loading

السينما الفلسطينية.. الصورة من وسط الحرب والحصار

يزن حاج علي

ما إن انتهت الانتفاضة الفلسطينية الثانية بعد عام 2005، حتى بات المجتمع الفلسطيني يشهد مجموعة من التحولات التدريجية على الأصعدة السياسية والاجتماعية.

بشكل موازٍ، شهدت السينما الفلسطينية تطورًا ملحوظًا في هذه الفترة، خاصة في ظل التحولات السياسية والاجتماعية المعقدة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، فيما أصبحت السينما الفلسطينية أكثر قدرة على التعبير عن تجارب الناس وأحلامهم وتحدياتهم، فمن قضية الانقسام الفلسطيني، إلى حصار قطاع غزة منذ عام 2007، مرورًا بحروب الاحتلال على القطاع، وتصاعد الاستيطان في الضفة الغربية، باتت هذه القضايا البارزة في السينما الفلسطينينة.

قطاع غزة.. الصورة من قلب الحصار

خلال تلك الفترة، تصاعد الإنتاج السينمائي والوثائقي في قطاع غزة في ظل الواقع المعيشي الصعب الذي عاشه الشعب الفلسطيني، لتحمل هذه الأفلام صورة الهموم والمشاكل التي عانى منها سكان القطاع.

وكان من هذه الأفلام فيلم “يا طير الطاير” لهاني أبو أسعد، عام 2015، والذي يتناول رحلة شاب للغناء، من غزة إلى القاهرة إلى النجومية.

أما أحداث الانقسام الفلسطيني الداخلي، فكان فيلم “ديجراديه” للأخوين طرزان وعرب ناصر، عام 2015، وفيلم “كتابة على الثلج” لرشيد مشهراوي، عام 2016، حيث تناسق الفلمين مع واقع الغزيين السياسي أساسًا، فيما كان المحور الرئيسي في كليهما هو الانقسام الفلسطيني، وإن أتى بشكل ترفيهي في الأول، وتسطيحي في الثاني.

كذلك الأمر في فيلم اختطاف العقول، للمخرج إياد الأسطل، والذي يروي قصة اختطاف الأسير المحرر ضرار أبو سيسي من أوكرانيا، من قبل جهاز الموساد، حيث حصل الفيلم على الجائزة الأولى في مهرجان شموع الدولي الأول للأفلام.

وأظهرت السنوات الأخيرة حضورًا لافتًا له في وثائقيات لمخرجين غربيين استطاعوا دخول القطاع والتصوير لنقل المعاناة الإنسانية بالدرجة الأولى، والأمل بحياة كريمة يمكن لأحلام فردية فيها أن تتحقق.

وتحسن مستوى الإنتاج التقني للفيلم الفلسطيني في السنوات الأخيرة بفضل تطور التقنيات الرقمية التي مكنت المخرجين من إنتاج أفلام ذات جودة عالية بتكلفة أقل. وهذا أتاح لعدد أكبر من المخرجين والكتّاب الشباب الفرصة لإنتاج أفلام معروضة في مهرجانات دولية.

سينما في ظل حرب الإبادة

“ولم تتوقف المحاولات الفلسطينية بعد بدء حرب الإبادة الجماعية  على قطاع غزة، عن محاولاتها في إثبات وترسيخ الرواية الفلسطينية من جهة، وتوثيق جرائم الاحتلال من جهة أخرى.

حيث انطلق المشروع السينمائي “من المسافة صفر” ليوثق أحوال الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك على يد مجموعة من المخرجات والمخرجين الفلسطينيين. حيث أطلق هذا المشروع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، بهدف توفير منصة للفنانات والفنانين الشباب للتعبير عن أنفسهم وما يعايشوه من آلام ومصائب وفقد من خلال فنهم.

ويتكون “من المسافة صفر” من 22 فيلمًا قصيرًا، يتراوح طول كل منها من 3 إلى 6 دقائق، ويقدم وجهة نظر واقعية بشكل مؤلم عن الواقع الحالي في غزة. حيث يعكس المشروع التجارب المتنوعة لحياة الناس اليومية، بما فيها من تحديات ومآس ولحظات صمود.

وتتنوع أفلام هذا المشروع بين الوثائقي والرواية والرسوم المتحركة وحتى السينما التجريبية، مع تنوع غني من القصص التي تعكس الحزن والفرح والأمل الكامن في حياة كل مواطن في غزة. وعلى الرغم من ظروف التصوير القاسية، إلا أن التجربة الفنية التي يقدمها الفيلم ضرورية لفهم صور التعايش التي يضطر إليها سكان غزة يوميًا، مقدمًا صورة حميمية وقوية عن الحياة اليومية ومعاناة الشعب الفلسطيني.

الضفة الغربية  والسينما

 الضفة الغربية بدورها شهدت خلال السنوات الأخيرة العديد من الانتاجات السينمائية، التي تحدثت عن واقعها، في ظل تقطيع أوصالها بالحواجز، والاستيطان وسرقة الأراضي.

وكان فيلم 200 متر أحد هذه الأفلام، ويروي الفيلم قصة مصطفى، الأب الفلسطيني من طولكرم، الذي يفصل بينه وبين ابنه حاجز يبلغ طوله 200 متر فقط. عندما يُصاب ابنه في حادث، يواجه مصطفى تحديات كبيرة للوصول إليه بسبب القيود الإسرائيلية.

وفاز الفيلم بجائزة الجمهور في مهرجان البندقية السينمائي، وكان مرشحاً عن الأردن لجائزة أوسكار لأفضل فيلم دولي.

وكذلك فيلم “أرض ميتة” الذي تم إنتاجه عام 2019،  من إخراج أمجاد هب الريح، ويروي الفيلم قصة فتحية وآمنة، امرأتين من قرية عانين غرب جنين، فقدتا أرضهما بسبب جدار الفصل العنصري، ويُظهر تأثير ذلك على حياتهما اليومية.

الانتشار والتوزيع:

بدأت السينما الفلسطينية تظهر بشكل أكبر في المهرجانات الدولية، مثل مهرجان كان وبرلين وفينيسيا، حيث تحصلت بعض الأفلام على جوائز وتقدير عالمي.

انتشار منصات البث الرقمي مثل نتفليكس وأمازون فتح أمام المبدعين الفلسطينيين فرصًا جديدة لعرض أعمالهم للعالم.

دور قطاع غزة في صناعة السينما:

 تمثل غزة أحد العوامل المحورية في السينما الفلسطينية، رغم الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع. فعلى الرغم من الحصار والحروب المتكررة، إلا أنها تُعد مصدر إلهام وأرضًا خصبة للعديد من القصص التي تُسلط الضوء على صمود الشعب الفلسطيني.

وتُظهر هذه الأفلام تنوعًا في الأساليب السينمائية، من الروائي إلى الوثائقي، وتُعبر عن واقع الحياة الفلسطينية بصدق وواقعية.

إبداع رغم القيود الخانقة

بات قطاع غزة من خلال الأفلام التي تحدثت عنه، مركزًا للفعاليات السينمائية، حيث تم تنظيم مهرجانات محلية ودولية، مثل مهرجان غزة السينمائي، الذي هدف إلى تسليط الضوء على أفلام فلسطينية ودولية.

واستطاع المخرجون الفلسطينيون في الضفة وغزة، خلال السنوات الأخيرة، الاستمرار بالإنتاج السينمائي ونقل الرواية الفلسطينية وتصديرها عالميًا، في محاولة لمحاربة سردية الاحتلال المزيفة، والتي عمل جاهدًا على تصديرها.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة