ترجمة محمد أبو علان
كتب ميخائيل مليشتاين رئيس “منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان في جامعة تل أبيب” في يديعوت أحرنوت تحت عنوان ” إسرائيل أمام نقا غليان في الضفة الغربية”، تحدث فيه عن الواقع الأمني في الضفة الغربية، وعن العوامل الثلاثة التي تدفع باتجاه التدهور الأمني وتحويل الضفة الغربية لجبهة جديدة بالنسبة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وهذه العوامل حماس وإيران وضعف السلطة الفلسطينية.
وجاء في قراءة ميلشتاين: عملية عسكرية ضد “أوكار الإرهاب” في طوباس، اغتيال أربعة عناصر من حماس في جنين (في الحقية الذين اغتيلوا اثنان رأفت دواسة واحمد أبو عرة) اثنان منهم منفذي عملية الأغوار قبل أسبوعين، واغتيال قائد تنظيم حماس في مخيم بلاطة، مقتل حارس الأمن في المنطقة الصناعية قرب مستوطنة كدوميم، انفجار عبوة ناسفة في تل أبيب كان يحملها مواطن من نابلس، هذه سلسلة الأحداث التي كانت في الضفة الغربية خلال الأسبوعين الماضيين، أحداث لم تسلط عليها الأضواء بسبب ما يجري في غزة، وفي لبنان وإيران، حالة شبيهة بحالة الضفدع والقدر، غليان تدريجي سيصل لمرحلة انفجار البركان.
إشعال الميــدان:
ثلاث جهات تعمل معاً من أجل تصعيد الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية حتى قبل السابع من أكتوبر، أول تلك الجهات حركة حماس، والتي تهدف من بين ما تهدف لتعزيز قوة الحركة والحفاظ على وجودها في الضفة الغربية، الجهود الأكبر في هذا الجانب يقف خلفها زاهر جبارين، وهو المسؤول عن الضفة الغربية بعد أن تم اغتيال صالح العاروي في بيروت في يناير الماضي.
جبارين مثل السنوار والعاروري، يعرف اللغة العبرية جيداً، ويفهم طبيعة المجتمع الإسرائيلي، كان محكوماً بالمؤبد وأفرج عنه في “صفقة شاليط”، يعمل اليوم من تركيا، ويعتبر المدير المالي لحركة حماس، ويدير شبكة من الشركات والعقارات، ويعمل على تجنيد الأموال لحماس حسب ادعاء الكاتب الإسرائيلي.
جبارين يريد أن يثبت إنه ليس أقل قدرات من سلفه، ويسعى لإظهار دور الضفة الغربية في النضال الوطني الفلسطيني، وعلى خلفية إنتقادات داخلية (حسب ادعاءات الكاتب الإسرائيلي) بعدم تفجير انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية، قبل شهر قال جبارين: “الضفة الغربية نقطة ضعف إسرائيل، والمقاومة قادرة على إيجاد سبل وأدوات المقاومة، واستطلاعات الرأي العام في الضفة الغربية تظهر أن الفلسطينيين مع المقاومة المسلحة، وهذا الرأي سبق اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية”.
إيران معنية بتسخين المنطقة:
إيران هي الجهة الثانية التي تعمل على تصعيد الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية حتى قبل السابع من أكتوبر، عبر إقامة وتمويل بنى تحتية محلية، وإغراق الضفة الغربية بالسلاح، جيش القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يبذل جهوداً كبيرة لتهريب السلاح للضفة الغربية عبر الأردن، وتهريب عبوات ناسفة شديدة الانفجار، وألغام وRBG، وجزء من هذا السلاح يجد طريقه لجماعات الجريمة في الوسط العربي، وهم أيضاً تسعى إيران لدفعهم لحالة الغليان حسب ادعاء ميلشتاين.
ثلاثة شهور قبل السابع من أكتوبر أعلن أمين عام الجهاد الإسلامي – فلسطين زياد النخالة:” اتخذت خطوات ووضعت خطط لتسليح الضفة الغربية للوصول لحالة تحول استراتيجي من خلال تهريب السلاح وشرائه من الإسرائيليين، والانتقال من مرحلة الهدوء لمرحلة المقاومة بتعليمات إيرانية”، في ظل هذه التهديدات من المتوقع أن يشكل الجيش الإسرائيلي في الأيام القادمة فرقة جديدة تنتشر على طول الحدود الأردنية.
جهود حركة حماس وإيران غيرتا الواقع الأمني في الضفة الغربية، والقوات الإسرائيلية العاملة في مدن شمال الضفة الغربية تواجه مقاومة داخل مناطق مأهولة، وتواجه عبوات ناسفة غير مسبوقة في المنطقة، ومع تزايد التهديدات، الجيش الإسرائيلي رفع درجة تعامله مع الأحداث، مثل استخدام الطائرات المسيرة، مسيرات امتنعت إسرائيل عن استخدامها على مدار 17 عاماً مضت، واعيد العمل بها في صيف العام 2023، فمنذ السابع من أكتوبر “قتل 570 مخرب” حسب الصحيفة العبرية، 70% منهم من شمال الضفة الغربية، و100 منهم تم قتلهم في عمليات قصف من الجو، غالبيتهم شمال الضفة الغربية.
وتابع رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية: العمليات الإرهابية وبشكل خاص تلك التي تنفذها حماس تمتاز بقدر كبير من الشجاعة، والتنظيم والتطور أكثر من الماضي، وتطور في العمليات ضد الجيش وضد المستوطنين، ومستوطنات خط التماس، وبشكل خاص في مستوطنات “جلبوع وعيمق حيفر”، في المقابل يتطور تقليد لقطاع غزة، مثل محاولة صناعة الصواريخ واقتحام مستوطنات، ومحاولة تنفيذ العملية التفجيرية في تل أبيب والتي تبتنها حماس مؤشر على إمكانية عودة العمليات التفجيرية لداخل البلاد، الضفة الغربية تمر في حالة “جيننه/نسبة إلى جنين”، تتمدد الأوضاع السائدة في عاصمة الإرهاب والفوضى نحو الجنوب، نابلس وطولكرم وأريحا.
وعن المخيمات الفلسطينية وبشكل خاص في شمال الضفة الغربية قال أريك بير بينج مسؤول الضفة الغربية والقدس في جهاز الشاباك الإسرائيلي حتى العام 2019:
“مخيمات اللاجئين خاصة في شمال الضفة الغربية هي بؤرة الفوضى، ومصدر للتهديدات الأمنية، في المخيمات تخاف السلطة الفلسطينية من العمل، وفيها كل العوامل التي تساعد على الانفجار، وضع اقتصادي سيء، وذكرى من العام 1948، والتي تنتقل من جيل لجيل، شباب غاضبون وفراغ حكومي، وكل “الجماعات ” تستغل هذه الظروف، بما فيهم إيران وحزب الله، من أجل إقامة بنى تحتية للجماعات المسلحة لتنفيذ عمليات”.
ضعف السلطة الفلسطينية:
العامل الثالث المتسبب بحالة التدهور الأمني هو ضعف السلطة الفلسطينية، ضعف يعود لسببين، الصورة السلبية عن السلطة الفلسطينية، وعدم قدرتها في التأثير على أجندة حركة حماس، والقيود التي تضعها إسرائيل على السلطة الفلسطينية، مثل الاقتطاع من أموال المقاصة، ومنع دخول العمال من مناطق السلطة الفلسطينية، مما يؤثر على قيام السلطة الفلسطينية بدورها، ويخلق أزمة اقتصادية لدى السلطة، وهز الثقة بالنفس والدافعية.
ومن الأمثلة التي تدرجها الصحيفة العبرية عن واقع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، محاولة السلطة قبل أسابيع اعتقال أبو شجاع، قائد كتيبة الجهاد الإسلامي في طولكرم، بعد أن أدخل المستشفى لإصابته بعد محاولة اغتيال اسرائيلية، القوات الفلسطينية التي دخلت للمستشفى واجهت جماهير كبيرة غاضبة مما اضطرها للتراجع، وأخرجت الجماهير المطلوب وحملوه على الأكتاف.
وعن حركة فتح كتبت: حركة فتح، الحزب الحاكم في السلطة الفلسطينية، تمر في حالة تدهور متسارع، هذا يعبر عن نفسه من خلال قيام مجموعات مسلحة على ما يبدو لها علاقة بالتنظيم الأم، لكنها “تعمل بفكر إسلامي متطرف” حسب تعبير الصحيفة العبرية، وكان هذا واضح من شريط جماعة “الرد السريع” التي قالت إنها ستسير على طريق الشهداء لتحرير فلسطين من دنس اليهود، جهاد هدفه إما النصر أو الشهادة”، في مخيم جنين ومخيمات طولكرم مسلحين من حركة فتح يشتركون مع حماس والجهاد الإسلامي في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وأقاموا معاً “تحالف إرهابي”.
وختمت يديعوت أحرنوت تقريرها حول العوامل التي تقف حول التصعيد الأمني في الضفة الغربية: على مدار الشهور العشرة الأخيرة، تمكنت إسرائيل من الحفاظ على حالة استقرار في الضفة الغربية، ولكن الآن تتزايد احتمالات تحولها لجبهة جديدة، التحذيرات من الوضع الأمني تم التعامل معها على قاعدة “الراعي والذئب”.
الشكوك منذ السابع من أكتوبر، تتطلب عملية رقابة جدية على الضفة الغربية، وعلى ما يبدو المعادلة الأساسية، استقرار اقتصادي، وإصرار السلطة الفلسطينية، والتردد الشعبي وجهود الجيش الإسرائيلي، هي التي منعت حتى الآن سيناريو مرعب انتفاضة فلسطينية ثالثة، هذه القضايا يتم تقويضها بشكل قد يخلق تحدي استراتيجي شديد قريباً، ستضطر فيه إسرائيل وقف حرب الاستنزاف في الشمال والجنوب والتفرغ لجبهة الضفة الغربية.