هيئة التحرير
نصب مُكرِمون تمثالا تقديراً لجهود صناع الجمال وسط مدينة رام الله، لم ينم ليلة واحدة، بعد أن أقدم مجهولون على قطع رأسه مستغلين ظلام الليل الحالك، غضب الجمهور، ونفس المؤثرون وقادة الرأي عن أنفسهم على مواقع التواصل، صمتت البلدية واحتفظت بحق الرد، وامتنع آخرون من مثقفين وإعلاميين عن الكلام.
وحول ذلك يقول الكاتب إيهاب بسيسو أن ما حدث في رام الله صباح اليوم مؤسف ومحزن للغاية، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على أعمال فنية في رام الله، فقبل عامين كان هناك اعتداء على أسود المنارة من قبل أحد الأشخاص في وضح النهار.
وأضاف إلى أنه ويجب النظر للمسألة من زاويا مختلفة، فالزاوية الأولى أنه من حق الجميع الاختلاف سواء بدافع الضائقة أو الاعتقاد أو الرؤية، ولكن ليس من حق أحد أن يصادر حق الآخرين فيما يتعلق بالحيز العام، مضيفاً أن ما حدث في رام الله يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل أوساط المثقفين والفاعلين في الوسط والمؤسسات الثقافية وأيضًا المؤسسة الرسمية بكل مشتقاتها، لأن المسألة بحاجة إلى نقاشات موسعة، فعملية الإدانة والاستنكار لما حدث لا تكفي، فيجب أن يكون هناك فعل موجود حقيقي، فالثقافة بكل أبعادها الفنية والمجتمعية والسياسية هي نتيجة التفاعل الدائم بين فئات المجتمع المختلفة .
وأكد بسيسو أنه يمكن النظر لما حدث على أنه محفز على المزيد من التواصل الجماهيري، ويمكن ربط ما حدث بكثير من الأسباب سواء ما كان له علاقة بأبعاد عقائدية أو أبعاد سياسية أو غير ذلك، مبينًا أنه من المهم كيف يمكن مواجهة هذه الرؤى أو هذه الأفكار ذات الطابع العنيف بفعل استراتيجية ثقافية قادرة على المواجهة.
وبين أن هذه الأفعال تدل على حالة انغلاق فكري يُصاحبها حالة من التأويل الخاطئ لدور الفن مثل التماثيل أو المجسمات، لأن هناك من يمكن أن يقول أن التماثيل أو الأنصاب حرام، ولكن هناك أكثر من تأويل ويجب أن نكون منفتحين على هذه التأويلات، فالآثار التي تركتها البشرية والحضارات، والتي مرت عليها الحضارة الإسلامية خلال الفتوحات الإسلامية ولم تمسها، فهذا يدل على شيء مهم وهو يأتي في سياق احترام ثقافات الآخر، دون أن يُزعزع هذا من طبيعة الإيمان الفردي .
ولفت بسيسو إلى أنها تبين حالة الغضب الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، وهو الذي يأتي من حالة الانفعال والانغلاق، وبالتالي من المهم جدًا قراءة هذا الحدث، مبينًا أنه كان يتمنى أن يكون هناك نقاش عام حول هذه المجسمات، معتقدًا أن ترك هذا العمل لمدة يومين ثم القدوم لتشويهه بهذه الطريقة يهدف إلى تشويه العمل وليس تحطيمه.
وشدد على أن الرسالة التي أقدمت عليها بلدية رام الله بهذه الخطوة كانت رسالة مهمة ويمكن الاستفادة منها بشكل كبير بكثير من المناحي سواء كانت التعليمية أو التربوية، فيجب النظر إلى عمال النظافة على أنهم بالفعل هم صانعو الجمال في هذه المدينة وفي كل مدينة فلسطينية
وتابع بسيسو بأنه يجب التفكير بالشق الإيجابي حول كيفية قيادة مبادرات لاحترام دور عامل النظافة بكل أبعاده الوظيفية، وهذه المبادرة من البلدية تستحق الاحترام والانتباه، مضيفاً أن وجود هذه التماثيل هي جزء من عملية التربية المجتمعية حول الاهتمام بعامل النظافة وتقديره، وهي رسالة مجتمع ممثلة عبر بلدية رام الله للقول بأن هذه المحافظة بما يمثلها من الحكم المحلي بالبلدية تقدر دور عامل النظافة والتي لا يوجد بالتأكيد خلاف حول ذلك الأمر، مبينًا أنه يمكن استثماره ثقافياً وتربويًا وتعليميًا، فعندما اختارت البلدية هذا الموقع للمجسم في هذا الموقع الحيوي اختارته لتكون رسالة قابلة للانتشار وبالتالي قابلة للتحقق.
وشدد على أنه يجب قراءة الحدث ليس فقط من باب ردة الفعل الغاضبة، لأنه هناك حالة من الأسف والغضب إلى ما قد يقوم به البعض، وهذه رسالة تقول أنه يجب العمل على مزيد من الانفتاح مع كل الفئات التي هي تشكل المجتمع الفلسطيني، ويجب على الجميع العمل وفق أبجديات القانون الفلسطيني، فالقانون موضوع من أجل احترام حرية الفرد وحرية الكل وليس فقط حرية الكل دون حرية الفرد، إضافة إلى أنه يجب تفعيل دور المثقف في حالة التفاعل مع القضايا المجتمعية بكل أبعادها السياسية أو المجتمعية أو الروحية أو العقائدية وهذا يحتاج للكثير من العمل والنقاش.
يذكر أن هذه الخطوة حظيت باستهجان وانتقاد كبير على منصات التواصل الاجتماعي، حيث انتقد العديد منهم هذا الفعل ووصفوه بالجهل والتخلف والتعدي على فكرة تكريمية، لمن يصنعون الجمال في شوارع المدينة .
المعلم والأستاذ زياد خداش كتب عبر صفحته على الفيسبوك ” يا لحزني هذا الصباح! هذه ليست أصنامًا هذه أفكار جميلة، من هذا الذي يكره جمالك يا رام الله لدرجة قطع رأس رجل ينحني تكريما لصانعي جمالك؟، من هو المريض الذي قطع رأس فكرة نبيلة..!!!! لم يسل دم من عنق المنحني المكرّم، لكني رأيت الحزن يفيض في شارع ركب.
أكررها للمرة الألف ليس الاحتلال فقط هو سبب مآسينا، أتذكر الآن حليم بركات في رائعته( ستة أيام) وهو يخلص إلى أن التخلف الاجتماعي والفكري هو أساس هزائمنا، يا لحزني هذا الصباح!”
بدوره كتب الصحفي عميد شحادة على صفحته ” قطعوا رأسه في الليل، يقال: مجهولون يحطمون مجسمات وضعتها البلدية لتكريم عمال النظافة في رام الله، هؤلاء تحديدا أفعالهم تدل عليهم، حتى لو كانت أسماؤهم مجهولة، إلا أن رؤوسهم معروفة، أقول: معروفون يقطعون رأس تمثال عامل نظافة في الليل.”
من جانبه وعبر تغريدة نشرها عبر حسابه يقول الشاب نضال الوحيدي ” في رام الله تفكير دواعش لا يرغبون وجود تمثال يمثل فئة مهمة من المجتمع ” صانعي الجمال”، تمثال يلفت الانتباه ويذكر من نسيَ بقيمة الاحترام لهذه الفئة وأهميتهم، كما غزة أزيح من ساحة الجندي المجهول تمثال يعبر عن الجنود المجهولين الذين قاتلوا لأجل القضية الفلسطينية، حتى أصبح منسي”
من جانبها عبرت الصحفية ثروت شاكرة وعبر صفحتها عن خوفها من هذا الفعل فقالت عبر صفحتها ” لما شفت تمثال بكرم عمال النظافة وسط رام الله، كنت متأكدة إنه رح يجي حد يكسرو، متل ما طلع واحد وكسر الأسد في ميدان المنارة
كنت خايفة وانا متأكدة إنه رح يجي حد يكسرو
كنت خايفة لانه صار عايش معنا ناس بنعرف اديه تصرفاتهم متطرفة، ما زلت خايفة لانه عم بصير معنا اشيا ما بتشبهنا”
بدوره يقول الشاب خليل صالح وعبر صفحته ” في ناس مش بتدمر التمثال لأنها بتعتبره صنم وإنه حرام ومن منطلق ديني ‘ لا لا لا’، هو عمره في بلادنا صمد اشي عام وما طالته هالأيادي الوسخة، الإشي مش متوقف عالتماثيل ‘ ،روح شوف الاستراحات العامة والمواقف والحمامات العامة وعمدان الكهربا والشجر اللي عالرصيف
بتزرع شجرة بتلاقيها الصبح مخلوعة ‘ بتبني استراحة لانتظار الباصات بتلاقيها مدمرة ومكتوب جواها كل العبارت المخزية والمقرفة، التماثيل تكسرت عشان الشعب فارغ وعشان ناس كثير تربت عالوساخة والتدمير ‘ التماثيل تكسرت عشان فش أدنى احترام للبلد وللي فيه”