادهم هو توديعهم وضمهم ومن ثم دفنهم، في قبر يليق بهم وليكون هناك مزار لتلك العائلات تذهب إليه حال اشتياقها لأبنائها، ولكن منذ سنين طويلة مضت، تقوم قوات الاحتلال بسياسة احتجاز جثامين الشهداء، وذلك كسياسة عقابية لأهالي الشهداء، احتجاز يتم في ثلاجات الموتى وفي مقابر الأرقام التي اعتاد الاحتلال احتجاز جثامين الشهداء فيها لسنين طويلة جداً.

محمد عليان والد الشهيد بهاء عليان الذي عاش تجربة احتجاز جثمان نجله لمدة ١٠ أشهر يصف تجربته تلك بالتجربة الفريدة غير المسبوقة، وذلك بأن يتلقى أب نبأ استشهاد ابنه دون أن يرى جثمانه، حيث لا ترى العائلة الجثمان ويُفتح بيت عزاء دون أن يراه، فيكون ميت بلا إثبات أو دليل، مضيفاً أنهم كانوا لا يعرفون حقًا إن كان استشهد أم تم اختطافه أو أصيب، حيث لا معلومات دقيقة أو مثبتة عن هذا الشهيد من قبل الاحتلال، مؤكداً أن الاحتلال يبلغ العائلة باستشهاد ابنها ولكن لا يسمح لهم ولا يعطوا أي دليل على الشهادة لا بتقارير طبية أو شرطية ولا صور أو إثباتات، فتبقى العائلة بلا يقين.

وأضاف أنه طوال فترة الاحتجاز والتي استمرت ل١٠ أشهر فإنهم بقوا في حالة عزاء دون جثمان، وبقيوا على أمل أن يكون حيًا أو مختطفًا، فإن كان مختطفًا أين وإن كان شهيدًا فأين، مشيراً إلى أنهم بقيوا ١٠ أشهر بلا معلومات وبحالة اضطراب وحالة لا يقين، وانقلبت حياتهم رأسًا على عقب، حيث لم يعد يمارس عمله كمحامي، والأم لم تكن تستطيع القيام بأي شيء، فأصبح كامل اهتمام العائلة أين بهاء، هل هو في الثلاجات أم في مقابر الأرقام أم هو حي يرزق في إحدى السجون أو المستشفيات، مشددًا على أن هذه الحالة تؤثر نفسيًا واجتماعياً واقتصاديًا على العائلة، حيث البيت طوال الوقت مفتوح للمتضامنين أو المعزين أو الذين يريدون الإسناد، وطوال الوقت في حالة حزن.

وأوضح عليان أن بال العائلة لم يهدأ إلا بعد ما رأوه وقاموا بدفنه، مضيفاً أنه في تلك اللحظة التي رأى بها بهاء عندما تم تسليمه اقتنع باستشهاده، حيث الآن لديه قبر ومكان يمكنهم زيارته، ولكن قبله لا يوجد شيء يمكنه أن يخفف عن العائلة الحزن وحالة الاضطراب التي كانوا بها، مضيفاً أنه قبل دفن بهاء كان هناك قبر مفتوح، ففتحت العائلة أربعة قبور له رفض الاحتلال القبور الثلاثة الأولى وسمح بدفنه في الرابع في القدس بباب الزاهرة، فالقبور كانت بانتظار جثمان البهاء، وكانت العائلة تزرع الورود على جوانب القبور وتقوم بزيارتها دون جثمان، مؤكداً أنها كانت تجربة مؤلمة جدًا وعندما يتذكرونها الآن فإنهم يشعرون بالألم والوجع، وبسبب هذا الوجع فإنهم على صِلة وطيدة بعوائل الشهداء المحتجزة جثامينهم، ومنذ ذلك الوقت لم يهدأو حتى بعد دفن البهاء.

