loading

مواقع التواصل الاجتماعيّ أوجدت تمثّلات جديدة لصنّاع القرار

هبة حمارشة

لعبت مواقع التواصل الاجتماعيّ، خلال الأسبوعين الماضيين، دوراً مفصليّاً في تغيير نمط الخطاب العالميّ نحو المقاومة الفلسطينيّة وقطاع غزّة، وتحوّل خطاب المؤثرين من المُدافعِة الشرسة وتفنيد الشائعات والروايات الأمريكيّة الإسرائيليّة- العالميّة إلى الفاضحين لجرائم وممارسات الاحتلال المستمّرة خلال العدوان العسكريّ على قطاع غزّة والذي يمتّد الى يومه العشرين حتى الآن.

قدّم الرئيس الأمريكيّ السابق دونالد ترامب، مِخيالاً جديداً لصاحب القرار، المتمثّل في التواصل المباشر مع شعبه عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ وخاصة منصة X (تويتر سابقاً) متجاوزاً وسائل الإعلام التقليديّة، عبر التعبير عن مشاعره، وأفكاره، تضامنه، رفضه واستنكاره من خلال المنصّة المذكورة سابقاً، حتى أن جملة “لقد غرّد” كانت تتداول بصورة متكررة في غرف الأخبار واعتبرها البيت الأبيض تصريحاتٍ رسميّة (CNN،2017). أسسّ ترامب لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعيّ في تأكيد المعتقدات السياسيّة وتعزيز القاعدة الأساسيّة من المتضامنين، وفقاً لماثيو بومغارتن (WDTV، 2016)، هذا ما سعى ترامب لفعله مع ناخبيه ومناصريه، من كسب ودّهم ورأيهم وتبعه غيره من صنّاع القرار في التغريد ومشاركة مشاعرهم وتضامنهم.

ساهمت مواقع التواصل الاجتماعيّ في تعزيز الخطاب الشعبيّ، وعملت كمنصّة عاطفيّة لتطوير الهويّة ومشاركة العواطف وبناء الشعور الجماعيّ تجاه الحِراكات الاجتماعيّة، ووفرّت منصات لأفراد ومؤثرين متباينين أيدولوجياً يمكن أن تتوحدّ مطالبهم في قضايا محدّدة -كما القضيّة الفلسطينيّة-، ليشكّلوا ما يسمّى بتحالفات الأحداث (Whittier، 2014). 

وبالعودة الى تاريخ الحِراكات الاجتماعيّة، فقد لعبت القيادات في وجودها الميدانيّ دوراً هاماً في التعبئة والحشد، واستثمرت المهارات القياديّة كإحدى الآليات الرئيسيّة لتحويل الموارد الفرديّة البشريّة الى قوّة جماعيّة تحقّق أهداف هذه الحِراكات. بيد أن مواقع التواصل الاجتماعيّ استعملت نظرية تعبئة الموارد (Resource Mobilization Theory) واستغنت عن دور القيادات في التعبئة لصالح النشطاء الذين لديهم متابعين كثر على هذه المنصات، توثّر في مجملها على طرق صناعة القرار. 

وما يمكن ملاحظته في هذا العدوان، تحوّل رجال الأعمال وصنّاع القرار من دورهم القياديّ والأساسيّ (صناعة القرار وتوجيه الرأي السياسيّ والخطاب العام) إلى مجرّد متضامنين على مواقع التواصل الاجتماعيّ، ومغردّين يقتصر دورهم على تسجيل مواقف التضامن والتعاطف دون دورٍ فعليّ على أرض الواقع.

ساسة

شاركت الملكة رانيا زوجة ملك الأردن عبد الله الثاني مجموعة من القصص (Stories) على منصة انستغرام منذ بداية العدوان، وخلال الأيام السابقة، وحتى مجزرة مستشفى المعمداني الذي راح ضحيته ما يصل إلى 500 شهيد بقصفٍ سلاح الجو الاسرائيليّ على المستشفى ومرافقه، نشرت مقاطع ومشاركات قصصيّة وفيديوهات طويلة وقصيرة داعيةً فيها العالم إلى “عدم الصمت وضرورة وقف المجازر والعدوان”.

تعتبر الملكة رانيا شخصيّة اجتماعيّة محليّة ودوليّة، و”صوت عالميّ لضمان حصول الأطفال حول العالم على التعليم النوعي” وتحرص على تسليط الضوء على حقوق واحتياجات اللاجئين. كما عُرفت الملكة رانيا بسعيها الى إطلاق المبادرات العالميّة في المؤتمرات والمنتديات الدوليّة بالإضافة الى قيادتها لعدّة مبادرات للأمم المتحدّة وخطاباتها في مجالات التمكين والتعليم والضغط والمناصرة. (2023، https://www.queenrania.jo/ar/rania)

شاركت الملكة رانيا مقطع فيديو باللغتين العربيّة والانجليزيّة لكلمةٍ سابقةٍ لها من عام 2009 تقتبس فيها حديثاً من نيلسون مانديلا قائلةَ “حريتنا منقوصة بدون حريّة الفلسطينيين” وأضافت عليها “انسانيتنا منقوصة بدونهم” وأنهت المقطع بجملة مكتوبة “يجب حماية كلّ المدنيين. حياة الفلسطينيين ليست أقّل قيمة من حياة الإسرائيليين”، فيما لم تدعُ الملكة لأيّ مبادرة أو لإطلاق حملات أو تبرعات. وربما يضاهي الصوت في قيمته وضغطه للفعل، إلاّ أن الأخير هو الفَصل، ولا أهمّية للصوت ما دام الفعلُ معدوماً. 

وبالنظر إلى أهميّة موقف دولة الأردن من القضيّة الفلسطينيّة كونها الشقيقة والحدوديّة، ويقع المسجد الأقصى والمقدسات الإسلاميّة تحت وصايتها، فإن القادة أو الساسة يمكن أن تتخذ القرار بقطع العلاقات التطبيعيّة مع الجانب الإسرائيليّ وإنهاء اتفاقية السلام المعروفة باتفاقيّة وادي عربة، كما تستطيع الأردن سحب سفيرها لدى دولة الاحتلال، والتوقف عن استيراد الغاز من الطرف الآخر بموجب الاتفاقيّة الموقّعة بينهما عام 2016، ولا ننسى الاتفاقيّة الأبرز في الوضع الراهن والتي تستطيع التخّلي عنها: التعاون في مجال إنتاج الكهرباء والطاقة الشمسيّة، التي تنّص على إنتاج الأردن الكهرباء عن طريق الخلايا الشمسيّة لصالح الطرف الآخر، فيما ستعمل دولة الاحتلال على تحلية المياه لصالح الأردن. 

لذلك، يكمن قرار القادة في الضغط باتجاه تحقيق هدفٍ ملموس، لا مراكمة العواطف وحشد وتعبئة الرأي العام، وكذلك ليس من دورهم مطالبة المجتمع الدوليّ بالتحرّك، وإنمّا هذا دور النشطاء والمؤثرين للتأثير على سياسات بلادهم ودفع قادتهم للتحرّك.

رجال أعمال

منذ السابع من أكتوبر، ظهر لي إعلان ممّول عبر منصتيّ X وانستغرام، لتغريدة وصورةٍ لها نشرها رجل الأعمال الفلسطينيّ المشهور بشّار المصريّ، جاء فيها التالي: “أين من يتغنون بالإنسانيّة، ما نشهده في غزّة الآن ليس حرباً وانتقاماً، بل إجراماً..” وكانت هذه هي مشاركته الوحيدة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ خلال هذه الفترة، علماً بأن بشّار وبرفقته وإشرافه 50 رجلاً وسيدة أعمال وأكاديميين، قاموا بزيارة قطاع غزّة قبل بداية العدوان بأسبوع، حيث نَشِط خلالها عبر نفس المواقع، ليؤكد من خلال مشاركاته الالكترونيّة زيارته للبيوت القديمة وناس وبحر غزّة وتأكيده على “العِزّة والمجد من غزّة”، وإعلانه عن مشروع طاقة أمل بتكلفة 60 مليون دولار لتوليد كهرباء إضافيّة نظيفة تخففّ “معاناة شعبنا”- حسب تغريداته. (Basharfmasri، 21-09-2023). 

بشّار الذي صدح بكلماتٍ منتقاة عن سعيه للتخفيف عن معاناة الشعب مستخدماً مفردة “نا” للتأكيد على كونه فرداً من الشعب منهم وإليهم، والذي وصف غزّة بـ”يتيمة الضفّة السوداء” قدّم نفسه ومشروعه على أنّه أمل للقطاع في ظلّ الظروف ما قبل الحرب، واضعاً نفسه بدور المنقذ للاقتصاد الغزاويّ. يشير رجا الخالدي في مقالته “الوطن والطبقة: أجيال التحرّير الفلسطينيّ” الى طبقة الرأسماليّة الوطنيّة، التي تنظر إلى التحرّر الوطنيّ باقتصاره على تحقيق أهداف وأراضٍ وحقوق وهميّة، فيما يرى العديد من الرأسماليين الفلسطينيّين الأكثر تأثيراً اليوم أن استثماراتهم الخاصّة في فلسطين هي من أجل العودة، والوطن والتنمية.

عندما ينتهي العدوان، سيستيقظ القادة من سباتهم، ليعيدوا “إعمار” غزّة كما يؤكدون في حساباتهم موثِقين بالصور والفيديو زياراتهم السابقة، مستخدمين عبارات الغزل لغزّة داعيين الأخيرة الى الصمود والصبر، حتى ينتهي العدوان -لوحده-. 

وشكّل تاريخ السابع من أكتوبر لعام 2023 حدثاً مفصلياً في تاريخ القضيّة الفلسطينيّة، تمثّل في دخول المقاومة الفلسطينيّة بشكلٍ مدروسٍ ولكن فجائي -بالنسبة لدولة الاحتلال- إلى مستوطنات غلاف غزّة والمواقع العسكريّة المحيطة بالقطاع، وبالتوازي مع إطلاق الصواريخ من قطاع غزّة، تبعتها دولة الاحتلال باستخدام كافّة قواتها العسكريّة.

وفقدت دولة الاحتلال في الأيام الأولى الحرب الإعلاميّة التي تمارسها في كلّ عدوان، من السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ وعدم السماح بنشر أيّة معلومات عسكريّة أو أمنيّة تمسّ بصورة وأمن “الدولة”، حيث قام مستوطنو غلاف غزّة بنشر الصور الأولى لعمليات اقتحام المقاومة، ولذلك، حينما حاولت دولة الاحتلال إعادة السيطرة على إعلامها -خلال اليوم الثالث من العدوان-، استخدمتها في نشر الإشاعات والأخبار المضللّة المتعلقة “بالرهائن” والتي كسبت من خلالها مشاعر التضامن والإنسانيّة الأمريكيّة والأوروبيّة.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة