loading

فعاليات ذكرى النكبة: بين التكرار والاصرار

هيئة التحرير

75 عامًا مرت على ذكرى النكبة الفلسطينية، حيث هُجر السكان وقُتلوا وهم بداخل بيوتهم، وفي كل عام يحي الشعب الفلسطيني هذه الذكرى باحتفالات مركزية تُقام في مراكز المدن، فعاليات هذا العام وهل ستكون مختلفة عن سابقتها التي أصبح يراها الشعب مكررة 

 وحول ذلك يقول حسني صعايدة من دائرة الإعلام في دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير أن فعاليات هذا العام لإحياء النكبة انطلقت منذ أسبوعين وكان هناك مجموعة من المعارض المصورة والصور الفوتوغرافية عن طريق بلدية رام الله وبلدية البيرة، إضافة إلى حملة التدوين الالكتروني، وأيضاً المهرجان المركزي ومن ثم تنطلق فعالية المسيرة من ضريح الشهيد ياسر عرفات ليتم وضع الأكاليل ومن ثم الانطلاق للمهرجان المركزي في شارع القدس.

 وأكد صعايدة أنه ولأول مرة سَيُلقي الرئيس محمود عباس خطابًا في الأمم المتحدة بمناسبة النكبة، حيث بموجب التفويض الصادر عن الجمعية العامة في الأمم المتحدة في نهاية شهر نوفمبر المنصرم تقرر اعتبار 15 أيار يوماً عالمياً لإحياء ذكرى النكبة، مؤكداً أن اعتراف الأمم المتحدة بذلك هو دليل على نجاح الفعاليات السابقة وأثرها على المجتمع الدولي .

وتابع أنه ومن ضمن استراتيجيات الدائرة فإنه تم وضع برنامج كامل ليكون على مدار العام، وذلك لإحياء “فعاليات النكبة، وفعاليات وعد بلفور، وذوي الاحتياجات الخاصة”، والتي ستندرج من فعاليات إحياء ذكرى النكبة ال75 وتحت إشراف دائرة اللاجئين.

وحول تكرار فعاليات النكبة وتشابهها في كل عام يقول صعايدة أن الفعاليات المركزية دائمًا تكون قوتها بوجود المؤسسات الرسمية بجانبها، ولذلك يتم اختيار مدينة رام الله لتكون مركز الفعاليات الرسمية، وذلك بحكم وجود القوى الأمنية والقيادة السياسية ووسائل الإعلام المختلفة، مبينًا أنهم يودون أن تكون الفعاليات قريبة من الناس.

 ولفت إلى أنه بالفعل هناك تكرار بالفعاليات ولكنه في الوقت نفسه يؤكد أنه من خلال اللجنة الوطنية العليا يمكن لأي شخص اقتراح أي فعالية وسيقومون بتبنيها بشكل كامل، داعياً أي شخص لديه أي برنامج لتقديمه لهم وهم جاهزون لدعمه.

ودعى صعايدة إلى المشاركة في فعاليات إحياء ذكرى النكبة والتي ستكون الصوت والأداة لإيصال الرسالة إلى العالم أجمع، خاصة بعد التمييز والكيل بمكيالين بعد الحرب الروسية الأوكرانية، مؤكداً أنه من حق الشعب الفلسطيني بعد 75 عامًا أن يعود ويسمع العالم قصة ورواية الشعب الفلسطيني والحقيقة التي يحاول الاحتلال دائماً دحضها وتهويدها.

من جانبه يرى الدكتور والباحث خالد عودة الله في حديث ل ” بالغراف” أن إحياء ذكرى النكبة بمثل هذه الفعاليات أصبحت مستهلكة وأفرغت النكبة من معناها كمعنى نضالي، وليس فقط كمعنى تأبيني أو كمعنى إحياء الذاكرة.

