loading

قيمة التهديد بالحرب البرية.. نُباح

منجد أبو شرار

سلاح الجو هو نقطة التفوق الوحيدة الحاسمة للجيش الصهيوني في جميع معاركه، وما أحدثه هذا السلاح من خسائر مادية وبشرية في العدوان الحالي على غزة خلال 18يومًا لن تحدثه كل وحدات الجيش البرية في شهرين. إذن ما الغاية من تكرار الجوقة الاستعمارية للتهديد بالحرب البرية تارة، وتأجيل العدوان بشكل برية تارة آخرى؟ وما قيمة هذه التهديدات؟ 

لقد كانت العبرة من حرب 2006 على لبنان وجميع الحروب على غزة، أن أُخرجت القوات البرية للجيش الصهيوني من دائرة الفعالية الرشيدة وحتى الاستثمار فيها ماليا من بين وحدات الجيش كان الأقل خلال السنوات الماضية. السبب أن الخسائر البشرية والمادية هائلة مقارنة بالعوائد، أو بكلمات أخرى هي خسائر لا تُحتمل وفق المعادلة العسكرية الصهيونية، التي لطالما بنت إنجازاتها على دماء وأرض الخصم، ما جعلها تتكبد خسائر بفارق نسبي كبير.

تمكنت المقاومة في لبنان وفلسطين، ذات التشكيلات المُنظَّمة غير النظامية، من إدخال أسلحة فعَالة وذكية (إطلاق دقيق، ضرر محقق، خفيفة سهلة الحركة والاستخدام) وظفتها في صد اعتداءات الجيش الصهيوني، ونجحت في تحويل القوات البرية في الجيش إلى صيد سهل ويسير ضمن حروب العصابات والشوارع، كما حدث في وادي الحجير ” مقبرة الميركافا” بلبنان عام 2006، وفي الحروب على قطاع غزة، وهذا كان سبب آخر لتأخير إعمال القوات البرية في المعركة كخيار ثان أمام خيار سلاح الجوي.

اليوم بعد السابع من أكتوبر صار الأمر أكثر تعقيدا على المستويين المادي والمعنوي للجيش الصهيوني برمته، فقد خسر عنصري المبادرة والمفاجأة، لذلك فإن إدخال الجندي الصهيوني للقتال في ميدان مُجهز مسبقًا مثل قطاع غزة، على وقع الهزيمة النفسية الساحقة التي لحقت به في 7 أكتوبر، سيدمره وسيجعل أقصى أمنياته أن يعود ولو حافيًا عاريًا إلى الملجأ الذي أُخرِج منه مُكرهًا.

كما أن الزج بالقوات البرية في منطقة مُكتظة ومأهولة ومليئة بالكمائن سيُحيّد من خيارات وفُرص الإنجاز والتحرك على الأرض أمام قادة الجيش العملياتيين، باستثناء خيار وحيد وهو قتل الجنود منعًا لأسرهم انطلاقًا من “توجيه هانيبعل”، وهو ما تكرر في حروب سابقة، وحتى خلال العملية العسكرية الحالية حيث اضطرت قوات الجيش إلى قتل عدد من الجنود والمستوطنين مع المقاتلين الفلسطينيين منعا لأسرهم.

ويشكل عدد الشهداء الفلسطينيين الكبير (حتى الآن نحو 7 آلاف مع المفقودين)، والمجازر الصهيونية وتدمير المساجد والكنائس والمساكن، يشكل ضغطا هائلا على المقاومة، وحافزا جوهرية إضافيًا مدفوعا بالانتقام والثأر سيفضي لسحق القوات البرية الإسرائيلية، وهذا واضح من المبادرة في الهجمات كما حدث أمس، حين شنت المقاومة هجوما على قوات متوغلة لبضعة أمتار في منطقة خانيونس أسفرت عن قتلى وجرحى في صفوف القوات المتوغلة.

ومن البداهة أن الحرب البرية تعني تقييد نسبي لعمل سلاح الجو مراعاة لأنشطة القوات البرية في الميدان، ما يعني تراجع/ تقييد/ إحباط القوة الكلية للجيش على ضوء التحديات سابقة الذكر في حالة قطاع غزة. لذلك كان مطلوبا، على وجه الإلزام، من الجندي الصهيوني أن يحمي مؤخرته في 7 أكتوبر، أو أن لا يُجرّ من أذنيه وهو مختبئًا تحت الأسرَّة، كي لا يخسر هذا الخيار الذي تحول التهديد به إلى أضحوكة ومهزلة.

إذن، ما الذي يحدث؟ إلحاق خسائر رهيبة بالفلسطينيين تحول دون نهوضهم مجددًا، ليس فقط تدمر فصائل مقاومتهم، بل سحقهم وطحنهم وتذريتهم في الهواء، وتصدير صور الدمار والدماء لكل العالم، العربي خاصة، على النحو الذي تغطي فيه هذه الفظاعات على صورة بُسطار المقاوم الفلسطيني الذي داس رؤوس الجنود الصهاينة. وهكذا نفهم فزعة الأب الشرعي للاحتلال (أوروبا وأمريكا)، إسحقوا الفلسطينيين ونحن معكم وهو ما لن يحدث بحول الله ورجاله المخلصين ووعد الحق في سورة الإسراء.

ما يهمنا؛ قد يُساور الإحباطُ همم الرجالَ، وقد يَثقُل الحزن والخوف على القلوب وقد وقد.. لكنه والله زاد البطولة ووقودها، والنار التي تُصب على رؤوس الأطفال الآن، هي التي سَبَكَت المطرقة الثقيلة التي حطم بها الفلسطيني حواجز الخوف وأوهام العدو على مدار تاريخ الصراع، فالثبات الثبات يا أهل الله وجنده، ولو علم الله أنكم خلاف ذلك لما اصطفاكم حرسا وجندا أشداء على أقدس أرضه، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”/ المُعِز- سورة آل عمران

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة