loading

هل قبرص جزء من رؤية “إسرائيل الكبرى”؟

محمد أبو علان/ خاص بالغراف

بعد الحرب على غزة دار جدل واسع حول تزايد الهجرة المعاكسة من دولة الاحتلال الإسرائيلي على خلفية الحرب على غزة وانعكاساتها على الإقليم كله، في لبنان وسوريا واليمن وإيران والضفة الغربية، تقرير نشرته صحيفة هآرتس العبرية يظهر أن هناك ما يمكن تسميته ب “الهجرة المعاكسة الناعمة” التي تتم بهدوء إلى عدد من دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالتحديد قبرص واليونان.

في هذا السياق كتب أوفري إيلاني مؤرخ ومحاضر وصحفي في صحيفة هآرتس العبرية عن الهجرة المضادة من دولة الاحتلال الإسرائيلي خاصة خلال العامين الأخيرين أعوام الانقلاب القضائي لحكومة نتنياهو والحرب على غزة: “في حين أن التيار الديني القومي اليهودي يستوطن في الضفة الغربية، شيء جديد يحصل خلف الحدود، آلاف اليهود من التيار العلماني يستوطنون في قبرص واليونان وفي دول أخرى من دول حوض البحر الأبيض المتوسط”.

ويروي الصحفي والمؤرخ كاتب التحقيق في هآرتس: سافرت للاستجمام في لارنكا، في طريقي، استمعت إلى مقابلة مع المؤرخ والكاتب أليكس كريستوفي، مؤلف كتاب “قبرص”، كتاب شيق يتناول ماضي وحاضر جزيرة قبرص، صدر عام ٢٠٢٤، للجزيرة المجاورة تاريخ عريق وغني، يزخر ببصمات وثقافات متعددة.

هناك من يتعاملون مع قبرص وكأنها دولة ابنة لليونان، ولكن مؤلف الكتاب كريستوفي يذكر بأن قبرص كانت دائماً دولة تمتاز بالتنوع، وقال: على القبارصة أن يروا قصتهم بأنفسهم بشكل يحتوي مجموعات مختلفة، المسلمون يعيشون في قبرص منذ مئات السنين، وأقليات أخرى أيضاً، الأرمن والموارنة، والروس والأوكرانيين مؤخراً.

وهناك جماعة عرقية أخرى تأخذ بدأت مكانًا متزايدًا بين الهويات العرقية المتنوعة في الجزيرة وهم الإسرائيليون، “يوجد إسرائيليين أكثر وأكثر يعيشون في الجزيرة” قال كريستوفي خلال اللقاء وفي الكتاب، واعتبر الأمر تطور ديموغرافي مفاجئ، الإسرائيليون تحولوا، وليس من وقت قريب إلى جزء من المشهد الإنساني في قبرص.

ما الذي يحدث في حوض البحر الأبيض المتوسط:

إسرائيليون يستوطنون في قبرص واليونان ودول أخرى في حوض البحر الأبيض المتوسط، يشكلون هناك عائلات إسرائيلية صغيرة لكنها بارزة، حسب التقديرات في قبرص اليوم حوالي (15000) إسرائيلي، أكثر من 1% من مجمل عدد السكان، وفي اليونان يعيش قرابة (10000) إسرائيلي، ويعيش كثيرون غيرهم بالتناوب بين إسرائيل وهذه البلدان، هذا التوجه تزايد خلال العامين الماضيين، حيث ترك غالبية الإسرائيلين في هذه المناطق في أعقاب الانقلاب القضائي والحرب.

الهجرة الإسرائيلية يمكن الشعور  بها في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، النادلة في المطعم تسألنا:” أن كنا في سياحة أم جئنا للإقامة هنا؟،” من خلال الحديث مع القبارصة تشعر أن كلهم على علم بظاهرة وجود الإسرائيليين في بلدهم، خلال العقد الماضي، قبل قبرص واليونان كان هناك الكثير من الحديث حول الشتات الإسرائيلي في برلين ومدن أخرى في الغرب، وكان هناك من أعلن العودة إلى الشتات، والعودة إلى شكل الوجود ما قبل الصهيونية، العودة للجذور الاشكنازية، هذا كان لطيف، لكنه مبالغ فيه، وفي واقع الأمر، الهجرة الإسرائيلية إلى هذه الأماكن لا تذكر، وعلى النقيض من ذلك، فإن الوجود الإسرائيلي في قبرص واليونان أكثر وضوحا بكثير من الهجرة إلى برلين، ويمثل ظاهرة قد تكون لها آثار كبيرة على مستقبلنا.

هجرة الإسرائيليين إلى اليونان وقبرص ودول أخرى في حوض البحر الأبيض المتوسط لم تثر جدل ثقافي وفكري كبير، على الرغم من أن اليهود عاشوا بالطبع في اليونان وقبرص أيضًا، ويبدو لي أن أحداً من المستوطنين الإسرائيليين في الجزر اليونانية أو في لارنكا لم يعلن أنه “عاد إلى المنفى”.

يُعتبر هذا التوجه (الهجرة لليونان وقبرص) عمومًا ظاهرة عقارية عادية وانتهازية حسب وصف الكاتب، إذ يصاحبه في نهاية المطاف شراء أصول عقارية على نطاق واسع. وتنتشر إعلانات وكالات العقارات الإسرائيلية العاملة في قبرص واليونان في كل مكان، وعلى طريق أيالون السريع ، وفي الطريق إلى مطار أثينا، واعدةً بـ “شقة خاصة مقابل 90 ألف يورو”.

وتابعت هآرتس: هذه هي السمة الأساسية للاستيطان في قبرص واليونان. هذه ليست محاولة أيديولوجية لإلغاء الصهيونية، بل هي ظاهرة ما بعد الصهيونية، لكنها في الوقت نفسه تُشكل استمرارًا للمشروع الصهيوني لو لم تقم دولة إسرائيل، من الواضح أن اختيار هذه الوجهات يعود لقربها الجغرافي والثقافي من إسرائيل، مما يسمح بالاستمرارية والحركة المتواصلة.

في الوقت الذي فيه القطاع القومي الديني في المجتمع الإسرائيلي يستوطن في الضفة الغربية والجولان، للقطاع العلماني مشروع استعماري في الغرب وفي حوض البحر الأبيض المتوسط، هذا نمطٌ من الشتات يُواصل الاتجاهات السائدة في تاريخ البحر الأبيض المتوسط. في الواقع، اليونانيون أيضًا شعبٌ من الشتات، على مدى آلاف السنوات كانوا موزعين في كل أنحاء بلاد الشام، خارج الحدود الحالية لليونان، في العهد القديم أقاموا تجمعات من البحر الأسود وحتى مرسيليا، وفي قبرص نفسها، وحتى في عهد الدولة اليونانية انتشروا في نقاط عدة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، من الإسكندرية إلى ليفورنو، ولكن ليس اليونانيين فقط، وسكان منطقة الشرق الأدنى استوطنوا آلاف السنوات على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

مع توسّع الاستيطان الإسرائيلي، تبرز أيضًا نقاط احتكاك. حذّر سياسيون قبارصة خلال العام الماضي من “الاستيلاء الإسرائيلي” على الدولة، وانتشرت نظريات على وسائل التواصل الاجتماعي مفادها أن قبرص جزء من رؤية “إسرائيل الكبرى”. وهذا أمر طبيعي تمامًا، لأن رأس المال الإسرائيلي، إلى جانب وكلاء العقارات الروس والصينيين، يُسهم في ارتفاع الأسعار والإيجارات.

تُغذّي الهجرة الإسرائيلية، جزئيًا، الشعور بأن الوجود في إسرائيل أصبح خطيرًا ولا يُطاق. ولكن من المفارقات أن مصير المستوطنات اليهودية في البحر الأبيض المتوسط يعتمد على مستقبل دولة إسرائيل. إذا فشلت إسرائيل في التعايش بتناغم مع الفضاء، فسيتم طرد المستوطنين الإسرائيليين أيضًا من شواطئ البحر الأبيض المتوسط. ولكن إذا استمر هذا التوجه، فقد تكون هذه مرحلة جديدة ومثيرة في تاريخ “الحضارة الإسرائيلية”.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة


جميع حقوق النشر محفوظة - بالغراف © 2025

الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعةحكي مدني