loading

صحفيون على خط النار: ودعت ابنائي

هيئة التحرير

لحظات مرعبة عاشها الصحفيون أثناء تغطية العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين، بعد استهدافهم بالرصاص، والذي رصدته عدساتهم على الهواء مباشرة، إذ أظهرت إطلاق قناصة الاحتلال النيران من سيارة عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر نحوهم، ما أدى إلى تحطم كاميرا التلفزيون العربي، بطريقة تؤكد أن الاستهداف لم يكن عن طريق الخطأ، بدليل تكرار قناصة الاحتلال لإطلاق نيرانهم نحو الكاميرا، والإصرار على تحطيمها وإسقاطها، فم يتوقفوا إلا بعد اشتعال النيران فيها وتسويتها محطمة بالأرض.

مراسل التلفزيون العربي في فلسطين عميد شحادة، يروي لـ بال غراف تجربته القاسية التي استمرت على مدار 48 ساعة من تغطية العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين، هذه التجربة التي وصفها بالأكثر خطورة ورعباً.

ودعت أبنائي بمشاعر مختلفة

يقول شحادة “في اللحظات الأولى التي تلقيت فيها نبأ العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين، ودعت أبنائي كالعادة، ولكن هذه المرة بمشاعر مختلفة غلب عليها أنه يجب العودة لأطفالي، وفي الوقت ذاته أنه لابد من العمل وإيصال الرسالة كما يجب أن تكون، وبمجرد الوصول إلى مخيم جنين مع بداية العدوان الساعة الواحدة فجراً، وما رافقه من إطلاق جنود الاحتلال الرصاص بكثافة تجاه الشبان المتظاهرين، شعرت بالخطر الشديد، وبعد التشاور مع زميلي المصور وتقييم الوضع الأمني قررنا الانسحاب من المخيم باتجاه مدخله، وبالفعل كانت هذه خطوة صحيحة، حيث إن القصف الليلي الذي استمر لساعات استهدف المنطقة التي كنا متواجدين فيها”.

ويضيف” في ساعات النهار عاودنا الدخول إلى المخيم، ومع استمرار القصف الإسرائيلي وإطلاق النيران بكثافة، كان الوضع مرعباً على المستوى الإنساني، ففكرة الموت برصاصة سيطرت على مشاعرنا بقوة، لكن تغلبنا على هذه الفكرة لمواصلة نقل الحدث، وتمكنا من التواجد في مناطق من المفترض أن تكون آمنة، حيث تعمدنا أن نكشف أنفسنا لجنود الاحتلال حتى يعلموا أن هذه المنطقة يتواجد فيها صحفيون، ولا وجود لأي مسلحين، ورغم ذلك لم تغادرنا فكرة إمكانية استهدافنا بالرصاص، وبالفعل هذا الهاجس هو الذي نجانا من الموت، إذ قمنا بالطلب من أحد المواطنين أن نضع الكاميرا أمام منزله، وأن نبقي الباب مفتوحاً للتمكن من الهرب إلى الداخل في حال تم اطلاق الرصاص نحونا، وهذا ما حصل من قناصة جيش الاحتلال الذين أطلقوا الرصاص بكثافة نحونا، وتم استهداف كاميرا التلفزيون العربي وتحطيمها على الهواء مباشرة، وهذا ما تم رصده من كاميرات أخرى كانت في المكان”.

“اللحظة الفارقة أننا هربنا في اللحظة المناسبة”

يتحدث شحادة عن مشاعره وزميله المصور ربيع المنير لحظة إطلاق النيران نحو الكاميرا وتحطيمها بالقول: “ما غلب على مشاعري أنا وزميلي المصور أثناء وبعد استهداف الكاميرا، أنه تم استهدافنا بشكل مباشر وقتلنا، لكن اللحظة الفارقة أننا هربنا إلى داخل المنزل في اللحظة المناسبة، كما خططنا وتوقعنا سابقاً”.

ويصف مراسل التلفزيون العربي تغطية العدوان الإسرائيلي الأخير على مخيم جنين بالأصعب والأكثر قسوة، رغم أنه مر بتجربة لا تقل خطورة عنها وذلك في اقتحام الاحتلال لمخيم بلاطة شرق نابلس، والذي نصب فيها جنود الاحتلال كميناً لعدد من الشبان، إذ يتحدث عن تجربته في بلاطة: “أثناء تأهبنا للتمركز في مكان آمن، أطلق جنود الاحتلال النار بكثافة، فأصيب شبان لا يبعدون عنا سوى متر واحد فقط”.

“لكن تجربة مخيم جنين أكثر قسوة، فقد تم إطلاق الرصاص نحونا وتحطيم الكاميرا، رغم اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للظهور كصحفيين أمام جيش الاحتلال، إلا أنه تم استهدافنا دون أي مبرر، فكانت هذه التجربة الأكثر خطورة ورعباً”.

“لا أجيب على اتصالات أحد إلا والدي”

وعن الساعات الـ48 التي استمرت فيها التغطية الصحفية للعدوان، يتحدث عميد عن هاجس رافقه بشكل كبير ويرافقه في التغطيات المختلفة، والذي يتمثل في أن والده الذي يعاني من أزمة صحية ومشاكل في الرئة، يتسمر أمام شاشة التلفاز لمتابعة الأحداث، وأمام هذه الوضع يتجنب عميد الرد على اتصالات الجميع إلا اتصال والده، محاولاً طمأنته أن الأمور بخير، ولئلا يتأثر صحياً.

يضيف عميد “والدي لا يريد كل هذا الخطر، ولا يريدني الاستمرار في مهنة المتاعب، لدرجة أنه يرسل لي الرسائل بصوت أطفالي واللعب على هذا الوتر، في محاولة منه للضغط علي للعودة للمنزل”.

وعن لحظة معرفة والده بنبأ استهداف الكاميرا وإطلاق الرصاص نحوهم، أصيب بنوبة أزمة تنفسية، الأمر الذي زاد الأمر صعوبة بالنسبة لعميد، فعاش كما يصف مشاعر متناقضة ومعقدة، من جانب أنه يريد العودة للمنزل للاطمئنان على والده، ومن جانب آخر لا يريد ترك المخيم للاستمرار في تغطية العدوان ونقل الرسالة.

وجود الصحفيين في أماكن خطرة أمر طبيعي

يختم عميد حديثه “ما يحصل في فلسطين لا يحدث في أي مكان في العالم، فالصحفي مثل رجل الإطفاء والإسعاف، فمهما كانت الحالة، فإنه يتم فتح طريق آمن للصحفيين، لاختيار مكان للتغطية الإعلامية بناء على تقديرهم للموقف والتدريبات التي تلقوها، فما يقوم به الصحفي في فلسطين أمر طبيعي في العمل الإعلامي، أما غير الطبيعي فهو استهدافه وإطلاق النار نحوه من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، فوجود الصحفيين في أماكن خطرة هو أمر طبيعي ويحصل في كل مكان بالعالم، ومعظم الصحفيين في العالم يقتلون عن طريق الخطأ، إلا في فلسطين يتم استهدافهم بقصد”.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة