loading

دور الوسطاء الدوليين بعد أحداث السابع من أكتوبر

د. ياسمين تمام

شهدت منطقة قطاع غزة والضفة الغربية تصعيدًا كبيرًا بعد أحداث السابع من أكتوبر، والتي شكلت نقطة تحول في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. دفعت هذه الأحداث المجتمع الدولي والإقليمي إلى تكثيف جهودهم للبحث عن حلول سريعة وفعالة لتهدئة الأوضاع. كان للوسطاء الدوليين دور رئيسي وحاسم في محاولة إنهاء الحرب وتسهيل عملية تبادل الأسرى.

ومع ذلك، كانت هذه الجهود معقدة للغاية، مما أثر بشكل كبير على استقرار المنطقة.
بالنظر إلى أحداث السابع من أكتوبر، شهد قطاع غزة قصفًا عشوائيًا من قبل الاحتلال الإسرائيلي واجتياحًا لعدة مستشفيات، منها مستشفى الشفاء الطبي، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا من المدنيين والطواقم الطبية والصحفيين، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية. تضمنت الأعمال العدائية غير المسبوقة إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية، مما أسفر عن خسائر بشرية ومادية كبيرة. أثارت هذه الأحداث ردود فعل دولية واسعة، حيث دعت العديد من الدول والمنظمات الدولية إلى التدخل الفوري لوقف العنف وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة ومنع المجازر الجماعية للمدنيين، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن. من جهة أخرى، طالب المجتمع الدولي بضرورة التوصل إلى اتفاقية لتبادل الأسرى.


وفي نوفمبر 2023، تمت عملية تبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل. جاءت هذه العملية بعد أسابيع من المفاوضات المكثفة بوساطة دولية، حيث لعبت مصر وقطر دورًا رئيسيًا في تسهيل الحوار بين الأطراف. تضمنت الصفقة اطلاق سراح اسرى فلسطنين بينهم نساء وأطفال، مقابل إطلاق سراح أسرى إسرائيليين كانوا محتجزين لدى حماس منذ التصعيد الأخير على القطاع، وإعلان هدنة مؤقتة بين الجانبين كجزء من الجهود لتخفيف التصعيد العسكري وتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وفتح المعابر للسماح بدخول المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع، لتحسين الظروف المعيشية للسكان المتضررين.


كان هذا الاتفاق خطوة إيجابية نحو تهدئة الأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهت الاتفاق، إلا ان هذه العملية أظهرت أن للوسطاء دورًا مهمًا يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة ودور حاسم في إنجاح الصفقة في هذه المرحلة.


تصاعدت الأحداث في المنطقة بشكل متسارع بعد اتفاق تبادل الأسرى في نوفمبر 2023، حيث شهدنا عودة الأعمال الوحشية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة، بما في ذلك القصف العشوائي والتهجير القسري ومجازر الإبادة الجماعية، فضلاً عن الاعتقالات التعسفية للمدنيين وخاصة الأطفال والنساء، واقتحام مراكز الإيواء. والاشتباكات بين فصائل المقاومة والقوات الإسرائيلية في القطاع، مما زاد من توتر الأوضاع في المنطقة.


ولا شك أن للاعلام العسكري التابع لحركة حماس وفصائل المقاومة في القطاع دوراً بارزاً في تأجيج الشارع الإسرائيلي، حيث شهدنا تصاعداً في الاحتجاجات والمظاهرات من اهلي الاسرى الاسرائليين أمام مبنى وزارة الدفاع والكنيست الإسرائيلي. ارتكزت هذه المظاهرات على المطالبة بإعادة الرهائن الإسرائيليين والسعي نحو تحقيق اتفاقات جديدة لتبادل الأسرى ووقف الحرب على قطاع غزة.


حيث استخدم الإعلام العسكري لفصائل المقاومة خطاباً قوياً واستراتيجيات إعلامية متعددة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي والضغط على الحكومة الإسرائيلية لتسريع المفاوضات وإبرام صفقات جديدة تهدف إلى الإفراج عن المزيد من الأسرى. هذه التحركات أسهمت في زيادة التوترات وأثرت على القرارات السياسية في إسرائيل، مما أبرز أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام في الصراعات والنزاعات المستمرة.


وقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية، كقوة رئيسية في الشرق الأوسط، إلى التوصل إلى اتفاق يتضمن تبادل الأسرى ووقف الحرب في قطاع غزة، وتيسير دخول المساعدات الإنسانية بين حركة حماس والإسرائيليين، بوساطة مصرية وقطرية. لقد لعبت مصر دورًا تقليديًا ومؤثرًا في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وتعززت جهودها الدبلوماسية بعد الأحداث الأخيرة للتوصل إلى هدنة وبدء مفاوضات لتبادل الأسرى. قدمت مصر منصة محايدة للطرفين ووسطاء موثوقين لإتمام الاتفاقيات.


بالمثل، قطر استخدمت دورها الإقليمي البارز لدعم جهود الوساطة، حيث قدمت دعمًا ماليًا ولوجستيًا لعمليات إعادة الإعمار في غزة، مما ساعد في تهيئة الأجواء المناسبة للمفاوضات. كما قدمت الدوحة تسهيلات لتحقيق تبادل الأسرى بين الطرفين.


وفي كل مرة تتاح فيها فرصة للتوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى، يبادر نتنياهو بتوجيه مبررات واهية لمنع توقف الحرب والتوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى وإعادة الرهائن. يدعي أنه يسعى للحفاظ على أمن إسرائيل والقضاء على حركة حماس التي تشكل تهديدًا لأمنها، والسيطرة على قطاع غزة لمنع حركة حماس أو السلطة الفلسطينية من تولي حكم القطاع. مع ذلك يبدو أن نتنياهو يسعى في الحقيقة للحفاظ على مكانته السياسية الشخصية، حيث يخشى أن تؤدي نهاية حياته السياسية إلى السجن بسبب التحقيقات في اتهاماته بارتكاب جرائم حرب.


وعلى الرغم من الجهود ورغم الجهود الدولية الكبيرة، تواجه عملية إنهاء الحرب وتبادل الأسرى العديد من التحديات يبرز من بينها مفهوم الثقة وانعدامها بين الاطراف المتنازعة، هذا مما شكل عائقا كبيرا امام التوصل الى اتفاق شامل ومستدام ـ بالاضافة الى التدخلات الاقيليمة التي تسهم في زيادة الصعوبات للتوصل الى اتفاق مرضي لجميع الاطراف واخيرا تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة والذي ادى الى تزايد الضغوط على الوسطاء والمنظمات الدولية لتقديم حلول فعالة وسريعة لإنهاء الحرب وتخفيف المعاناة الإنسانية. وتسهيل المفاوضات وضمان تنفيذ الاتفاقيات بشكل إنساني وفعال.


خلاصة القول مع ذلك، فإن استمرار نتنياهو في الالتصاق بمبرراته وتعنته في عدم التوصل إلى اتفاق يمكن أن يؤدي إلى ازدياد حدة التوتر في المنطقة، وربما حتى إلى اندلاع حرب إقليمية. وخاصة وبعد فقد اسرائيل دعمها وتاييدها الدولي بعد صدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت، قد يحول دون التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار وتخفيف المعاناة الانسانية في القطاع والوصول إلى اتفاق لتحرير الأسرى، مما يجعل دور الوسطاء عبثاً بلا فائدة.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة