هيئة التحرير
بعد نحو 50 يوماً من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لم تحقق “إسرائيل” أي هدف من الأهداف التي أعلنت عنها منذ اليوم الأول من هذه الحرب، باعتراف إسرائيلي بدليل أنها ذهبت إلى إعلان الهدنة وصفقة تبادل الأسرى، الأمر الذي يُعد إقراراً إسرائيلياً واضحاً بأن المقاومة لا زالت ممسكة بكافة مناحي الحياة في قطاع غزة، وهو اعتراف ضمني بفشل “إسرائيل”.
بالتزامن مع ذلك، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريراً قالت فيه إن “إسرائيل” تخطط لقتل قادة “حماس” حول العالم بعد الحرب، مشيرة إلى أن المخابرات الإسرائيلية الخارجية، المعروفة باسم الموساد، لديها تاريخ في القتل المستهدف والاغتيالات.
صورة “إسرائيل” مهزوزة
مدير مؤسسة يبوس للدراسات الاستراتيجية سليمان بشارات قال في حديثه لـ “بالغراف”، إن صورة “إسرائيل” اليوم مهزوزة بشكل كبير، بعد محاولتها الترويج أن استعادة الأسرى الإسرائيليين إنجاز عسكري، لكن ظهور حركة حماس بقدراتها العسكرية واستعراض ذلك خلال عمليات التبادل، قدم صورة مغايرة لما أراد الاحتلال الوصول إليه، إضافة لنجاح حماس في إظهار الجانب الإنساني في التعامل مع الأسرى، الأمر الذي أزال الاتهام الذي حاولت تل أبيب إلصاقه بالمقاومة على أنها خارج المنظومة الإنسانية بالكامل، وهو ما ردت عليه المقاومة بطريقة فاجأت الجميع، فلم يعد اهتمامها بحقوق الإنسان فقط، بل تجاوزه إلى الاهتمام بحقوق الحيوان، فصورة تلك الفتاة الإسرائيلية التي أُطلق سراحها برفقة كلبها، لم تأتِ من فراغ.
وأمام هذا الفشل الإسرائيلي، يوضح بشارات أن “إسرائيل” تسعى للذهاب نحو إزالة هذه الصورة التي ظهرت جلية للعالم وللمجتمع الإسرائيلي، الذي سيضغط بعد تلك المشاهد الإنسانية لإتمام مزيد من عمليات التبادل وقبول تنازلات سياسية، الأمر الذي لا يرغب به المستويين الأمني والسياسي الإسرائيلي، المستوى السياسي المتمثل بمستقبل نتنياهو في الحكم، والمستوى الأمني المتعلق بصورة جيش الاحتلال التي اهتزت في السابع من أكتوبر، ولم تستطع أن ترممها الآلة العسكرية الإسرائيلية على مدار نحو 50 يوماً، وبالتالي فإن حكومة الاحتلال ستلجأ إلى مزيد من الضربات علها تُحدث حالة من المناعة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لأن توقف الحرب بهذا الشكل، ستبقي صورة الفشل تلاحق المجتمع الإسرائيلي والمستويين السياسي والأمني في “إسرائيل”.
هذه الحرب تختلف عن كافة الحروب السابقة
وأضاف بشارات أن ذهاب نتنياهو إلى الجولة الثانية من الحرب، محاولة لمسح صورة هذا الفشل، ومحاولة فرض وقائع على الأرض تمكنه من تحقيق أفضلية إسرائيلية حين تنتهي هذه الحرب ويتم الذهاب إلى مرحلة تفاوضية أخرى ومسار سياسي آخر، والذي سيتم فيه طرح ملف إعادة إعمار غزة التي تحتاج من 5 إلى 10 سنوات، هذه الفترة الزمنية ستكون مثالية بالنسبة للحكومة الإسرائيلية لهدنة تبحث عنها، بسبب عدم قدرة قطاع غزة على النهوض مرة أخرى لتنفيذ أي ضربات.
وأشار إلى أن هذه الحرب تختلف عن كافة الحروب السابقة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة، والتي كانت حروباً تكتيكية مرحلية، أما هذه الحرب سيكون لها بنية استراتيجية مختلفة، وبالتالي لن تكون نهايتها كما باقي الحروب السابقة، بمعنى أنه لن يكون هناك إعلان نهائي لوقف إطلاق النار ويعود الطرفان ليستعرض كل منهما قواه العسكرية، حيث إن “إسرائيل” لن تمنح المقاومة الفلسطينية في اليوم التالي لإعلان وقف الحرب الخروج إلى الشوارع لاستعراض قوتها وإعلان نصرها، بل سيكون هناك حالة ما بين السلم والحرب، والتي ربما تكون الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة القرار فيها من خلال الذهاب إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بوقف الحرب.
ضربات متبادلة لأهداف محددة
وأضاف بشارات أن إعلان وقف الحرب هذا إن تم من خلال مجلس الأمن، فسيكون قراراً سياسياً بانسحاب “إسرائيل” من غزة، وإيقاف الحرب ظاهرياً، لكنها قد تذهب إلى عمليات استهداف موضعية كلما أتيحت الفرصة لها، أو إلى تنفيذ عمليات اغتيال لقادة المقاومة، التي لن يكون بمقدورهم الظهور للعلن خلال الفترة المقبلة، التي قد تشهد ضربات متبادلة لأهداف محددة في مواعيد معينة، لكن دون العودة لحرب شاملة كما يجري اليوم.
وبخصوص عمليات الاغتيال، قال بشارات إن “إسرائيل” دائما تبحث عن ما أسماه “صيد”، وعندما يتاح لها هذا الصيد، لن تتأخر في استهدافه سواء كان ذلك بشكل مباشر وتعلن عنه كما حدث في كثير من عمليات الاغتيال في الداخل والخارج، أو ربما تذهب إلى عمليات الاغتيال الصامت دون إعلان مسؤوليتها، لكن بصماتها تكون واضحة، أو الذهاب باتجاه الاغتيال السياسي من خلال الضغط على قيادة حماس في الخارج في أماكن تواجدها في قطر وتركيا على سبيل المثال، والتضييق عليها بهدف تقييد حركتها ودورها، أو إجبارها على المغادرة، من خلال ضغط واشنطن على تلك الدول.
إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني
وتوقع أن تخرج هذه الحرب بمسار سياسي يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية يشمل البعد الإنساني لقطاع غزة وإعادة الإعمار وإدارة القطاع والحالة الفلسطينية ككل، وربما يشهد إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني وفق معايير مختلفة، هذا المسار الذي سيبدأ بملف تبادل الأسرى، والمرتبط بعدد من العوامل، منها قدرة الوسطاء على فكفكة الملفات، التي لن تطول كثيراً ما دامت ورقة الأسرى بيد المقاومة قوية من حيث العدد والنوعية.
وعن مستقبل المقاومة في غزة، ختم بشارات حديثه بالقول إنه رغم تأثر قدراتها العسكرية والبشرية التي ستتكشف مع الأيام، والتي قد تحد من بعض الأدوار الميدانية نوعاً ما، لكن من الناحية الإدارية لقطاع غزة ستبقى المقاومة حاضرة بقوة.