ويصف البهاء بأنه كان شاباً فلسطينيًا عاديًا لم يحتمل الظلم أو القهر أو الاستبداد، ولم يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي أمام عمليات إعدام الاحتلال للأطفال والشبان، ولم يكن يثق بالقيادة الفلسطينية والمؤسسات لدفع هذا القهر والظلم، لذلك انتفض بطريقته الخاصة وقام بالعملية، مضيفاً أن ما قام به بهاء أمر عادي لأي حر شريف.

وأكد أن بهاء كان شاب طموح ولديه مواهب عديدة، وكان مصمم جرافيك وكان من ضمن الحركة الكشفية، وكان مبادرًا اجتماعيا ومعطاءًا، وهو صاحب مبادرةأطول سلسلة قراءة عالمياً برفقة أصدقائه والتي نُفِذَت بالقدس بمشاركة ما يقرب من ١٠ آلاف قارئ فلسطيني، مضيفاً أنه يرى بهاء شاب عادي استطاع أن يعرف الجواب ونفذ ما هو مقتنع به، بأنه لا يمكن طرد الاحتلال إلا بالمقاومة.

بعد غياب البهاء أصبح البيت ناقصًا غير مكتمل هكذا يصف عليان بيتهم عقب استشهاد بهاء، فالحزن يلف كل زاوية من زواياه، مضيفاً أن البيت الذي كانوا يسكنونه رفقة البهاء قد هُدِم ولكن كل حجر يذكرهم به، وحتى البيت الذي يسكنونه الآن فإن بهاء يتواجد به في كل لحظة وفي كل زاوية وفي كل غرفة، فأثر البهاء متواجدًا بكل مكان به، مؤكداً أن البهاء وحتى بعد دفنه فإنه دائماً في بال كل فرد من أفراد عائلته، مشددًا على أن حياة العائلة واهتماماتها انقلبت بعد استشهاد البهاء، فلم يعد لدى العائلة اهتمام بالجانب الاقتصادي أو الاجتماعي، فأصبح كل ما يهم العائلة هو أن تحمل رسالة البهاء وهي بأن تستمر العائلة بمقاومة الاحتلال وأن تستمر بالحياة بشكل حر وشريف، مؤكداً أن هذا ينطبق على كافة عوائل الشهداء حيث بعد استشهاد أحد أفراد العائلة فإن الحياة تتغير وتصبح لديهم حياة مختلفة تماماً لا علاقة لها بالماضي، وكأنك تولد من جديد مؤكداً أنه عندما يُسأل الآن متى تاريخ ميلادك فإنه يقول ” ولدتُ عندما ارتقى البهاء”.

وكان بهاء عليان قد ارتقى بتاريخ ١٣/١٠/٢٠١٥ عقب تنفيذ عمليتي طعن وإطلاق نار مزدوجة في داخل حافلة بمستوطنة ” آرمون هنتسيف” المقامة على أراضي جبل المكبر برفقة صديقه بلال غانم المعتقل والمحكوم بالسجن لثلاثة مؤبدات و٦٠ عامًا، والتي أسفرت عن مقتل ٣ مستوطنين وإصابة آخرين

وعقب استشهاده احتجز الاحتلال جثمانه لمدة ١٠ أشهر، قبل أن يفرج عن الجثمان ويسمح لعائلته بدفنه في القدس تحت شروط، بمنع إقامة جنازة كبيرة له والسماح فقط بمشاركة ٣٠ شخصًا بها.

الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء

في نهاية عام ٢٠٠٧ انطلقت حملة وطنية لاسترداد جثامين الشهداء في الوطن، حسين شجاعية منسق الحملة يقول في حديث ل” بالغراف” إن الحملة أُطلقت مع نهاية عام ٢٠٠٧ وبداية العام ٢٠٠٨، وذلك بمبادرة من عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم، وتبناها بشكل قانوني مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، مضيفاً أن الحملة بدأت بجمع وتوثيق حالات احتجاز جثامين الشهداء واستطاعت الحملة توثيق أكثر من ٤٠٠ حالة احتجاز لجثامين الشهداء، حيث كان التوثيق بزيارة لبيوت عوائل الشهداء، وبلاغات من هذه العائلات للتنظيمات الفلسطينية.

فيما يقول محمد عليان إنه وفي عام ٢٠١٥ وبعد استشهاد بهاء وعلاء أبو جمل، في تلك الأيام من العزاء عقد اجتماع داخل خيمة العزاء بمشاركة ١٠ عائلات من ذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم من بينهم ذوي الشهيد “حسن مناصرة، ومصطفى الخطيب، وثائر أبو غزالة، وعدد آخر من الشهداء”، فكان القرار بعدم القبول باحتجاز الجثامين ولن يهدأو لحين استرجاع كافة الجثامين واستلامهم، فأعلنوا عن حملة ” الحملة الشعبية لاسترداد جثامين الشهداء”.

وأكد حسين شجاعية أن الهدف من الحملة هو التوثيق والإفراج عن جثامين الشهداء، فمع انطلاق الحملة والمتابعة القانونية استطاعت الحملة النجاح في الإفراج عن الشهيد مشهور العاروري بعد ٣٤ عامًا من استشهاده واحتجاز جثمانه، وذلك بقرار من محكمة العدل الاسرائيلية، ثم بعدها تم الإفراج عن رفيقه في الاستشهاد حافظ أبو زنط، ومن ثم تم الإفراج عن ٩١ جثمان شهيد، ولاحقاً تم الإفراج عن ٢٧ جثمان شهيد بما مجموعه ١٢٠ جثمان من مقابر الأرقام، مضيفاً أنه مع عودة سياسة الاحتجاز عام ٢٠١٥ استطاعت الحملة توثيق واسترداد أكثر  ٢٤٠ جثمان شهيد، وذلك بالتعاون مع مؤسسات تعمل في هذا المجال، وأكد أنهم مستمرون في الحملة لحين تحرير كافة جثامين الشهداء المحتجزة في المقابر والثلاجات.

وأشار شجاعية إلى أن هناك ١١٧ جثمان شهيد محتجز منذ عودة سياسة الاحتجاز عام ٢٠١٥، إضافة إلى ٢٥٦ جثمان شهيد محتجز في مقابر الأرقام، مضيفاً إلى أن الحملة تعتقد أن الجثامين المحتجزة في مقابر الأرقام أعلى من ذلك، فهذا العدد الذي استطاعت توثيقه، ولكن ربما يكون هناك حالات جديدة من الاستشهاد والاحتجاز.

أما عن ظروف احتجاز الجثامين فيقول شجاعية أن احتجاز جثامين الشهداء في مقابر الأرقام، يكون في أربع مقابر سرية تابعة للجيش الاسرائيلي حيث يتم دفن الشهداء، ويتم دفنهم بقبور قريبة على سطح الأرض، ما سبب فقدان للعديد من جثامين الشهداء وذلك بفعل الأمطار والحيوانات المفترسة في بعض المناطق.

ولفت شجاعية إلى بعض الصعوبات التي واجهتهم حيث منذ العام ٢٠٢٠ أصدر كابينت الاحتلال قرارات تعطي صلاحيات  باحتجاز كافة جثامين الشهداء الفلسطينيين، ما ساهم في رفع عدد الجثامين المحتجزة، حيث وصل العدد إلى ١٢٧ جثمانا.

وأكد محمد عليان أن الحملة عملت على عدة جوانب:-  منها حملة إعلامية للتعريف بقضية احتجاز جثامين الشهداء، وكان هناك أيضاً مسار الالتفاف الشعبي من خلال القيام بمسيرات في المدن والقرى، إضافة إلى الصعيد السياسي وذلك من خلال حث المستوى السياسي للقيام بواجبه وحث الاحتلال على الإفراج عن الجثامين، إضافة إلى العمل على المستوى الدولي من خلال التوجه إلى الأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان، حيث قاموا بتعريف العالم بقضية احتجاز الجثامين، إضافة إلى مسار القانوني حيث قاموا بالتوجه إلى محكمة العدل العليا بالتماس ضد الاحتلال.

فيما أوضح حسين شجاعية أن هناك مراسلات مع مؤسسات دولية، حيث قامت الحملة ببعث مذكرات وقضايا إلى مقررات الأمم المتحدث، فقامت ببعثها إلى ثلاثة مقررين وذلك بهدف إصدارهم لموقف من هذه القضية، ولكن لغاية الآن لم يصدروا أي موقف، مؤكداً أنهم يحاولون التواصل مع المؤسسات الدولية مثل محكمة الجنايات أو الصليب الأحمر أو أي مؤسسة معنية في هذه القضية.

وأضاف حسين شجاعية أن الفعاليات مستمرة منذ بداية الحملة وحتى هذا اليوم، وذلك بفعاليات شعبية وجماهيرية ومن متابعة قانونية للملفات، إضافة للفعاليات على المستوى الدولي، وايضًا فعاليات مستمرة مع عائلات ذوي الشهداء، مشيراً إلى أن التفاعل مع القضية بشكل عام متفاوت بين فترة وأخرى وذلك بحسب الأوضاع، موضحاً أنه في الوقت الحالي هناك تفاعل كبير مع الحملة خاصة مع استشهاد ناصر أبو حميد، مؤكداً أن القضية تحتاج إلى حشد جماهيري على كافة المستويات بشكل أكبر من الموجود.

وأشار محمد عليان إلى أن الالتفاف الشعبي كان يتراوح بين المد والجزر ففي البداية كان هناك التفاف شعبي واسع جدًا حول عائلات الشهداء مع بداية انتفاضة القدس، ولكن ضعف حال هذا الاهتمام بعدها بسبب الهم الشعبي الكبير حيث كان مثقلًا بالاعتقالات والاقتحامات، ولكن في هذه الأيام عاد الالتفاف الشعبي عقب استشهاد الأسير ناصر أبو حميد، مشددًا على النقابات والمؤسسات الأهلية لم تكن تدعم أو تساعد أو تساند عوائل الشهداء بالمستوى المطلوب حيث كان موقفها ضعيف، ولكن أيضاً المستوى السياسي لم يكن إطلاقاً يهتم بهذا الموضوع ولم يقم بأي دور في اتجاه الإفراج عن الجثامين، رغم قيامهم بالالتقاء مع المستوى السياسي.

ووجه حسين شجاعية رسالته للشعب بضرورة الالتفات الشعبي الكبير والمتواصل حول هذه القضية، ومساندة كافة عوائل الشهداء في كافة أماكن تواجدهم، إضافة إلى المساعدة في التعريف والنشر عن هذه القضية، كون الاحتلال هو الجهة الوحيدة التي تحتجز الجثامين في العالم، داعيًا إلى دعم هذه الحملة والتعريف بها.

فيما لفت محمد عليان إلى أن هناك ١١٧ شهيد ما زال الاحتلال يحتجزهم، وأن الاحتلال يحتجز أي فلسطيني في الأرض المحتلة، فأي فلسطيني معرض بأن يكون شهيد أو والد شهيد أو والدة شهيد، لذلك فإن قضية احتجاز جثامين الشهداء هي قضية الوطن بأكمله، فعائلات الشهداء لا تستطيع الإفراج عن جثمان شهيد واحد لوحدها فإمكانيتها محدودة ولذلك على كل فلسطيني أن يعتبر هذه القضية قضيته وأن ينهض لمقاومة هذه الجريمة من خلال الالتفاف حول عائلات الشهداء والقيام بمسيرات ووقفات حتى لا تقتصر على ميادين المدن وأن تمتد لأكثر من ذلك، ويجب أن تكون القضية قضية الشعب بأكمله وقضية المؤسسات كلها وقضية الحكومة لأنهم رعاياها فوجب عليها الاهتمام بدفنهم دفنًا كريمًا.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة