loading

انتظروه ٢٣ عاما فسلموهم جثمانا آخر

حنين قواريق

لا يكتفي الاحتلال بقتل نخبة شباب فلسطين، بل يستمر في قتل أمل الأشقاء عندما يحتجز جثمان رفيق روحهم الشهيد، ويقتل الفرحة في قلوب أهاليهم حتى الموت، ليقضوا عمرهم يتجرعون ألم الفقد، ويطالبون بجسد ابنهم حتى يرووا عطش الفقدان بعناق دافئ من جثة باردة احتُجِزتَ في ثلاجات الاحتلال الموحشة.

في ليلة من ليالي عائلة البوز المعتادة، تحولت لحظاتها للحظات ضيقة بعدما تلقوا اتصالاً لاستلام جثة نجلهم عبد الناصر البوز بعد حوالي (23 عاماً) من اختفائه، فقد حاول السفر تهريباً إلى الأردن عبر الأغوار ضمن خطة وضعتها منظمة التحرير الفلسطينية للحفاظ على حياته من الاحتلال، ثم قُطِعَت أخباره منذ ذلك الحين، فلم تكن العائلة على دراية باستشهاده، ليتبين لاحقاً أنها ليست جثته.

“أخبر الشهيد عبد الناصر البوز عائلته أنه سيغيب لفترة من الزمن، ثم فقدت آثاره تماماً في أغسطس عام 1989، ولم تكن عائلته تعلم بمصيره، فقد ظنته وقع في قبضة الاحتلال الإسرائيلي أسيراً، وطوال فترة غيابه قرعت كل الطبول وطرقت كل الأبواب لمعرفة أي معلومة عن ابنهم تُهدئ من روعهم، لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي نفت معرفتها بأي شيء يخص عبد الناصر” هذا ما قاله صبحي البوز شقيق الشهيد عبدالناصر في حديث ل”بالغراف”.

كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلية قد أفرجت عن 91 جثماناً من مقابر الأرقام في أيار 2012، من بينها جثمان الشهيد عبد الناصر البوز.

 فيقول صبحي بهذا الخصوص: “لم نكن نعلم أن عبد الناصر قد استشهد، وفي يوم كنا بمناسبة عائلية لنُدهَش باتصال يطلب منا استلام جثة أخي، فكانت صدمة كبيرة بالنسبة لنا، فطوال 23 عاماً ننتظر عودته، وبالفعل استلمنا الجثمان من مقر السلطة في رام الله، وفور عودتنا إلى نابلس قررنا التأكد منها، لكن كان هناك أطراف كثيرة تمانع فتح الجثة، وبالرغم من ذلك بقينا على موقفنا”.

وأضاف: “رأينا هيكلاً عظمياً تنقصه الجمجمة والفك العلوي، ولاحظنا عدة أمور تجعلنا نشك بأن الجثة لا تعود لأخي، مثل وجود “سن ذهبي” في الفك السفلي، فكان شقيقي شاب صغير وأسنانه قوية لا يحتاج “لتلبيسات أو أسنان صناعية”، بالإضافة لحجم الملابس والجثة التي لم تكن بحجمه، ناهيك عن الإصابات المتربعة في جسد أخي والتي نحفظها جيداً ولم تكن موجودة في الجثة المُستَلَمَة، هذا غير العلامات الأخرى التي نعرفها كعائلة…ومن هنا استنتجنا بل تأكدنا أن هذه رفات شخص آخر”.

بقي الجثمان لدى العائلة لفترة طويلة، بعدما أصرت على إجراء فحص الحمض النووي للجثة في مخابر الأمن العام الأردني، فقد رفضوا تسليمها قبل حصولهم على نتيجة الفحص، ليتبين أن الجثة لا تتطابق مع عينات الدم التي تم أخذها من عائلة الشهيد عبدالناصر، وقد قال وزير العدل علي مهنا بعد تسلم الجثة بثلاثة شهور”أنه سيتم توجيه رسالة رسمية إلى الجانب الإسرائيلي من جهات الاختصاص في السلطة الوطنية الفلسطينية مطالبة إياه بتسليم الرفات الحقيقية للشهيد عبدالناصر بالسرعة الممكنة”.

فيتابع صبحي: “عرفنا لمن تعود الجثة، ولكن لا أعلم إن وصلت لعائلتها، فبعد صدور نتيجة الفحص سلمتها شخصياً للسلطة الفلسطينية، ولم نصل لأي معلومة جديدة إلى وقتنا هذا”.

وتوفي والدا عبد الناصر والحسرة في قلوبهم، قبل معرفة مصير ابنهم، فقد بقي الأمل رفيق قلب الأم التي وصت أبنائها بإيصال هديتها لعبد الناصر.

فيقول صبحي: “قبل أن تتوفى والدتي عام 2006 كانت بحوزتها قلادة تضم سبع ليرات من الذهب، أوصتنا بعدم بيعها، والاحتفاظ بها إلى حين عودة ناصر، لتكون من نصيب زوجته المستقبلية عند عقد قرانه، أمي توفت على أمل أن فلذة كبدها على قيد الحياة فكانت تتأمل وتتمنى عودته كحالنا وحال أبي”.

كان الشهيد عبد الناصر البوز من مواليد 1965 مطارداً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومعرضاً للاغتيال أو الاعتقال في أي لحظة، فقد حاول الاحتلال عدة مرات اغتياله قبل أن ينجحوا بذلك في الكمين الأخير، كونه ناشطاً في الانتفاضة الشعبية، وواحداً من مؤسسي مجموعة الفهد الأسود في نابلس.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة