هيئة التحرير
في ساحات الصباح الباكر تسلل وزير أمن الاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير إلى ساحات المسجد الأقصى مقتحمًا، ويأتي هذا الاقتحام الأول لبن غفير بصفته وزيراً في حكومة الاحتلال بعد إعلان الحكومة تأجيل هذا الاقتحام، ولكن الذي حدث أن اقتحم بن غفير صباحًا باحات المسجد الأقصى بحراسة مشددة من شرطة الاحتلال، ضارباً بعرض الحائط كافة تهديدات الفصائل الفلسطينية والمستوى الرسمي من هذا الاقتحام، فما دلالات على الاقتحام، وبماذا يُنذِر؟
قال المختص بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور في حديث ل” بالغراف” إن مكانة الشخص المقتحم مختلفة هذه المرة عن سابقتها من اقتحامات بن غفير، فهو لم يعد مجرد شخص استفزازي يميني على هامش الحياة السياسية في ” إسرائيل”، ولا شخص متطرف يُشعل حرائق ويذهب لبؤر الإحتكاك ويستفز، فهو الآن أصبح صانع سياسي في دولة الاحتلال، وهو وزير وله مكانه وهذا يُعطي الاقتحام أبعاد أخطر.
وأكد المحلل السياسي هاني المصري أن اقتحام بن غفير للأقصى هذه المرة يختلف كونه وزير ومسؤول بوزارة حساسة لها علاقة بالفلسطينيين، وهو يطرح برنامج متطرف لا يخفيه، كما أنه يسعى لتطبيقه وحصل على موافقة من رئاسة الحكومة وتضمن ذلك برنامج الحكومة، ما يعني أنها بداية تدل على خطورة المرحلة الجديدة، مضيفاً أن ذلك لا يعني الخوف أو الجزع حيث التطرف الأعمى يجر الويلات على صاحبه حتى لو كان يمثل حكومة قوية.
فيما يرى المختص بالإعلام العبري محمد أبو علان أن اقتحام بن غفير هذا المرة يختلف كونه شخصية رسمية سياسية في حكومة الاحتلال، ويشغل منصب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، ففي السابق كان عضو كنيست ولم يكن يمثل موقف الحكومة الإسرائيلية خلال اقتحامه، والتي كانت تدعي أنها تريد الحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى ولا تريد تغييره، ولذلك فاقتحام بن غفير هذه المرة يعتبر موقف إسرائيلي رسمي، وخطوة في اتجاه سعي الحكومة في تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى حتى الآن.
وأشار إلى أن حكومة الاحتلال تسعى إلى سياسة التقسيم الزماني والمكانية في المسجد الأقصى، فبالتالي مثل هذه الخطوة تأتي في هذا الاتجاه، واستمرارها من عدم استمرارها يعتمد على ردة الفعل الفلسطينية أو العربية أو العالمية، والتي هي لغاية الآن وحسب المؤشرات ضعيفة ولا تتناسب مع حجم هذه الجريمة.
أثر هذا الإقتحام
وقال هاني المصري إن هذا الاقتحام ينذر بأن خطة المساواة بين المسلمين واليهود في المسجد الاقصى، التي يطرحها بن غفير وغيره من الوزراء يحاولون تطبيقها على أرض الواقع، مضيفاً أنه إن لم يكن هناك رد فلسطيني فاعل وقوي وموحد وعقلاني فمن الممكن أن يفرضوها، فهم منذ سنوات كسروا موضوع زيارة الأقصى، وفي السنوات الأخيرة أصبح هناك عبادات وسجود ملحمي ورفع أعلام وأغاني.
ولفت إلى أنه في العام المنصرم اقتحم الأقصى خمسون ألف مستوطن وهو أعلى رقم منذ العام ١٩٦٧، وهذا يدلل على تصاعد الأمور، ويصبح التعاطي معها كأمر واقع وبعد تكريسها يتم الانتقال إلى خطوات أبعد، مشددًا على أن الهدف النهائي واضح وهو هدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان بدلاً عنه.
وأوضح محمد أبو علان أن هذا الاقتحام يفترض أن يخلق بلبلة وردة فعل كبيرة على الصعيد الفلسطيني سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الشعبي، ولكن هذا الرد غير موجود حتى الآن، فالجميع يذكر ردة الفعل الشعبية حينما اقتحم أرئيل شارون الأقصى والذي كان عاملاً مهماً في إشعال الانتفاضة الفلسطينية، وهذا الاقتحام يفترض أن ينذر بتدهور الحالة وتصعيد ردة الفعل على السياسة الفلسطينية، ولكن لغاية الآن لا يوجد مؤشرات في هذا الاتجاه.
فيما أكد عصمت منصور أن أثر هذا الاقتحام على الأقصى واستمراره يؤدي إلى تكريس السياسة الإسرائيلية بالحكومة وبن غفير، ولكن على المستوى الأمني فإنه سيعيد التوتر إلى باحات المسجد الأقصى، وإذا لم يكن هناك رد قريب كما تعهدت فصائل المقاومة فإنه لا يكفي إلى وضع الأمور على سكة التصعيد، فإن لم تحصل مواجهة مباشرة فإنه يقرب إلى لحظة التصعيد، إضافة إلى أنه يُراكم من الحالة المتوترة أصلاً على الأرض، حيث الإعدامات والاقتحامات المستمرة، فإن هذا يضيف لعوامل التوتر عاملاً إضافياً.
اقتحامات أخرى مستقبلية
وشدد محمد أبو علان إلى أنه من المتوقع أن يشهد الأقصى اقتحامات أخرى لبن غفير، لأنه من ضمن الوعودات التي قالها في مفاوضات تشكيل الحكومة هو تغير الوضع القائم في المسجد الأقصى وتحقيق المساواة لليهود بحسب تعبيره، بمعنى السماح لهم بممارسة الطقوس الدينية والتلمودية بداخل باحات المسجد الأقصى، مضيفا أنه قال أنه انتخب لهذه الأهداف حيث هذا ما كان مطروحاً من ضمن أهدافه في حملته الانتخابية، وبالتالي وبحسب ما يقوله فإنه عليه السعي لتحقيق هذه الأهداف لجمهور الناخبين الخاصين باليمين الإسرائيلي.
فيما لفت عصمت منصور إلى أنه إن لم يكن هناك رد فلسطيني شامل وعلى كافة المستويات فإنه سيكون هناك اقتحامات أخرى ينفذها بن غفير للأقصى، فبالأمس عندما أجل الاقتحام أو ما قام به من تضليل، فإنه قال أنه اقتحم أكثر من مرة ولم يحصل شيء، وهذه المرة لن يحصل شيء، فهذا يشجع على الاقتحامات، مضيفًا أنه إن مرت هذه الجولة بدون رد ديبلوماسي وسياسي وعلى الأرض من فصائل المقاومة، فإنه سيكون بمثابة الضوء الأخضر له للاقتحام مجددًا.
وأضاف هاني المصري أنه لا يجب المبالغة في هذه الخطوة لأنه كان هناك اقتحامات سابقة لوزراء في حكومة الاحتلال، ولكن المختلف هذه المرة أنه أتى من حكومة جديدة تحمل شعارات متطرفة، إضافة إلى وقوع بعض الفلسطينيين بخدعة إقناع نتنياهو له بتأجيل الإقتحام وبالتالي أصبحوا يتحدثون عن انتصارات لكنها لم تدم طويلاً، بالتالي فهذه خطوة لا يجب المبالغة بها فهناك اقتحامات يومية للمسجد الأقصى، مؤكداً أن الخطورة تكمن حول نيتهم إتاحة المسجد الأقصى لليهود كما المسلمين وليس كما هو الآن ثلاثة ساعات صباحًا.
على ماذا يعتمتد الاقتحام مجددًا
يرى محمد أبو علان أن اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى من عدمه يعتمد بالدرجة الأولى على ردة الفعل الفلسطينية والعربية والدولية، فهل ستكون ردة الفعل حازمة في وجه حكومة الاحتلال لمنع هذه الاقتحامات أم لا، مضيفاً أن هناك زيارة مقررة لنتنياهو للإمارات العربية خلال الأسبوع القادم وحتى الآن لم يكن هناك أي موقف احتجاجي على هذا الاقتحام بأن تقوم مثلاً بإلغاء الزيارة، خاصة أن هذا الاقتحام كان بقرار وتنسيق مسبق من كل المنظومة السياسية والأمنية الإسرائيلية.
وأشارإلى أن بن غفير قبيل اقتحامه للأقصى هاتف نتنياهو والذي لم يعارض هذا الاقتحام، إضافة إلى اجتماعه مع رئيس الشاباك والذي أيضاً لم يمانع هذا الاقتحام، والذي لم يجد معلومات حرجة تمنع اقتحام بن غفير للأقصى، إضافة إلى موقف المؤسسة الأمنية التي قالت بأن اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى ليس تغيير من الوضع القائم بالتالي لا يوجد مانع من هذا الاقتحام، والعامل الوحيد لمنع الاقتحام هو وجود معلومات أمنية حرجة ولكن لا يوجد مثل هذه المعلومات حتى الآن، وكان الأمر كذلك بالنسبة للقائد العام للشرطة الاسرائيلية الذي قال أنه لا يوجد ما يمنع اقتحام بن غفير للأقصى، فبالتالي اقتحام بن غفير للأقصى ليس قرار شخصي فهو وزير في حكومة الاحتلال، ويمكن اعتبار هذا الاقتحام هو الموقف الرسمي الإسرائيلي تجاه الأقصى وتغيير الوضع القائم فيه وفرض حقائق جديدة داخل ساحات المسجد الأقصى.
بدوره شدد هاني المصري على أن حكومة الاحتلال هي حكومة متطرفة، من برنامجها ضم الضفة الغربية وليس فقط اقتحام الأقصى، فهذه نقطة من نقاط البرنامج وهي حكومة مستقلة وقوية يدعمها جزء كبير من جمهور الاحتلال، ولكن جزء كبير أيضاً يعارضها، فمنهم من يخشى على مستقبل اسرائيل منها، بالتالي المعركة ليس ميؤسًا منها إذا تم التصرف بشكل سليم فهي قابلة للنجاح ودحر هذه الحكومة وعزلها وإسقاطها.
ولفت عصمت منصور إلى أنه هناك موافقة من رئيس الشاباك ورئيس الحكومة على هذا الاقتحام، فهو تم بغطاء أمني وسياسي من أعلى المستويات، وهذا يجعله اقتحام استراتيجي وليس مجرد نزوة أو أنه نفذ تهديد أو لجمع أصوات كما كان يفعل سابقاً، إنما هذا ترجمة لسياسة إسرائيلية تهدف إلى تهويد القدس وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، حيث لم تعد المسألة مجرد شعارات بل أصبحت سياسة تطبق على الأرض، وأيضاً بهذا الاقتحام يوجد تجاهل كلي لكل التهديدات التي وجهتها فصائل المقاومة، وكأنه يدير ظهره ولا يأبه لكل هذه التهديدات والرسائل عبر الوسطاء.