محمد فرحات
إذا أحكم الاحتلال قيده على حنجرة الصحفي الفلسطيني، وسلب حبر قلمه، وحول ملاذه الآمن ومساحته الحرة إلى سجن معتم، لا اتصال به ولا تواصل، كيف سيكون الرد؟ هل يستسلم ويسلم بما يرده السجان؟ أم يحاول خلق شكل جديد من أشكال المقاومة؟ الأم، الصحفية، والفنانة في حالتها هذه، لمى غوشة أجابت على كل هذه الأسئلة.
فرض الاحتلال على الصحفية غوشة الحبس المنزلي في بيت عائلتها في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، لمدة 10 شهور منذ أيلول 2022 حتى تموز 2023، متهمًا إليها بما أسماه “التحريض” و”التماهي مع التنظيمات الإرهابية”.
10 شهور في رحم بيت عائلتها، أنجبت معرض “أم تحت الإقامة الجبرية” الذي أفتتح في مركز خليل السكاكيني الثقافي في 17 آب 2024، وضم 31 لوحة رسمتها غوشة بيدين حرتين وحنجرة أسيرة.
إذا كانت حنجرتي أسيرة فبالريشة واللوحة
تقول الصحفية لمى غوشة إن لوحاتها تعبر عن المواقف والمشاعر التي يعايشها كل من فرض عليه الحبس المنزلي، فجسدت حالة الغضب والقهر والتحدي والصمود بالريشة واللوحة، معلنة تمردها وعصيانها ومقاومتها لهذه العقوبة. وأضافت غوشة أن الرسم تحول إلى “نوع من الهروب للتعافي، والاستمرار في الحياة، والحفاظ على الذات”.
أكد غوشة أن الحبس المنزلي يُروج له على أنه عقوبة ناعمة ومخففة، وهو ما ترفضه تمامًا، موضحة أن خطورة الحبس المنزلي تكمن في خلقه صراعات في نسيج الأسرة الفلسطينية فتتحول مشاعر حب الأسرة وخوفها إلى أدوات للرقابة والتحكم.
لوحات من المعرض
حاولت غوشة في معرضها تحويل تجربتها إلى وعي وحالة جمعية، فعبرت عن القيد الإلكتروني الذي يفرضه الاحتلال على الأسير\ة ليراقبه ويسيطر على تحركاته في لوحة “حجز الحرية”. وتخوفت من أن يتسرب السجن إلى عقل المستعمَر فيصبح رقيبًا على نفسه فكانت لوحة “هروب”.
أما لوحة “وجوه تحت الإقامة الجبرية” فجسدت حالة التناقض التي يعيشها الأسير\ة وازدواجية الحالة النفسية التي تعصف بهم.
كما وكان لـ “حنظلة” حضور في لوحات غوشة، يراقب تأثير الحبس المنزلي على ذوات المستَعمَرين وكيفية مواجهتهم له في لوحة “ثلاث كلمات” التي تعكس حالة البحث عن معاني السجن والحبس والوطن.
خصوصية الأسيرات الفلسطينيات
ذهبت غوشة بعيدًا في التعبير عن معاناة الأسيرات الفلسطينيات في لوحة “رحم محاصر” التي عكست ابتزاز الاحتلال لهن بخصوصيتهن البيولوجية، فينكل بهن ولا يوفر احتياجاتهن، بل ويعتقل أجنة الأسيرات الحوامل.
وسلطت الضوء في لوحة “جسد في مواجهة التفتيش العاري” على التفتيش العاري الذي تتعرض له الأسيرات الفلسطينيات وما يترتب عليه من قهر وإهانة يستمر أثره إلى الأبد.
الاحتلال يلاحق الصحفية لمى غوشة
اعتقلت الصحفية المقدسية لمى غوشة بتاريخ 4.9.2022 بتهمة ما يسمى “التحريض” و”التماهي مع التنظيمات الإرهابية”، ليفرج الاحتلال عنها بشرط تحويلها إلى الحبس المنزلي ومنع الاتصال والتواصل ودفع غرامة مالية.
قضت غوشة 10 شهور في الحبس المنزلي، ثم أصدر الاحتلال في شهر تموز 2023 حكمًا يقضي بالعمل الإجباري بحق غوشة بمؤسسات الاحتلال بدون مقابل مادي.
أوقف الاحتلال تنفيذ عقوبة العمل الإجباري بعد 20 يومًا من تنفيذ غوشة لها في بيت مسنين، وأصدر قرارًا بالسجن بحقها.