loading

هزيمة مفاهيم (الحريات) الاستعمارية في غزة

إيهاب بسيسو

أخطأ النظام السياسي الغربي في أوروبا والولايات المتحدة خطأ استراتيجياً فادحاً خلال العدوان الصهيوني على غزة، بانحيازه الأعمى لدعم ماكينة الإجرام الصهيونية ضد البنية المدنية والانسانية في غزة وقتل المدنيين واستهداف المستشفيات والكنائس والمساجد بالقذائف، مقوضاً بذلك جهوداً مكثفة وطويلة من محاولات بناء الثقة الشعبية والتعاون والتطوير (تلك المفردات التي لجأ إليها النظام السياسي الغربي لخلق مساحات من التقارب مع شعوب المنطقة).

الخلاصة الواضح لنا ( نحن أبناء فلسطين) والمُغيَّبة عمداً عن طاولات المستشرقين الاستعماريين في دوائر صنع القرار الغربي، تفيد التالي:

غزة ليست مجرد بقعة جغرافية معزولة (كما يظنون) عند حافة الصحراء المصرية في سيناء، وليست كثافة سكانية محدودة (٢,٣ مليون نسمة في عام ٢٠٢٣) يمكن النظر إلى إبادتها أو هندستها من خلال ماكينة الحرب الغاشمة، وغزة ليست حالة انسانية أو سياسية فائضة عن الحالة الفلسطينية المُحتلَّة والمُضطهَدة، بل غزة هي خلاصة التعب والقهر الفلسطيني في القدس والضفة وسائر فلسطين والمتمثلة بغياب العدالة، 

والشجاعة الغربية بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، الصادرة عن الأمم المتحدة خلال العقود الماضية.

لذلك من الطبيعي أن نرى غزة مرآة للشعوب المقهورة في المنطقة والعالم، وأن نداءاتنا لوقف العدوان، ينبع من خلاصة مفاهيمنا وقناعاتنا الانسانية والوطنية، التي تؤمن تماماً بأن حق الانسان في الحياة لا يعرف التمييز في العرق والاثنية واللغة ولون البشرة.

إن إصرار العديد من الفئات الشعبية حول العالم على التواجد في الميادين والساحات الميدانية والافتراضية من أجل وقف الإبادة في غزة، يمثل بصيص أمل ولو متواضع من اجل تحقيق العدالة الانسانية، فغزة أصبحت الآن العصب المركزي الذي تلتقي عنده كل مفاهيم الانسانية غير الملوثة بالأطماع والحسابات الاستعمارية.

وكون غزة المحاصرة تعاند ماكينة القتل الصهيوني بالإصرار على الحياة، فهي تقدم في نفس الوقت خلاصة مفهوم النضال الوطني الفلسطيني في كل فلسطين.

وحين يتجاهل النظام السياسي الغربي كل هذا ويظن أنه بسماحه لماكينة العدوان الصهيوني بإبادة غزة وعزل غزة عن سياقها التاريخي والوطني والاجتماعي والسياسي والاقليمي، ينجح في ترويج انتصارات مزعزمة على جماجم الأطفال والأمهات، يكون قد أوقع نفسه مرة اخرى في مستنقع الغطرسة الاستعمارية، وفي فخ العنصرية الفجة التي طالما حاول اقناعنا نحن شعوب الجنوب العالمي (في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية) بأنه تعلم دروس الماضي وطوَّر من خلال ذلك منظومات قانونية لحماية وصون حقوق الانسان.

تبين اليوم أنها ليست سوى هياكل جوفاء، خالية من المعنى حين يتعلق الأمر بفلسطين أو حقوق الشعوب غير البيضاء.

ما بعد هذا العدوان على غزة، لن يكون من السهل القبول بأي (عِظَات) أخلاقية من الغرب الاستعماري حول حقوق الانسان والحرية والعدالة، 

سيكون من الصعب جداً الالتقاء حول أي مفاهيم مشتركة، وتلك هي إحدى الخسارات الاستراتيجية التي سيدركها الغرب الاستعماري لاحقاً لإحدى تداعيات العدوان، وإحدى نتائج دعمه العنصري لماكينة الاستعمار الصهيوني في فلسطين.

لم يستفد الغرب الاستعماري من أي من دروس الماضي، فما زال الغرب الاستعماري بتكوينه العسكري والسياسي والإعلامي (كعادته)، لم يفعل شيئاً استثنائياً سوى إتقان التضليل الإعلامي عبر المنصات الإعلامية الدولية والتأكيد بكل عجرفة على أن الاستعمار الصهيوني في فلسطين جزء من منظومته العنصرية، وبالتالي لم يحقق سوى خسارة استراتيجية إضافية، تمثلت بخسارة معادلة الجغرافيا والسياسية والقيم واحترام الشعوب من أجل دعم المستعمرة الكولونيالية فقط على حساب تطلعات الشعوب بالحرية.

فليكن…

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة