loading

البلدة القديمة بالخليل: حقوق مهدورة، وسجن كبير

تسنيم دراويش

انتهاكات غير مسبوقة ومتصاعدة تعيشها البلدة القديمة في الخليل منذ السابع من أكتوبر، حيث تصاعدت انتهاكات الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين بشكل كبير، ما خلق بيئة خانقة للسكان وبات الفلسطينيون في البلدة يواجهون تشديدات أمنية مضاعفة من اعتداءات يومية وحملات ملاحقة تستهدف كل ما يمثل الهوية الفلسطينية.

بدر التميمي أحد سكان البلدة القديمة، يقول في حديث ل” بالغراف” أنه لم يشهد طيلة حياته وهو الذي يبلغ من العمر 60 عامًا وحشية من الاحتلال لهذه الدرجة التي يشهدوها حاليًا، مؤكداً أن ما يرونه اليوم هو وجهه الحقيقي وذلك من خلال ممارساته القمعية التي طالت الجميع بما في ذلك النساء، إضافة للحواجز الإسرائيلية التي أصبحت أكثر عددًا مما يعيق حركة السكان بشكل كبير، وأيضًا الاعتقالات والاعتداءات التي تهدف لخلق بيئة طاردة لا يمكن العيش فيها، مما يجبر السكان على مغادرة منازلهم.

وأوضح التميمي أن الاحتلال يستهدف المحال التجارية بشكل خاص، حيث يعتمد اقتصاد البلدة على السياحة وبيع المنتجات الفلسطينية التقليدية مثل “الزجاج، الخزف، وخشب الزيتون” وهي تحتوي كلها تقريبًا على رموز فلسطينية، مشيرًا إلى أن الاحتلال يتعامل بعنف حتى مع هذه الرموز الجامدة، حيث يتعمد كسر ومصادرة القطع التي تحمل رموزًا فلسطينية، وكلما رأى الجنود علم فلسطين على أي قطعة يتعاملون معها بعنف، ففي إحدى المرات قام جندي بتكسير عدد من القطع التي تحمل العلم الفلسطيني في محله، قائلًا له “ممنوع، لا يوجد فلسطين، هناك إسرائيل فقط” مشيرًا إلى أنه عندما قام بالرد عليه مؤكدًا هويته الفلسطينية، تعرض لضرب مبرح من قبل الجنود، وقاموا بجمع كافة الأعلام الفلسطينية من محله ووضعها في المرحاض والتبول عليها.

واستذكر التميمي حادثة أخرى وقعت عندما كان هناك وفد ألماني في المحل، واعتقد أن تعامل الجنود معهم قد يكون مختلفًا بحكم الدعم الألماني لإسرائيل، لكنهم فوجئوا بتكسير المحل وطرد الوفد الألماني منه، مما يثبت أن الاحتلال لم يعد يحترم أي شخص، سواء كان فلسطينيًا أو أجنبيًا.

 ليست وحدها إجراءات الاحتلال واعتداءاته التي يعانون منها فقط بل إن المستوطنين يتبعون أسلوبًا تعسفيًا في التعامل معهم، فيقول التميمي أنه يُجبر على إغلاق محله التجاري بناءً على أوامر مباغتة، حيث يجبرونه على إغلاق محله التجاري بعد أن يُمهلونه مدة محددة لا تتجاوز الخمس دقائق، مؤكداً أنهم يُجبرونه على إغلاق مصدر رزقه ورزق العديد من العائلات في البلدة القديمة كلما خطر ببالهم دون أي سبب واضح، موضحًا أن هذا التهديد المفاجئ يعكس حجم الضغط والقمع الذي يتعرضون له يوميًا.

 ورغم كافة هذه الانتهاكات يُصِرُ التميمي على فتح محله كل يوم، مؤكدًا أن كل ما يتعرضون له من انتهاكات هو فداء لأرض إبراهيم الخليل وسيبقون بها رغمًا عن الاحتلال، فالتميمي يرى في محله رمزًا للصمود ويسعى جاهدًا للحفاظ على التراث الفلسطيني والهوية رغم الضغوطات الشديدة التي يتعرض لها.

فيما يصف الناشط الحقوقي وأحد سكان البلدة عارف جابر،  الوضع بأنه “جحيم غير مسبوق”، مبينًا في حديث لـ”بالغراف” أنه وعلى الرغم من التضيقات الخانقة التي عاشوها على مدار السنوات الماضية، فإن الاحتلال اليوم يتفنن في خنقهم بشكل غير معهود، فمنذ بدء الحرب فرض عليهم منع تجول كامل، مع تواجد دائم للجنود الذين يجوبون الشوارع بحرية على مدار الساعة، مضيفًا أنه وبعد أربع أشهر من الحرب تم تقليص منع التجول جزئيًا، حيث يسمح لهم بالخروج من منازلهم من الساعة السابعة صباحًا وحتى العاشرة ليلًا، ومن يتأخر عن العودة يتعرض للعقاب القاسي.

وتابع بأن قوات الاحتلال قامت بزيادة عدد الحواجز في البلدة القديمة، حيث يتعرض السكان للإذلال والتفتيش المهين على كل حاجز، حيث إذا كان هاتفك يحتوي على صور تتعلق بالمقاومة أو الاعتداءات أو إذا كانت لديك أي سابقة أمنية، فيتم ضربك وتعذيبك لساعات،  مشيرًا إلى أن جنود الاحتلال يقومون بسرقة المبالغ المالية والهواتف الحديثة من المواطنين على هذه الحواجز.

وأضاف جابر بأن الاحتلال لا يترك للمواطنين مجالاً للتنفس حتى عند محاولتهم تجنب الحواجز باستخدام طرق ترابية، حيث تنتشر كاميرات المراقبة والطائرات المُسيّرة (الدرون) التي ترصد كل تحركاتهم، مؤكدًا أن أغلب سكان البلدة تعرضوا لانتهاكات على الحواجز، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن، بل وصل الأمر إلى التحرش الجنسي بالنساء والأطفال، إضافة إلى التفتيش المهين للسيدات.

 وعن الوضع في منزله، يصف جابر تجربته قائلاً: “بيتي محاصر، وتعرضنا لكل أنواع الاعتداءات منذ بداية الحرب، حيث اقتحمت قوات الاحتلال منزلي عدة مرات، وكسروا محتوياته، وأطلقوا الرصاص والغاز ورموا الحجارة علينا، وتم اعتقالي أنا وزوجتي وأبنائي الخمسة في أوقات متفرقة، دون أي تهم واضحة”.

وروى جابر تفاصيل تعرض أبنائه للاعتداء الجسدي، حيث كاد أحدهم أن يفقد عينه، بينما تم تقييد ابنه الآخر وإلقائه على طريق التفافي خارج المدينة، قبل أن ينقذه رجل ويعيده إلى الخليل، مؤكدًا أن أكثر ما يؤلمه في ذلك أن ابنه البالغ من العمر 20 عامًا لم يكن قادرًا على العودة إلى منزله بسبب شدة الضرب

 وعبر جابر عن قلقه الشديد من عودة المدارس، فهو  يخشى على ابنته الوحيدة من الحواجز فيمكن أن تتعرض للمضايقات أو الدهس وهي في طريقها للمدرسة، كما ويخشى وقوع أي حادث أمني يؤدي إلى مضاعفة الانتهاكات، مشيرًا إلى أنه وعلى الرغم من الصمود الذي يُظهره سكان البلدة إلا أن بعض العائلات اضطرت إلى مغادرة البلدة واستئجار مساكن خارجها خوفًا على سلامتها وشرفها، موضحًا أن هناك عجزًا واضحًا في دعم المؤسسات الفلسطينية لصمود سكان البلدة القديمة في وجه هذه الانتهاكات المستمرة.

 رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة قال في حديث ل” بالغراف” أن الاحتلال قام بإضافة بؤر استيطانية جديدة في البلدة القديمة، بهدف إجبار المواطنين على الهجرة والسيطرة على منازلهم، مضيفًا أن هذه البؤر تسكنها مجموعة من المستوطنين الأكثر تطرفًا في الأراضي الفلسطينية، مما يزيد من التوتر والصعوبات التي يواجهها السكان.

وأكد أبو سنينة أن الدخول إلى المناطق القريبة من هذه البؤر بات شبه مستحيل، حيث تتطلب عمليات الصيانة والخدمات الأساسية في البلدة القديمة تنسيقًا مسبقًا مع الاحتلال، وهو ما يمكن أن يستغرق وقتًا طويلًا وغالبًا ما يتم رفضه، ما يعطل تقديم الخدمات الضرورية للسكان.

وأوضح أن واحدة من أخطر الانتهاكات الأخيرة التي حدثت قيام سلطات الاحتلال بإبلاغ البلدية عن نيتها وضع اليد على سوق الخضار المركزي القديم وموقف السيارات المعروف بالكراج القديم، وذلك ضمن إطار قانوني يهدف إلى شرعنة الاستيلاء على هذه المناطق، ورغم صدور أمر عسكري سابق بإغلاق هذه المناطق، إلا أن هذا التطور يفتح الباب أمام إعادة استخدام المباني التابعة للبلدية والمواطنين والبناء فوقها، في خطوة تُعد استمرارية لسياسة التوسع الاستيطاني.

وفيما يتعلق بالجهود القانونية، أوضح أبو سنينة أن البلدية لجأت للقضاء الإسرائيلي، على الرغم من أن المحاكم هناك تحكم بالوضع السياسي وليس القانوني، مبينًا أنهم مضطرون للجوء لهذه المحاكم رغم معرفتهم بأن قراراتها غير عادلة.

المسجد الإبراهيمي الذي يمثل روح البلدة القديمة، لم يسلم هو الآخر من الانتهاكات، فمنذ مجزرة الحرم عام 1994، أُعيد تقسيمه حيث يسيطر الاحتلال على 60% من مساحته، ولا يسمح للمسلمين بالدخول إليه إلا 10 أيام فقط في السنة، بينما يُمنح المستوطنون الحق في الاستيلاء على كامل الحرم لمدة 10 أيام، إلا أن الاحتلال بعد السابع من أكتوبر أغلق كافة مداخل المسجد الإبراهيمي باستثناء مدخل البلدة القديمة، فيما تم إغلاق البوابة الجنوبية للحرم “حاجز أبو الريش”، التي كانت تمثل مدخلًا رئيسيًا للزوار ويُسمح بالدخول منها في حالات نادرة وبناءً على مزاج الجنود الموجودين على الحواجز.

 ثلاثون عامًا مرت على مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف، ثلاثون عامًا من معاقبة الضحية ببوابات الكترونية وحواجز ومصادرة للمنازل والأراضي تضاعفت عام ال2000 ولكن هذا العام كان الأكثر صعوبة على سكان البلدة القديمة وروادها كما هو الأصعب على غزة.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة