هيئة التحرير
ألف جندي، لواء كامل، أربع وحدات خاصة، قتيل وعشرات الإصابات، مدرعات مشطوبة، وعزيمة معطوبة، من أجل صورة تحت قوس المخيم، سرعان ما انسحب الجنود وعاد الصوت عالٍ كتيبة كتيبة.
٤٦ ساعة استمر عدوان الاحتلال برًا وجوًا في مخيم جنين، عدوان أسفر عن ١٢ شهيد وأكثر من ١٢٠ جريحًا، وقصف للمنازل وتهجير لأصحابها وحفر للشوارع وتدمير خطوط المياه والكهرباء في المخيم، فهل حقق الاحتلال ما كان يسعى إليه من هذا العدوان؟!
وحول ذلك يقول الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي في حديث ل”بالغراف” إن اسرائيل لم تحقق الأهداف التي وضعتها لهذه العملية، فكان الهدف الأساسي هو ضرب مجموعات المقاومة وتحديداً كتيبة جنين أو محاولة القضاء عليها وعلى تسلسلها، وذلك بهدف إنهاءها وإنهاء الخطر الذي تشكله على قوات الاحتلال التي تدخل جنين ومخيمها والخطر الذي تشكله على المستوطنين، وربما يكون الذي جرى في جنين كان محاولة لضرب أي تفكير لتشكيل مجموعات في المناطق التي لم يُشكل بها .
وأضاف أن الاحتلال في السابق كان ينفذ العمليات السريعة المباغتة من خلال وحدات المستعربين الذين ينفذون حملات اغتيال أو اعتقال للمقاومين، ولكن كان هناك ضغوط على نتنياهو من قبل قادة المستوطنين ووزراء الصهيونية الدينية لشن عملية واسعة مثل عملية السور الواقي في جنين والقضاء نهائيًا على كتيبة جنين، ورغم وجود خطة جاهزة للعملية فالمستويين الأمني والسياسي كانوا يفضلون العمليات السريعة المباغتة، والتي تكون بها قوات الاحتلال بالمخيم والمدينة لفترة قصيرة ثم تنسحب بعدها دون الحاجة للبقاء لفترة طويلة وإمكانية تعرض قواتهم لخسائر .
وتابع البرغوثي بأنه بعد تفجير الموكب العسكري وإصابة عدد من الجنود وبعد العملية التي وقعت في مستوطنة ” عيلي” ومقتل المستوطنين الأربع وبعد محاولة إطلاق صواريخ من قطاع غزة، كان هناك ضغوط صهيونية دينية وتحديداً من بن غفير وسموتريتش وهي التي دفعت نتنياهو لتنفيد عملية، ولكن من الاعتبارات التي كانت تمنع هذه العملية هو إمكانية سقوط عدد كبير من الشهداء وبالتالي حدوث عمليات وحدوث تصعيد في مناطق أخرى بالضفة، إضافة إلى الاعتبارات الإقليمية والدولية وإمكانية تمكن تعرض اسرائيل لانتقادات شديدة، إضافة إلى إمكانية تأثر محاولة التطبيع مع السعودية بوساطة دولية أو أمريكية، وأيضًا منع أن يؤدي أي تصعيد دموي لفتح جبهات أخرى إما من قطاع غزة أو مواجهة شاملة كما في عام ٢٠٢١، ولكن بعد العمليات التي وقعت دفعت نتنياهو للإستسلام لضغوط الصهيونية الدينية وقادة المستوطنين لتنفيذ هذه العملية .
ولفت البرغوثي إلى أن العملية نُفِذَت وكتيبة جنين عمليًا لم تُمس فيبدو أن الشبان تمكنوا إما من التحصن في أماكن جيدة أو تمكن بعضهم من الانسحاب قبل دخول قوات الاحتلال، مضيفًا أن الاحتلال وللتغطية على فشله في القضاء على المقاومين بالغ وضخم من قضية العثور على مختبرات لتصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة باعتبار أن هذا إنجاز ضخم، لأنه لم يكن في يده خيارات أخرى متعلقة بتحقيق إنجاز.
وشدد على أنه بدأت ردود فعل وانتقادات توجه للعملية بسبب الفشل بالجانب المتعلق بالقضاء على مجموعة المقاومين، مضيفاً أن الحروب والعمليات تُقَيّم بتحقيقها لأهدافها وهنا الهدف الأساسي فشلت الحكومة الإسرائيلية والجيش بتحقيقه، مبينًا أن نتنياهو قبل العملية كان يتفاخر بعدم وقوع أي إصابات في صفوف جيشه ولكن بعد عدة ساعات قُتِل أحد الجنود في اشتباك مع المقاومين.
وبعد انتهاء عملية الانسحاب أُطلِقت صواريخ من قطاع غزة في رسالة توقيتها مهم لأنها جاءت بعد انتهاء العملية العسكرية في جنين لكي لا يحرف النظر عن ما يحدث في المخيم وبأنها رسالة بأن غزة جاهزة للتدخل إذا لزم الأمر وجاءت عملية “تل أبيب” قبل ذلك لتقول للإسرائيليين أن التصعيد في جنين قد يؤدي إلى التصعيد ومزيد من العمليات خاصة وأنها كانت عملية ناجحة بالمفهوم الفلسطيني لكونها أوقعت عددًا من الإصابات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نتنياهو لا يريد مقتل كثير من المدنيين كي لا تنجر إسرائيل لمواجهة شاملة.
وشدد البرغوثي على أن هذه الأمور يبدو أنها كانت سببًا في فشل العملية، مع سلوك وتصرف واعي جدًا من المقاومين لأنه يبدو كان هناك انسحاب لعدد كبير منهم وعدم وجود تركيزات كبيرة منهم في مكان واحد ما يؤدي إلى سهولة استهدافهم وإيقاع خسائر كبيرة فيهم، إضافة إلى الحاضنة الشعبية في مخيم ومدينة جنين والموقف الفلسطيني ككل الذي ساهم معنويًا بدعم الشبان، كما كان في الرسالة التي نشرت حول توفر الطعام والمال وأيضًا مكان للخروج، فكل هذه العوامل شكلت حالة دعم للمقاومين وهذه الأمور قد تكون سببًا في فشل العملية العسكرية وأيضًا في تحقيق إنجازًا مهمًا لتجنب سقوط عدد كبير من الشهداء في صفوف المقاومة .
بدوره يقول المختص بالإعلام العبري عصمت منصور في حديث ل” بالغراف” أنه حتى من إعلان الاحتلال هو لم يدعي أنه حقق أهدافه كاملة، وإذا ما تم الأخذ بالاعتبار أن أهدافه كانت القضاء على البنية التحتية في المخيم وتمشيطه وتنفيذ اعتقالات والوصول إلى خلايا نفذت عمليات وهذا لم يتحقق، مبينًا أن الذي تحقق هو عملية تدمير ممنهج للبنية التحتية والمساجد واستهداف المستشفيات وقتل المدنيين وتهجير السكان، مضيفاً أن هذا عمليًا أبقى الحالة التي كان عليها المخيم كما هي ووضع نتنياهو في ورطة
وأكد عصمت منصور أن المتوقع على ضوء خيبة الأمل التي مُني بها نتنياهو وجيشه أن يعودوا إلى أساليب العمل القديمة القائمة على العمل الاستخباراتي والوحدات السرية والمستعربين والوحدات الخاصة، وربما استخدام الجو وأيضاً تنفيذ الاغتيالات، مضيفاً أن العودة لعملية بهذا الحجم لن تكون قريباً.
من جانبه يرى خلدون البرغوثي أن نتنياهو قد يحاول تعويض الفشل من خلال تنفيذ عمليات اقتحام على غِرار العمليات السابقة المباغتة من خلال وحدات خاصة ومستعربين تدخل متخفية وتقوم بتنفيذ عمليات اعتقال أو اغتيال وربما يتم تكثيف هذه العمليات، مضيفاً أنه إذا كانت تحدث هذه العمليات كل أسبوعين مرة فإنه سيتم تكثيفها بشكل كبير وذلك لإيقاع عدد كبير من الإصابات بفترات متقاربة، وذلك لتعويض الفشل الحالي بالعودة لهذه العمليات.
وأردف البرغوثي بأنه ربما يلجؤون لعمليات القصف الجوي فهذه سياسة تجنبها الاحتلال لفترة طويلة ولكن منذ أسبوعين عاد إليها بعد تمهيد للعودة إليها من خلال السماح لقائد قوات الاحتلال في الضفة ومنحه الصلاحية لاستخدام سلاح الجو الإسرائيلي والطائرات المسيرة المسلحة بالمشاركة بالعمليات والعودة لعمليات القصف الجوي في عمليات الاغتيال، فكل هذه الأمور واردة خاصة وأن نتنياهو قد يتعرض لانتقادات شديدة تضعه تحت ضغط ضرورة البحث عن إنجاز يعوض الفشل الأخير.
وحول ذلك يقول خلدون البرغوثي أنه بدأت ملامح الإنتقادات خاصة في صفوف الإعلام التابع للمستوطنين، حيث في القناة السابعة نُشِر مقال يتساءل حول عدم قتل عدد كبير من المقاومين وهذا المقال يلوم السياسة الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي قوي ولديه الإمكانيات والقدرات، ولكن لم يتم قتل عدد كبير من المقاومين مقارنة بما حدث في اجتياح جنين ومقارنة بما حدث في بعمليات الاقتحام السريعة في الشهور الأخيرة .
ويتوقع البرغوثي أن تتصاعد حملة الإنتقادات من داخل الائتلاف الحكومي، خاصة من صفوف الصهيونية الدينية وربما أيضاً من صفوف المعارضة ومن صفوف المحليين السياسيين والعسكريين .
بدوره لفت عمصت منصور إلى أن الإعلام العبري حاول أن يُضخم الإنجازات وأن يظهر بأنه قد تحقق شيء ولكن حتى هو اعترف أن المسألة ليست سهلة وتحتاج إلى وقت، مضيفاً أنهم يرددون ما يقوله الناطق العسكري أن المسألة ليست حلول سحرية ولذلك من الواضح أن الإعلام يجمّل ويضخم الإنجازات ولكنه لا يتغاضى عن أن الحالة الأمنية بقيت كما هي وربما تدهورت أكثر.