هيئة التحرير
في مهرجان “سينما ڤريت 2024” بالعاصمة الإيرانية طهران، تُوِجَ فيلم “استرداد مؤجل” للمخرج الفلسطيني عبد الله معطان والمخرج المساعد رحمة دار صالح، بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.
دموع تُذرف بلا توقف وحرقة قلب تتجدد مع كل فتح لباب ثلاجة، وانتظار متواصل منذ فترات طويلة، مشاعر أمهات الشهداء المحتجزة جثامينهم هذه حاول فيلم ” استرداد مؤجل” الذي أنتجته مؤسسة “قامات” إيصالها للعالم، وفي محاولة لتسليط الضوء على قضية يجب أن لا تغيب عن أذهان العالم ولو لدقيقة واحدة.
احتجاز جثامين الشهداء سياسة اتبعها الاحتلال منذ سنوات طويلة مضت، سياسة تجعل ذوي الشهداء في حالة انتظار دائم وحزن مفتوح وجرح لا يندمل، وتجعل بيوت الشهداء وكأنها بيوت عزاء لا تُقفَل.
شعور الأمهات الذي لا يمكن أن يصفه أو يتخيله أحد، كان فكرة فيلم “استراد مؤجل”، حيث يؤكد المخرج والعضو المؤسس في مؤسسة قامات عبد الله مُعطان أن الفيلم يسلط الضوء على احتجاز جثامين الشهداء داخل الثلاجات، حيث هناك نوعان من الاحتجاز وهما” احتجاز داخل الثلاجات، واحتجاز داخل مقابر الأرقام”، مفيدًا أن الفيلم تناول قضية احتجاز جثامين الشهداء عن طريق الأمهات اللواتي ينتظرن أولادهن ويبقين في حالة عزاء مفتوح.
معطان أوضح أنه ومنذ أربعة أعوام يحاول تصوير هذا الفيلم، فبعد أفكار متعددة حول الاحتجاز وحول نوع الفيلم، تبلورت لديه فكرة أن تكون الأم هي بطلة الفيلم، وذلك لأن الأم هي التي تنتظر وهي من أنجبت وربت وهي التي تبكي، مؤكدًا أن لا أحد يستطيع تخيل شعور هذه الأمهات، مبينًا أن الفيلم حاول إيصال بعضًا مما تشعر به أمهات الشهداء المحتجزة جثامينهم.
استغرق تنفيذ الفيلم عامًا ونصف، ولكن فكرته كانت موجودة منذ أربعة أعوام ونصف، وفق ما أفاد به معطان، الذي أردف بأنه قام ببحث كبير تجاه هذه الفكرة من خلال التواصل مع الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، والتواصل مع عائلات سُلمت لهم جثامين أبنائهم وعائلات أخرى ما زالت جثامين ذويهم محتجزة، مبينًا أن الفيلم تناول قصص أمهات الشهداء “أمجد أبو سلطان من بيت لحم، وصالح البرغوثي من كوبر”.
شُح المعلومات حول ظروف احتجاز الجثامين داخل الثلاجات كانت من أبرز الصعوبات التي واجهتهم، حيث يوضح معطان أن المعلومات الموجودة عن الاحتجاز داخل الثلاجات شحيحة جدًا، بحيث لا تتوفر معلومات عن درجات الحرارة أو الوضع داخل الثلاجات وأين هي، مبينًا أن الاحتلال لا يصرح عن هذه المعلومات، كما أفاد بصعوبة استعراض الجثامين بطريقة بصرية وذلك لأنه لا أحد يعلم أين تتواجد وكيف يمكن أن يكون شكل الجثامين وبالتالي فمن الصعب وضعها في شيء بصري.
معطان تابع بأنه اعتمد على ذاكرته البصرية وذلك عندما استطاع رؤية جثامين ثلاثة شهداء أفرج عنهم بعد احتجازهم، فاستطاع رؤية شكل الجثامين عن قرب بعد استلامهم بفترة قصيرة فكان مشهداً صادمًا بالنسبة له، مبينًا أن هذا المشهد جعله يأخذ وقتًا طويلًا ليعلم من أين سيبدأ بعمل هذه القصة.
يقول معطان بأن هذا الفوز ليس له ولا لمؤسسة قامات ولا لأي شخص، إنما هذا الفوز هو لصبر الأمهات والإنصاف لفكرة احتجاز الجثامين، ولفكرة العائلات اللواتي استلمت جثامين ذويهم فانطفأت نيران قلوبهم، وهو إنصاف للفكرة التي بدأت تذهب وتطرح نفسها على الطاولة، وهي بحاجة لتسليط الضوء عليها، مؤكدًا على ضرورة التركيز على فكرة ضرورة تسليم كافة الجثامين للأهالي، وضرورة الحديث عن هذا الموضوع الذي يُحاول الاحتلال طمسه وعدم الحديث عنه ويحاول أن يجعل بيوت الفلسطينيين بيوت عزاء مفتوحة بشكل دائم، ويجعل الأمهات تنام يوميًا ودموعها على وجهها كما ذكرت إحدى أمهات الشهداء في الفيلم.
وأضاف معطان أن الجزء الأهم بالنسبة له هو إيصال شعور الأمهات، حيث عُرض الفيلم في أكثر من مكان، فَعُرَضَ في فلسطين والغالبية تعلم ما الذي يعنيه الشهداء ومعاناة الأمهات، كما وَعِرَضَ في فنزويلا حيث لا يعلم الناس الوضع في فلسطين ولا يعلمون بوجود جثامين تُسجن وقلوب محروقة، مبينًا أنه ليس فقط شعور الأمهات الذي وصل للجمهور ولكن وصلت لديهم معلومة أيضاً بأن الاحتلال الواقع على فلسطين لا يفرق بين إنسان على قيد الحياة وإنسان متوفي، فهو غايته الأساسية حرق قلب الإنسان الفلسطيني سواء كان على قيد الحياة أم لا وأيضاً حرق قلب ذويه، فهذا الاحتلال هو أسوأ احتلال مر على التاريخ.
ووجه معطان شكره لكافة الطاقم الذي عمل على هذا الفيلم، فهو نتاج جهد جماعي من كافة الطاقم، مؤكداً أن رسالة الفيلم مفتاحُ لأن يأتي أشخاصُ ويُكملوا فكرة هذا المفتاح لمكان أبعد من فكرة الموجودين والذي حضروا الفيلم، وذلك لأن هذه القضية أكبر من أي شخص يعمل بالأفلام أو الرسم أو الموسيقى أو أي نوع من أنواع الفنون أو الأدوات المستخدمة لإيصال الرسائل، مؤكداً على ضرورة إكمال المشوار.
تصاعد في سياسة الاحتجاز والتنكيل بجثامين الشهداء
منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء حسين شجاعية بيّن أن هناك 634 شهيدًا محتجزة جثامينهم ما بين مقابر الأرقام وثلاجات الاحتلال، مضيفًا أن هذه هي الأرقام الموثقة لدى الحملة وذلك دون أعداد الجثامين المحتجزة من قطاع غزة منذ بداية الحرب، بسبب عدم توفر أي معلومات.
وأفاد بأن عدد الشهداء المحتجزة جثامينهم منذ السابع من أكتوبر بلغ 229 شهيدًا، وهو يعد رقمًا كبيرًا حيث يشكل ضعف ونصف العدد الذي كان موجودًا منذ العام 2015، وهم يشكلون ثُلث العدد المحتجز في الثلاجات والمقابر.
ولفت أن لا معلومات متوفرة حول ظروف الاحتجاز وخاصة بعد السابع من أكتوبر، مؤكدًا أن هناك تصاعدًا في سياسة احتجاز جثامين الشهداء وهو الذي يَظهر من خلال الأرقام، إضافة إلى التصاعد في عمليات التنكيل بجثامين الشهداء في الضفة الغربية كما حصل في جنين وطولكرم من خلال إلقاء الشهداء من أسطح المنازل وأيضًا بجانب الحواجز كما حصل قرب حاجز “دوتان”.
وتابع أيضًا أنه جرى في قطاع غزة التنكيل بجثامين الشهداء من خلال دهس الجثامين بالجرافات وسحلهم في الطرقات، إضافة إلى ظروف تسليم الجثامين دون أي معلومة تدلل على هوياتهم أو أي معلومة تدلل على مكان احتجازهم أو ظروف هذا الاحتجاز، وهو ما يُظهِرُ تصاعدًا كبيرًا في الاحتجاز والتنكيل بجثامين الشهداء.
وأوضح شجاعية أن فيلم ” استرداد مؤجل” هو نتاج مهم لتوصيل رسالة عائلات الشهداء وقضية احتجاز جثامين الشهداء بطرق مختلفة، وأيضا لإيصال معاناة أمهات الشهداء بظروف الاحتجاز في الثلاجات، وهو عمل مهم يضاف إلى الكثير من الإنتاج الإعلامي الخاص بهذه القضية، وهو جهد ممتاز ومشكور لإيصال هذه الرسالة.
ووجه شجاعية رسالته لجميع شرائح المجتمع من ” مصورين، ومنتجين، ومخرجين” بضرورة الاستمرار في دعم عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم، وإيصال رسالتهم لكافة العالم ولكافة المستويات في سبيل تحرير جثامين الشهداء، وأن يحصلوا على قبور تضمهم وهذا هو الحق الإنساني الذي تُطالب به عائلات الشهداء.