 وأكد عودة الله أنه من الضروري دائمًا ربط النكبة بما يجري من أحداث فلا يمكن الحديث عن النكبة دون ربط ذلك بمعركة غزة الأخيرة التي كانت بشكل أساسي معنى من محاولات العودة إلى الوطن والكفاح من أجل العودة، فمعظم من يقطن قطاع غزة هم من اللاجئين الفلسطينيين الذين ينضالون بشكل أساسي من أجل العودة إلى قراهم، التي لا تبعد سوى كيلومترات معدودة عن مخيمات اللجوء الموجودة في قطاع غزة، مضيفًا أنه لا بد دائمًا من أن تكون النكبة هي جزء من الحاضر وليس حدثًا في الماضي نعود إليه لاحياءه بطريقة كرنفالية أفرغته من معناه النضالي.

وتابع عودة الله أن هناك عدة مستويات لإحياء النكبة حيث يجب الحفاظ على بُعد جماهيري حقيقي وليس فقط أن تكون فعاليات الإحياء عبارة عن فعاليات مفصولة عن الناس وآلامها وقضاياها، و تكون النكبة مناسبة لإظهار النضالات العمالية والنضالات النقابية والنضالات السياسية وحق الناس في تقرير مصيرهم انتخابيًا، ولذلك فإن كل هذه القضايا يمكن وضعها تحت مفهوم إحياء النكبة، والاستفادة من الدرس التاريخي للنكبة والذي كانت فيه الكثير من الدروس التي يتم عدم التطرق لها في عملية الإحياء.

 وأشار عودة الله إلى أن هناك من يريد أن يحول المسألة إلى مسألة بكائية ومجموعة من الشعارات الفارغة التي لا معنى لها، مبينًا أن الحد الأدنى من إحياء النكبة لم يعد قائمًا حتى في الاحتفالية التي تُقام، مشددًا على أنه أضحى هناك حاجة لإعادة إحياء مفهوم النكبة واحياءها بشكل حقيقي وسياسي، بمعنى ربط كل ذلك بالممارسة السياسية الحاضرة وليس تحويل النكبة إلى مفهوم وفعالية أو مناسبة وكأنها منزوعة عن الحاضر أو عن ما يجري في الساحة الفلسطينية من أحداث.

 وأوضح أنه لا يمكن الحديث عن النكبة واحياءها ولم تخرج مسيرة واحدة تليق بما جرى ويجري في قطاع غزة، فقطاع غزة ومسألته هي مسألة لاجئين بامتياز يريدون العودة إلى أوطانهم، ويقومون بالنضال من أجل العودة إلى قراهم التي لا تبعد سوى كيلومترات معدودة عن أماكن تواجدهم، وهذه مسألة مهمة وأساسية فمن أراد أن يُحي النكبة عليه أن يكون داعماً لهذا النضال من أجل العودة بشكل حقيقي وليس بشكل تسول حقوق من عالم لا يأبه بنا .

وأكد عودة الله أنه يجب ربط إحياء النكبة بما يحدث الآن من أحداث في الوطن لأن ما يحدث هو أقوى وأصدق وأعمق تعبير عن النضال، وذلك من أجل محو آثار النكبة وليس تأبيد النكبة بمعنى عندما يتم تحويلها إلى احتفالية يتم تأبيدها بحيث يتم التعايش معها كواقع لا نريد الفكاك منه، وإنما النضال الحقيقي كما جرى في قطاع غزة أساساً وما يجري في شمال الضفة الغربية فهذا هو النضال من أجل محو النكبة وتفكيك مفاعيلها التاريخية بشكل أساسي وعدم تحويلها إلى واقع وزمن مستمر دائم نعيش فيه.

من جانبه يقول أستاذ الإعلام في الجامعة العربية الأمريكية سعيد أبو معلا في حديث ل” بالغراف” إن الوضع السياسي الذي تمر به القضية الفلسطينية وتراجع المشروع الوطني الذي بدأ مع دخول اتفاقية أوسلو في التسعينيات هو الترجمة الحرفية للحالة التي تمر بها ويتم التفاعل بها مع الفعاليات المختلفة، فمثلاً في ذكرى استشهاد ياسر عرفات يُلاحظ به أن كل الفعاليات يتم التعامل معها وكأنه يراد تحنيط ياسر عرفات وجعله وكأنه قائد عادي وليس إحياءه في نفوس الجماهير والقطاعات المختلفة الفلسطينية وهذه مشكلة حقيقية .

وأضاف أبو معلا أن إحياء ذكرى النكبة فمنظمة التحرير هي الجهة الرسمية وهي منظمة لا تعمل كثيراً فيصعب التوقع منها إبداعًا كبيراً في ذكرى النكبة، ومن الصعب ابتكار مظهراً احتفاليا كبيراً، وهناك الأحزاب والتي بها مشاكل أيضاً فبعضها مثلاً في الجامعات يقيمون العديد من الفعاليات والمهرجانات المبدعة وبعضها فقيرة وتعاني، وهذا يرتبط بحالة تفريغ الأحزاب الفلسطينية من القضية الفلسطينية وشيئًا فشيئًا وصل الموضوع لمجمل الفعاليات وتحديداً الفعالية الأكبر .

أما فيما يخص النكبة فأكد أبو معلا أن مشكلة النكبة فهي بأنها مستمرة ولكن الخطاب الرسمي يتعامل معها وكأنها انتهت بعام ١٩٤٨، إلا أنها مستمرة ونراها من خلال ممارسات الاحتلال الاستيطانية في الضفة وتعاملات الاحتلال مع الشعب الفلسطيني، ولكن الخطاب الاحتفالي مع هذه الذكرى هو خطاب قاصر على رؤية النكبة بصفتها حدث انتهى، مبينًا أن هذا يفرق بشكل كبير بأن تتعامل معها وكأنها حدث وطني مستمر وأن تحتفل كنوع من تذكير الناس بها .

وبين أبو معلا أن النشطاء الحقيقيين سواء الافتراضيين أو الموجودين في البيئة الواقعية بالميدان، يقومون بدورهم وجهودهم في هذا الجانب،  ولكن هؤلاء النشطاء ليس لهم أدوات كالأحزاب مثلاً وهذه المشكلة الأساسية، فالناشط يستطيع عمل دعوة أو ڤيديو أو بوستر، ولكنه لا يمتلك قوة الحزب الذي من المفترض أن لديه قاعدة جماهيرية موجودة بالميدان وهذا إشكال حقيقي.

وأضاف أنه هناك الكثير من النشطاء غير محزبين، وهذا يُظهر مدى تراجع حضور الأحزاب وفعاليتها، لدرجة أنها لم تعد مُغرية للنشطاء الخلاقيين والوطنيين والمبدعين للانتماء لها .

وبين أبو معلا أن ما يجعل النكبة هذا العام حدثًا مهماً هو ليس مرور ٧٥ عامًا عليها كما يقول البعض، إنما هي حالة المقاومة التي لها عامين منتشرة في الضفة الغربية وهذا الذي يمنحها الزخم، فتاريخيًا عندما كان هناك اتفاقيات سلام مع الإسرائيليين كانت النكبة أقل حضور ومهمشة بشكل كامل، فالقضية الفلسطينية تستعيد حالها هذه الأيام بسبب الحالة النضالية منذ عامين وجزء كبير منها ارتبط بملف القدس وفلسطين التاريخية، مضيفاً أن النكبة عادت للتفاعل بسبب هذا الشيء وليس بسبب أن جهود الذين يعملون على الفعاليات كبير وقوي وفعال، إنما لأن الناس موجودين ومنخرطين في فعاليات وطنية نضالية فهذا الذي يعزز التفاعل مع النكبة والحديث عنها بشكل عام.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة