هيئة التحرير
كانت المرة الأولى التي استخدمت فيها الإبرة والخيط لِتُحيك قطعة مُطرزة عندما كانت بالمدرسة، ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف شغف خديجة خصيب “٥٩ عامًا” في الخياطة والتطريز، الذي اتخذته مصدر رزق لها تُعِيلُ به نفسها ووالدتها قبل أن تتوفى.
منذ أكثر من ٣٥ عامًا دأبت الخصيب على تطريز كل شيء تريده، فشغفها بالتطريز والخياطة لا يتوقف عن إنجاز الأثواب بل يمتد إلى كل شيء تراثي تراه، وحتى يومنا هذا ما زالت تواصل تطوير نفسها والتفنن بأشكال وملابس وأثواب تراثية تعكس الهوية الفلسطينية.
تقول الخصيب في حديث ل” بالغراف” أنها بدأت بتعلم التطريز والحياكة من زميلاتها في المدرسة ثم بعدها اعتمدت على نفسها في تطوير ذاتها في هذه المهنة التي وجدت بها نفسها، مؤكدة أنّها مستمرة بها طيلة هذا الوقت لأنها مصدر رزقها الذي تُعيلُ بها نفسها، وأيضاً بسبب شغفها الكبير بها، وبسبب وقت الفراغ فهي تستغل وقت فراغها بالتطريز وإنجاز قطعها التطريزية المميزة.
ما تعلمته الخصيب طيلة السنوات الطويلة الماضية لم تُبقيه لنفسها فقط، بل دأبت على تعليم الفتيات لهذه المهنة للمحافظة عليها وإفساح المجال ليبقى هذا التراث قائمًا بشكل دائم، ومن قامت بتعليمهن أصبحن يعملن معها في مهنتها هذه، حيث لم تبخل عليهن في التعليم وأغدقت عليهن جل ما اكتسبته طيلة سنوات خبرتها الطويلة، مشجعة إياهن على الاستمرار والحفاظ عليها وتوريثها، لأنها بمثابة الحفاظ على الهوية والتراث الفلسطيني.
تحافظ الخصيب على الطريقة التراثية القديمة في التطريز، حيث ما زالت تعتمد على يدها في إنجاز الأثواب ولم تستخدم الآلات كما هو دارج في الأسواق، مبينة أن الإضافات التي أصبحت تُضاف على الأثواب تُبهت منظره الذي اعتادوا عليه منذ القِدم حيث الأثواب الفلاحية التي تبقى كما هي مهما مر عليها الزمن ويبقى يُورث للأجيال جيلًا بعد جيل، مضيفة أن إنجاز القطع التطريزية يحتاج إلى وقت كبير، ويعتمد ذلك على حجم القطعة.
العمل مع إنعاش الأسرة
عام ٢٠٠١ توفي والد خديجة الخصيب وقل العمل لديها بشكل كبير، وبعد نصيحة من صديقتها توجهت إلى جمعية إنعاش الأسرة الذين قدموا لها عملًا في مهنتها، ومن هنا بدأت رحلتها في التعاون والعمل مع الجمعية المستمر، مبينة أن هذا العمل ساعدها كثيراً على الصعيد المادي رغم زُهد المبلغ إلا أن هو بمثابة مصدر رزق، وأيضًا على الصعيد المعنوي حيث ساعدها على تقوية شخصيتها بشكل كبير وتطويرها مع مرور السنين، وقدمت لها فرصة كبيرة للانطلاق في الحياة خاصة بعد وفاة والدها.
وأكدت أنها رغم التعب المرافق لهذا العمل إلا أنها تصر على المواصلة، والتعلم وإنتاج قطع تراثية جديدة ومتنوعة، موجهة رسالتها للجمعية بالمواصلة في دعم السيدات وتقديم الفرص لهن الذي لطالما قدموه للسيدات من قبل.
وجمعية إنعاش الأسرة هي جمعية فلسطينية تأسست عام ١٩٦٥، بهدف إنعاش الأسر الفلسطينية إثر الاحتلال ومن ثم تطورت برامجها، حيث عملت على تمكين المرأة الفلسطينية بشكل خاص فأنشأت كلية إنعاش الأسرة للتمريض ومن ثم التدريب المهني الذي كان يتضمن ” الخياطة، والتجميل”، وفق ما تقوله منسقة العلاقات العامة في جمعية إنعاش الأسرة ألين زيادة في حديث ل” بالغراف”.
وبينت زيادة أن الهدف هو تمكين المرأة واستغلال طاقتها حتى تستطيع إعالة أسرتها، خاصة في ظل الاعتقال الكبير للشبان فأضحت المرأة هي المسؤولة عن إعالة أسرتها، مشيرة إلى أن الجمعية تأسست على يد سميحة خليل وعدد من المتطوعات، ومع مرور الوقت توسعت رؤية الجمعية واتجهت إلى حفظ التراث الفلسطيني، الذي حاول الاحتلال سرقته بعدة طرق منها “جعل مضيفات الطيران يرتدين التراث الفلسطيني”، ومن هنا جاء الاهتمام بالتراث وتم إنشاء متحف التراث الشعبي التابع للجمعية، والذي يضم مقتنيات ثمينة تم جمعها والتبرع بها من المواطنين والمؤسسات على مدار سنوات طويلة.
وأضافت أن المتحف يضم اليوم ٥٥ ثوبًا نادرًا عمرها أكثر من ١٤٠ عامًا، إضافة لعدد من المقتنيات الأثرية والمطبخ والفِلاحة، كما ركزت الجمعية على التطريز فقامت بحفظه في المتحف التراثي، وأعادت إنتاجه كما أنها تحافظ على إنتاج أثواب فلسطينية بالغرزة الأصلية لكل بلد.
ولفتت زيادة إلى أن الجمعية تفتح المجال أمام النساء لاختيار النقشة التي يُردنها، فالثوب الواحد يستغرق إعداده من ثلاثة لأربعة أشهر لأنه صناعة يدوية، ويُستخدم قِماش ناعم يصعب العمل عليه ولذلك عَمِلت الجمعية على تمكين ما يقرب من ٢٠٠ سيدة في القرى والبلدات الفلسطينية والمناطق المهمشة للعمل على التطريز، مشيرة إلى أن التطريز استطاع أن يُمكن العديد من النساء الفلسطينيات خاصة في القرى المهمشة، حيث التطريز هو هوايتهن والشيء الذي توارثته السيدات من جيل إلى آخر بإتقان كبير.
وشددت على أنهم يثمنون في الجمعية دور المرأة الفلسطينية التي استطاعت أن تحافظ على التراث وتتناقله من جيل لآخر، وهو ما تهتم وتركز عليه الجمعية من خلال قسم التطريز ومعرض التطريز المتواجد طيلة العام وعلى مدار الأسبوع، حيث يستطيع الزائر الاقتناء منها وهو ما يساهم في دعم سيدات فلسطينيات يعملن من أجل إنتاج هذه القطع التراثية والحفاظ على التراث واستمراره، مشيرة إلى أنهم أصبحوا يُدخلون التراث بالقطع العصرية حتى تستطيع المرأة العاملة إرتدائه في كافة المناسبات.
