loading

الدبلوماسية السينمائية .. غزة ومهرجان كان

عمار جمهور

تعتبر السينما احد اهم الادوات المهمة التي تستخدمها الدول للترويج لنفسها امام الجمهور الخارجي وتسويق صورتها الذهنية، ومن هنا تجدر الاشارة الى اهمية ما بات يعرف بـ “الدبلوماسية السينمائية” واهميته كحقل من حقول الدبلوماسية العامة والثقافية، ولدوره في تطوير نظم الدبلوماسية العامة وزيادة فعالية القوة الناعمة للدول واهم اذرعها السياسية. ويرى البعض ان الدبلوماسية السينمائية جزء من الدبلوماسية الثقافية لانها وسيلة لبناء الروابط الدولية القائمة على العوامل الثقافية، وتبادل الثقافات وتناقلها بما يساهم في بناء علاقات ثقافية بين الشعوب.

ومن البديهي القول بان السينما كأداة قوة ناعمة تعمل على تسويق رواية الدولة من خلال الافلام بكافة انواعها ولا سيما الروائية، وبدأت اهمية صناعة الافلام في العلاقات الدولية خلال الحرب الباردة وسعي كل قطب من قطبي النظام الدولي عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 حتى العام 1989 والمتمثل بالاتحاد السوفيتي والدول، التي تدور في فلكها “حلف وارسو” والولايات المتحدة الامريكية والدول الذي تدور في فلكها “حلف الناتو”، الى الترويج لمنظوره الفكري “الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي” ولروايته الاعلامية. ولذلك اعتبرت السينما احد الادوات الاستراتيجية للترويج للدولة.

وبعد انهيار الاتحاد  السوفيتي وتسيد الولايات المتحدة الامريكية على النظام الدولي كقطب مهين ضمن نظام دولي اتسم باحادية القطبية استخدمت هوليوود للترويج للرواية التي ترغب واشنطن في ترويجها وتسويقها للعالم. وتمجيد النظام الليبرالي الامبريالي الغربي والقيم المنبثقه عنه. وتقديم التفوق الحضاري الغربي في كافة المجالات للعالم، ولاسيما تلك المتعلقة بالمجالات الثقافية التي تمثل في جوهرها بمفهوم الهيمنة الثقافية. وشيطنة الاخر بما في ذلك روسيا والصين والدول العربية، وانسدلت هذه الهيمنة على القضية الفلسطينية وانعكست على تمثيلها في السينما الامريكية.

ومن هنا، فانه ليس من المستغرب تلك الحملة التي تعرضت لها القضية الفلسطينية في مهرجان كان السينمائي. وبالرغم من ذلك اصبح المهرجان منصحة لعدد من المشاهير لدعم القضية الفلسطينية من خلال رفع “البطيخة” كحقيبة او كوسام كدلالة سيميائية للعلم الفلسطيني، او من خلال ارتداء فستان يتضمن الوان العلم الفلسطيني او من خلال رسم العلم الفلسطيني على ايد المشاهير، او ارتداءالاشارة الحمراء التي تعني “اوقفوا الحرب الان”.

وقد وتم تمثيل فلسسطين خلال المهرجان من خلال ما قدمه المخرج والمنتج الفلسطيني رشيد المشهرواي من افلام عرفت بالمشروع “من  المسافة صفر”، والذي تضمن قرابة الاثنين وعشرين، وثقت تجربة الحرب على قطاع غزة، والمعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيين في القطاع جراء القصف والقتل والتدمير والترحيل، والتصدي لمحاولات طمس الرواية الفسطينية ومنع انتشارها على شاشات السينما. وتعتبر هذه التجربة مهمة لانها وبموازاة الحرب على قطاع غزة، فانه  يوجد حرب على الصورة والرواية والقصة والسردية ولا سيما رواية الاحتلال، الذي يحاول تسويق سرديته وروايته.

ولذلك، فمن المهم ان يكون لدينا صورتنا وسرديتنا الفلسطينية من هذه الافلام التي تم انجازها في قطاع غزة خلال فترة الحرب على القطاع، وذلك بالرغم من الاعاقات الكبرى التي واجهت طواقم العمل داخل القطاع وصعوبة التواصل مع المخرج والمنتج وطاقم العمل خارج القطاع، جراء انقطاع التيار الكهرباء، وكذلك بسبب انقطاع الانترنت. وعدم وجود وسائل النقل والمواصلات لتنقل طاقم العمل، الذي يعاني ما يعانيه الفلسطيني في القطاع، وما يقع على عاتقه بداية من الحفاظ على حياته تحت القصف الى حقه في الحصول على طعام  وغيره من اساسيات الحياة اسوة بغيرة.  

ورغم منع كل اشكال التضامن لفلسطيين والاشارة لفلسطيني فقد تم عرض الافلام في مكان خاص فيما يعرف بخيمة مستوحاة من واقع حياة النازحين في رفح. وتم تنظيم تظاهرة سينمائية مع غزة من قبل عدد كبير من المخرجين والسينمائيين والمشاهير والنجوم والصحفيين، لدعم القضية الفلسطينية والرواية والسردية الفلسطينية، وعرضها امام الجمهور الغربي قدر الامكان.

الحرب على الفلسطينيين ليست حرب فقط على الارض وليست في وسائل الاعلام التقليدية ووسائل الاعلام المجتمعية والرقمية، وانما في السينما. فالرغبة في اسكات الصوت الفلسطيني وطمس الرواية الفلسطينية هي الشغل الشاغل للتراسنة الاعلامية الصهيونية ومن لف في فلكها.  وهنا فانه لا بد الى الاشارة الى اهمية السينما في نقل صورة معناة الفلسطيني ولا سيما خلال فترة الحرب وقبلها وبعدها. ومن نافل القول بان وبعد انتهاء الحرب على القطاع فستقوم السينما الغربية سواء كانت الاوروبية او الاميركية بسرد قصتها من منظورها العنصري الاستعلائي الخاص، الامر الذي يتطلب بطبيعة الحال دعم الانتاج السينمائي لتدعيم السردية الفلسطينية في السينما وتعزيز ما الدبلومماسية السينمائية الفلسطينية.

وتنبع اهمية هذا الطرح انطلاقا من ان السينما تؤثر على الادراك العام وتعمل على تنميط الصورة المتخيلة عن الفلسطينية في الذهنية الغربية، والتي سيطرت عليها الرواية الغربية المعتمدة على السردية الاسرائيلية ونفت السردية الفلسطينية وحدت من وصول فحواها، وقيمها الثقافية وما انبثق عنها معارف نبيلة وحضارية مستمدة من عمق الحضارات التي تعاقبت على ارضها. وتحاول الولايات المتحدة واسرائيل والدول الغربية التي تدور في فلكها من وصول  لذلك لجماهيرها، بل عملت ولا زالت على تكريس هيمنتها وغطرستها الثقافية.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة