loading

“فانزاتي”: مشروع يمزج بين الحداثة وجذور الهوية الفلسطينية

تسنيم دراويش

في قلب مدينة الخليل، يعمل الفنان فايز الكركي (28 عامًا) وفريقه على إنتاج أعمال فنية مميزة تمزج بين أصالة التراث الفلسطيني وحداثة الإبداع، لتصبح قطعًا فنية تسافر عبر العالم لتعكس قصص الوطن. 

بدأ الكركي رحلته الفنية بشغف كبير لتوثيق ملامح فلسطين، متنقلًا بين المدن والقرى، مسلحًا بكاميرته ودفتره. يلتقط الصور ويرسم التفاصيل بدقة، ليحولها إلى أعمال فنية تجسد روح الأرض والتاريخ الفلسطيني.

في سن مبكرة، اتخذ الكركي قرارًا جريئًا بمغادرة المدرسة رغم تفوقه، ليبدأ رحلة تعليمية مختلفة. مبينًا أن التعليم بالنسبة له لا يقتصر على الشهادات، بل هو رحلة تعلم مستمرة. مشيرًا إلى أنه اختار دخول سوق العمل وتعلم من هذه التجربة، لتكون نقطة تحول في حياته.

التحول: من الصور المتحركة إلى التحف الفنية

في بداية مسيرته المهنية، أسس الكركي شركة “بالموشن” لإنتاج أعمال رسوم متحركة تناولت التراث الفلسطيني. لكن شغفه بتصميم المنتجات الثقافية دفعه لتأسيس مشروع “فانزاتي”، حيث حول أفكاره الإبداعية إلى تحف ملموسة، مفيدًا بأنه أراد تقديم شيئًا ماديًا يحمل التراث الفلسطيني للعالم.

يرتكز مشروع “فانزاتي” على إنتاج قطع فنية تجسد الثقافة الفلسطينية وترمز إلى التراث الوطني. حيث يؤكد الكركي أن الفلسطيني سواء اختار الرحيل أو أُجبِرَ عليه، فإنه يحمل شيئًا من بلاده معه أينما ذهب، أو يسعى لنشر هويته في كل زاوية من العالم، ومن هذا المنطلق يبيّن أنه كرّس جهوده لإنتاج قطع فريدة تُعَبِر عن الأماكن الأثرية الفلسطينية، تصلح أن تكون جزءًا من أي منزل أو هدية تجوب العالم مع السياح والمغتربين، وتحكي قصة فلسطين.

القدس: محور الإلهام

تحتل مدينة القدس مكانة محورية في أعمال الكركي الذي يستلهم تصاميمه من البيئة الفلسطينية بكل تفاصيلها. مشيرًا إلى أنه يُحب أن يُبدع قطعًا تحمل رموزًا لأماكن فلسطينية، والقدس دائمًا هي الملهم الأول.

تصاميم الكركي للقدس تشمل أعمالًا مثل مجسم المسجد الأقصى و “باب المطهرة”، وهو أحد الأبواب التي تؤدي إلى قبة الصخرة، حيث صنع نموذجًا دقيقًا للباب مع القبة. كما أبدع في تصميم نماذج للنوافذ المقدسية بألوانها المبهجة وزخارفها التراثية. ولم ينسَ أسواق القدس، فجسد سوق الباشورة بما يميزها من روح وحياة. موضحًا أن القدس ليست مجرد مدينة، بل هي رمز لهويتنا وعمق انتمائنا.

ومن أبرز إبداعاته التي حققت شهرة واسعة، تصميمه لعربة كعك القدس. حيث يتذكر بدايتها قائلاً أنه صنع العربة كمنتج شخصي ونشرها على صفحته دون نية لبيعها. لكن وبعد النشر، تلقى طلبات متزايدة لاقتنائها، مشيرًا إلى أن هذا النجاح دفعه لإنتاج العربة بشكل مستمر، حتى أصبحت واحدة من أكثر القطع طلبًا، إلى جانب أعمال أخرى مثل “باص 47″، التي تعكس ذكريات التنقل داخل فلسطين. واليوم، تُنتج هذه القطع يوميًا، لتواصل رواية الحكاية الفلسطينية بطريقة فنية مبتكرة، تجمع بين التراث والابتكار.

التصميم: مزيج بين التراث والحداثة

يقدم الكركي نموذجًا فريدًا يجمع بين التراث الفلسطيني والحداثة في أعماله، معتمداً على مواد متنوعة مثل “الخشب، الحديد، القماش، والفخار”. وما يميز تصاميمه هو التركيز على استخدام الفخار والخزف، حيث يقول أنه يعمل على إحياء الصناعات الفلسطينية التقليدية مثل الخزف والفخار، بأسلوب حديث ومبتكر، من خلال إنتاج تصاميم فريدة بألوان جديدة وبلمسات تعكس التراث بروح عصرية.

يسعى الكركي دائمًا إلى مواكبة التطور التكنولوجي، مشيراً إلى أهمية التكيف مع العصر بقوله: “العالم يتغير بسرعة، وعلينا أن نتغير معه.” لذلك، يوظف أحدث التقنيات مثل الطابعات والمكائن الحديثة في إنتاج بعض القطع. ومع ذلك، يظل وفياً للأدوات التقليدية، مؤكدًا أنه وعلى الرغم من التكنولوجيا المتقدمة، هناك مراحل لا غنى فيها عن الأدوات اليدوية، خاصة في الرسم والتلوين، حيث تظهر الحرفية والدقة.” بهذه الفلسفة فإنه يمزج بين التكنولوجيا الحديثة والحرف اليدوية التقليدية، ليخلق تصاميم تعبر عن مزيج متناغم بين الأصالة والابتكار.

الدعم الذي صنع الفرق

حظيت فكرة فايز بدعم كبير من عائلته، خاصة والدته التي وفرت له مساحة للعمل داخل المنزل في بداياته ، مما مكنه من الانطلاق في مشروعه. كما ساعدته جامعة البوليتكنك في تطوير رؤيته وتوسيع آفاقه، حيث لعبت دورًا محوريًا في تحسين جودة منتجاته وتنظيم مشروعه بشكل احترافي.

اليوم، يرد الكركي الجميل من خلال تقديم ورش عمل للشباب ونقل خبراته إلى الرياديين الجدد. موجهًا رسالته لكل من يطمح إلى بدء مشروعه الخاص بأن لا يجعل الدخل المادي هدفه الأول، وأن يسعى لاكتساب الخبرة وتطوير مهاراته، وعليه أن يفهم جيدًا ما يصنعه ويُتقنه، وعندما يصبح متميزًا في مجاله، سيجد أن الإقبال على مشروعه يأتي بشكل طبيعي.”

التحديات: بين الواقع والطموح

يعتبر مشروع “فانزاتي” منصة تجمع الحرفيين من مختلف المجالات وفئات المجتمع، حيث يعمل فريق متكامل على الإنتاج بشكل يومي، إلى جانب تعاون مستمر مع فنانين وحرفيين لتطوير المنتجات.

 في الماضي، شهد المشروع ازدهاراً كبيراً، مع إنتاجية عالية وحاجة متزايدة لليد العاملة، ولكن ومع تغير الظروف أصبحت الأولوية هي الحفاظ على استمرارية العمل رغم انخفاض الطلب وتحديات السوق. مؤكدًا التزامهم بالتميز، وبالمنتجات الفريدة والتي تُباع مباشرة دون وسطاء، مما يساعدهم على تقديمها بأسعار تنافسية تلبي احتياجات الجميع.” 

طموحات بلا حدود

يسعى الكركي للاستمرار بتوسيع دائرة تأثير مشروعه والانتقال به إلى مستوى عالمي. فمنذ بداية مشواره، وضع هدفًا واضحًا يتمثل في الابتكار المستمر، حيث يحرص على تقديم قطعتين جديدتين شهريًا، مما يعكس التزامه بتصميم منتجات تجمع بين التراث الفلسطيني الغني واللمسة العصرية.

وأوضح أنه هدفهم حكاية قصة فلسطين للعالم عبر فنهم، وأن يبنوا جسورًا بين التراث ومستقبلهم، مشددًا على أن طموحهم لا يقتصر على تحسين الإنتاج، بل يمتد ليشمل الوصول إلى أسواق عالمية حيث يمكن للفن الفلسطيني أن يلامس القلوب ويعكس روح الشعب وهويته.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة