loading

١٠٠ ألف شخص هاجروا من غزة خلال السنوات الخمس الأخيرة

أماني شحادة

يومًا بعد يوم تزداد قضية هجرة الشباب من قطاع غزة مسببة إثارة للجدل حول أسبابها ورفضها وقبولها، حيث يلجأ الشباب الطامح بالهجرة للمرور بشكل رسمي عبر معبر رفح الحدودي إلى مصر، ومن ثم يحاول هؤلاء الوصول إلى وجهاتهم النهائية عبر المهربين غير الشرعيين، ولكن تبقى حالة القلق مُلازمة لعائلات هؤلاء الشبان خاصة بعد أن أضحى مصير بعض هؤلاء الشبان مجهولًا

أسباب هجرة الشباب؟

الشاب يوسف زقوت (26 عامًا)، يتساءل إلى أي وقت سيبقى يتلقى طعامه وما ينقصه من والديه؟ حيث يقول في حديث ل”بالغراف” إن تفكيره بالهجرة يزداد مع مرور الأيام، فلا يوجد عمل في غزة ولا أحد يسأل من الحكومة أو أصحاب الأماكن القيادية فالعامل يعمل ساعات طويلة مقابل أجرة ضئيلة لا تكفيه لدفع المواصلات، مضيفا أن هجرة الشباب مرتبطة بالوضع الاقتصادي في القطاع وقلة فرص العمل والبطالة، مبينًا أنه لو كان هناك عمل في هذا البلد لما كان تفكير بالهجرة والابتعاد عن هذا المكان ولكن يومية العامل هنا ٢٠ شيقل ولا تكفي لشيء

ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ معدل البطالة للشباب الخريجين الحاصلين على درجة الدبلوم وأعلى في قطاع غزة ٧٣.٩%.

أما الشاب أحمد فيصل (27 عامًا)، من الشجاعية شرق قطاع غزة، فيعتقد أن العامل النفسي هو أهم عوامل هجرة الشباب لأوروبا والعالم الخارجي، فيؤكد أنه سئم من الحروب والعدوان المتكرر على القطاع، وحالته النفسية تجبره على التفكير بالهجرة كي ينعم بحياة هادئة وسلام وأمن بعيدًا عما يراه من حروب وقتل ودمار هنا، مشيراً أن “الأم هي التي تربي لا التي تلد”، قاصدًا بمقولته هذه أن غزة أمه التي ولدته لكنها نفسها التي لم تعطيه الاستقرار لذلك يبحث عن غيرها.

وتابع أحمد أنه لا يستطيع تخيل عائلته تحت الأنقاض في يوم من الأيام، فالحروب أثرت به نفسيًا بشكل مبالغ فيه، مضيفًا أنه ليس الوحيد فهناك الكثير غيره يعانون من نفس الأمر، فأثر العدوان لا يرحل من عقولهم وحياتهم وأحلامهم ولا حياة مع هذا الصراع، مبينًا أنه قدم أوراقه للهجرة، وهو جاهز للخروج من هذه المدينة التي لا حياة بها.

وأفاد تقرير للأمم المتحدة عام ٢٠٢٢، بأن ثلث سكان قطاع غزة بحاجة لدعم نفسي واجتماعي نتيجة تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، والحروب التي تقود لتدمير القطاع، مبينًا أن أكثر من مليونيّ شخص يعيشون في القطاع ولا يوجد سوى مستشفى واحد للصحة النفسية بسعة خمسين سريرًا فقط، لخدمة المحافظات الخمس بالقطاع.

بدوره يقول الشاب إبراهيم ناصر إنه اكتفى من الاحتجاجات والمطالب التي ترد عليها الحكومة في غزة بالضرب أو الاعتقال أو التهميش، فهو يبحث الآن عن مكان يحتوي ما تبقى من عمره، فهو اعتقل أكثر من مرة على خلفية رأيه السياسي أو مشاركته في المظاهرات التي تطالب بحق العمل والكهرباء، مشيرًا إلى أن الهجرة الآن حل جيد لما يعيشه الشباب من الحرمان الوظيفي والبطالة والاضطهاد ومنع الحق في التعبير والتظاهر.

وأشار ناصر بأصابع الاتهام إلى حكومة حماس في قطاع غزة على أنها سبب رئيسي في هجرة الشباب لتركها إياهم دون البحث عن حلول لتشغيلهم وسماع مطالبهم وتوفير حياة جيدة لهم ولعائلاتهم،

يرى الشاب رائد مونس (٢٨ عامًا) والذي هاجر إلى أوروبا سابقًا أن الهجرة هي خطوة لتكوين الحياة لكنها ليست سهلة، فهي أهم خطوة لتكوين حياة أي إنسان محترم في البلد، مضيفاً أنهم يشعرون بغزة بأنهم مغتربين وليسوا في بلادهم لأنها لم توفر لهم شيء، معتبرًا أوروبا بلده التي قدمت له كل ما حَلم به

وشجّع رائد الشباب للهجرة والبدء بحياة جديدة بعيدة كل البعد عن المعاناة والألم الذي يعيشه الشباب في غزة، بسبب تردي أوضاعها المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والحصار، لكنه يدعو أيضًا لفهم الطريق جيدًا قبل عملية الهجرة كي لا يلقى المهاجرين حتفهم مثل عدد منهم، مبينًا أن الطريق ليس سهلًا للهجرة فهي رحلة محفوفة بالمخاطر، فهم واجهوا الموت للوصول للطريق الذي وصلوه اليوم، فهناك حذر من كل شيء، من مراكب وبحر ومهربين وطُرق وغابات وغيرها.

رائد يؤكد أن جميع أساسيات الحياة في أوروبا سهلة، ولا يصعب عليهم الحصول عليها مثلما يقاتلوا من أجلها في غزة رغم أنها حق أساسي يتمتع به الإنسان بكل مكان، غزة عبارة عن مكذبة كبيرة لمعنى الإنسان.

هجرة الشباب من غزة مخطط غير معلن

يعتقد المحلل السياسي حسن عبدو أن لهجرة الشباب من قطاع غزة أبعاد يجب قراءتها بشكل جيد، حيث هم طاقة العمل والإنتاج والإبداع ويشكلون النسبة الأعلى في المجتمع.

ويرى عبدو أن السؤال الأهم للإجابة عن أسباب الهجرة هو البيئة التي يعيش بها هؤلاء هل هي حاضنة لهم أم طاردة، معتقدًا أن غزة بيئة طاردة لشبابها ويعود ذلك لطبيعة حُكم وسيطرة حركة حماس على القطاع، والضرائب وسوء المعيشة وأيضًا عدم وجود فرص اطلاقًا للشباب، والآفاق مسدودة أمامهم، وأن البيئة تحوي العنف والحروب وغير آمنة على حاضر الشباب ومستقبلهم.

ولفت عبدو إلى أن الشباب هم طاقة واحتياجات ومطالب يريدون منهم تكوين مستقبل وأسرة، لكنها معدومة في غزة، مبينًا أن الطريق الوحيد لهم إما الانجرار مع جماعات متشددة ومتطرفة أو البُعد الاجتماعي مثل الانتحار الذي يأخذ مظاهر كبيرة، أو مسألة الزواج لكن دون القدرة على الاستمرارية في بناء الأسرة، مضيفاً أنه لا يوجد خيارات أمام الشباب إلا سماعهم عما يدور ما بعد الهجرة واستقرار الشباب في الخارج، ما يقودهم للتفكير بالهجرة والعمل عليها.

وأشار عبدو إلى أنه وفق التقارير فهناك أكثر من ٣٠٠ ألف هُجروا من قطاع غزة ولم يهاجروا، فهم هُجروا لأنهم من بيئة طاردة، والشباب في القطاع لا يحبذون الخروج منه لولا عوامل الطرد الكبيرة وأيضًا الحروب التي أثرت، حيث خمسة حروب في فترة زمنية قصيرة، بالتالي يريد الشاب الخروج وليس البقاء، محملًا المسؤولية المباشرة لهجرة الشباب على عاتق الحكومة في قطاع غزة، موضحًا أن هناك انقسام واحتلال لهم أدوارهم، لكن الحكومة تَحمِل المسؤولية للتشجيع غير المعلن لخروج هؤلاء للخارج.

ولفت عبدو أن عدد المتقدمين كبير، وتتزايد طلبات الفيزا لتركيا كطريق أول للهجرة فيما بعد، فمن الواضح أن هذا هو تهجير غير معلن وتسهيل لهجرتهم وخروجهم، مبينًا أن التهجير يخفف الضغط على حركة حماس وحكومتها، لأنه ومع زيادة عدد السكان نكون أمام معادلة صعبة وأمام قانون ونظرية الاحتجاجات، أي أنه كلما قل عدد السكان وقلت قدرة الحكومة على الاستجابة كلما زادت الفجوة بين القدرة والاستجابة ما يؤدي لاحتجاجات وعنف وثورة، وهذا ما يؤكد على أن الحكومة هي المسؤول المباشر لهجرة الشباب.

وشدد عبدو على أن غزة ليست خيار أو بيئة عسكرية، فالانفاق والاستثمار على القطاع المدني والبنية الاقتصادية والاجتماعية هو الطريق الأفضل والأكثر نجاحًا لاحتواء الشباب، بدلًا من خروجهم للشتات والتيه مرة أخرى.

ارتفاع معدلات الهجرة!

وفقًا لأحدث إحصائيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، بلغ عدد الأشخاص الذين غادروا قطاع غزة بلا عودة منذ عام ٢٠٠٠ حوالي ٥٠٠ ألف شخص، أي ما يعادل حوالي ١٥% من إجمالي سكان القطاع.

وفي الآونة الأخيرة، ارتفعت معدلات الهجرة من غزة بشكل ملحوظ، حيث غادر القطاع حوالي ١٠٠ ألف شخص خلال السنوات الخمس الماضية، ٦٧% منهم بلا عودة ومسجلين على قوائم طلبات اللجوء في كل من اسرائيل والاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الامريكية وكندا.

ووفقاً لـ OCHA، فإن معظم المهاجرين من غزة هم من الشباب، حيث يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ ٣٠ عاماً حوالي ٦٠% من إجمالي المهاجرين، وتعد مصر وإسرائيل والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من أهم الوجهات التي يهاجر إليها سكان غزة.

داخلية غزة تعتبره تضليلًا!

عقبت هيئة المعابر والحدود في داخلية غزة على ما يدور بالرأي عام بشأن هجرة الشباب من قطاع غزة إلى أوروبا بأعداد كبيرة، معتبرة أن ما يجري ما هو إلا محاولات تضليل.

وقالت الهيئة “إن أعداد المسافرين المغادرين أو العائدين هي وفق المعدل السنوي المعتاد، ولا يوجد أي تغير ملحوظ فيها بحسب بيانات حركة السفر عبر معبر رفح، حيث تم تسجيل مغادرة ١١٣٢٣٤ مواطناً منذ بداية العام وحتى تاريخه، وذلك عبر كشوفات وزارة الداخلية وكشوفات التنسيق، فيما تم تسجيل وصول ١١٦٦٥١ مواطناً.

وأوضحت أن ظهور صور انتظار للمواطنين في مكتب الحصول على التأشيرة التركية، مرتبط بما جرى مؤخراً من اقتصار إصدار التأشيرة على جهة واحدة ومن خلال مكتب واحد فقط على مستوى قطاع غزة، بعد أن كان ذلك متاحاً في كافة مكاتب السفر بجميع المحافظات على مدار السنوات الماضية.

وحذّرت الداخلية من تداول أرقام واحصاءات غير صحيحة لأعداد المسافرين أو المسجلين للسفر، والافتراض خطئًا -سهوًا أو عمدًا- أن كل من سافر قد ترك قطاع غزة، مشيرة إلى أن الغالبية العظمى للمسجلين للسفر تندرج في إطار الحالات الإنسانية كالعلاج والمنح الدراسية، والحصول على فرص عمل وزيارة أقارب أو مواطنين مقيمين بالخارج أو أغراض تجارية

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة