محمد أبو علان/ خاص بالغراف
نقلة كبيرة في عدد العوائق الإسرائيلية في الضفة الغربية بعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، عوائق تراوحت بين مكعبات اسمنتية وبوابات حديدية، وسدات ترابية، وحواجز عسكرية مأهولة على مدار الساعة، وحواجز أخرى مأهولة لساعات، وكلها تهدف للحد من حركة الفلسطينيين في الضفة بدعوى الحفاظ على أمن المستوطنين.
في سياق الحديث عن حجم هذه الحالة في الضفة الغربية كتبت الصحفية الإسرائيلية في هآرتس العبرية عميرة هس تحت عنوان:” الجيش الإسرائيلي يمارس لعبة فاتح- مغلق، ويغلق شرايين الحياة للفلسطينيين في الضفة الغربية”، كم الوقت الذي تستغرقه رحلة شخص من نابلس إلى الخليل؟، تبيّن أن الإجابة على السؤال في الضفة الغربية تعتمد على اليوم، وبساعة الجيش الإسرائيلي وأهوائه، هكذا هو الحال عندما تظهر جميع أنواع الحواجز دون سابق إنذار، وتُعطّل حركة المرور لفترة غير محددة، وقت ضائع للفلسطينيين، يقدر بمئات آلاف الساعات أسبوعياً، هذا الوقت لا يساوي مال فقط، بل حياة أيضاً.
وتابعت عميرة هس: الصديقات دعين للاحتفال بالبشرى الطيبة، نتائج الفحص الطبي للصديقة لينا (لينا اسم مستعار كما هي بقية الأسماء في التقرير)، النتائج سلبية، والسرطان لن يعود، تحدثت المستضيفة عن عملية الفحص التي تم تبكيرها، وعن أسباب ذلك، سيدة أخرى كان يفترض أن تصل للفحص قالت لن تصل بسبب تقطع السبل بها بين الحواجز الإسرائيلية.
في الأصل لينا كانت يفترض أن تجري الفحص نهاية العام إلا أن المستشفى في رام الله أدخلها مرتان في قوائم الانتظار للفحص، من التجربة، إغلاق مفاجئ أو تباطؤ الجنود في إجراءات الفحص والتفتيش على الحاجز، أو اقتحام عسكري لأحد الأحياء أو القرى المجاورة، شخص ما قد لا يصل لإجراء الفحص، في المرّة الأولى لم يكن دور، في المرّة الثانية، وعندما كانت صائمة اتصل فيها المستشفى الساعة التاسعة إلا ربع وطلب منها الحضور فوراً، لينا وزوجها علقا على الاستدعاء الفوري للفحص: “كنا سعداء بالطبع، لكننا تعاطفنا أيضًا مع إحباط وقلق الشخص الذي لا نعرفه، والذي لم يستطع الحضور بسبب الإجراءات والحواجز الإسرائيلية”.
هم يعلمون خطورة فقدان أو تفويت فرصة فحص PET CT وهو من الفحوصات التي أجرتها لينا، في جهاز الفحص في رام الله (واحد من اثنين في الضفة الغربية) يمكن فحص ما بين ثمانية إلى عشرة أشخاص في اليوم الواحد، في الفحص تستخدم مادة مشعة تشترى من إسرائيل، والكمية تصل للمستشفى بشكل يومي وتكفي لفحص عدد الأشخاص المحدد لذلك اليوم حسب قول الطبيب المشرف على لينا، وبما أن غالبية المرضى من خارج رام الله الحواجز ونقاط التفتيش جزء من مكونات القائمة.
الحواجز ونقاط التفتيش في الضفة الغربية:
(877) عائق على الطرقات منتشرة بين الجيوب الفلسطينية في الضفة الغربية في محيط مناطق (أ و ب)، حسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لمراقبة الشؤون الإنسانية (أوتشا)، (220) من العوائق وضعت من أكتوبر 2023، و(28) عائق جديد نشرت ما بين فيراير وحتى سبتمبر هذا العام.
ووفق معطيات الهيئة الفلسطينية لمقاومة الجدار والاستيطان، في الضفة الغربية (911) عائق، (80) منها منذ وضعت منذ مطلع العام الحالي، الفارق القليل في المعطيات الرقمية يعود كثرة عدد العوائق، وسعة انتشارها، والعفوية التي تنشر فيها هذه العوائق، لهذا الجواب عن عدد العوائق يعتمد على اليوم الذي يطرح فيه السؤال.
وتابعت عميرة هس تقريرها عن الحواجز الاحتلالية في الضفة الغربية: على هذه الأعداد من الحواجز يجب إضافة الحواجز المتنقلة(حواجز طيارة بالفلسطيني) التي يتم إضافتها، والتي يتواجد عليها الجنود لساعة أو اثنتين بين القرى الفلسطينية أو على مداخلها، يفتشون كل مركبة، ويفحصون هويات السائقين والركاب الفلسطينيين، وفي أحيان أخرى يصورنهم، ومواقع تلك الحواجز تتبدل، ولكن الممارسات عليها واحدة.
وحسب بيانات دائرة المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية (استناداً إلى تقارير من قوات الأمن الفلسطينية)، تم نصب (495) حاجزاً مفاجئاً خلال شهر سبتمبر/أيلول، نصفها تقريباً في منطقة رام الله ــ كما تم تسجيل عدد مماثل من الحواجز المفاجئة في الأشهر التي سبقت ذلك.
الحواجز المنشرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية ترسم الحدود المصطنعة بين المناطق A وB والتي تبلغ مساحتها قرابة 40% من مساحة الضفة الغربية، كل هذه الحواجز إما تبعد الفلسطينيين أو تحاول الحد من وصولهم للطرق السريعة في الضفة الغربية، والتي في العادة تستخدم من قبل الإسرائيليين، وتؤدي تلك الحواجز لإطالة ساعات السفر وفي حالات أخرى تحد من الحركة، وعدم اليقين العامل الثابت في كل رحلة للفلسطيني.
غياب القوانين الواضحة:
لينا وأثناء انتظارها موعد فحصها التقت بمريضة سرطان شابة من قرية جنوب مدينة نابلس، تلك الفتاة كان بإمكانها تلقي العلاج الكيميائي في مستشفى النجاح الجامعي بنابلس، الذي يبعد حوالي خمس عشرة دقيقة بالسيارة عن منزلها في الأيام العادية. لكن منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، أُغلق المدخل الجنوبي من الطريق الرئيسي المؤدي لمدينة نابلس (حاجز حوارة). بالتالي بات بالنسبة لها الطريق إلى رام الله ليس أقصر، ولكن أقل بطءً.
إن كان حاجز حوارة المشهور مغلق، توجد البوابات الحديدية التي يمارس فيها الجنود الإسرائيلي لعبة “فاتح-مغلق” دون أية قوانين أو قواعد واضحة، بالتالي الأمر كله يعتمد على الاحتمالات، قد تكون البوابة مفتوحة وبدون جنود عليها، الجنود غير موجودين، والبوابة مغلقة، الجنود موجودين والبوابة مفتوحة، وحتى البوابة المفتوحة قد توصلك لبوابة أخرى مغلقة، ونقلت الصحفية الإسرائيلية روايات سائقين من رام الله وطولكرم عن اضطرارهم للسفر عبر طرق ترابية والتفافية من داخل القرى الفلسطينية للوصول لمراكز المدن.
ثمن الزمن المفقود:
وحسب معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) حول الوقت المفقود بسبب العوائق الإسرائيلية أمام الحركة في الضفة الغربية: (191146) ساعة عمل مفقودة يومياً في الضفة الغربية بسبب الحواجز الإسرائيلية، وتكلفة هذا الزمن المفقود حوالي (2.5) مليون شيكل، ما يعني تكلفة تصل ل (55) مليون شيكل في الشهر، وفي موضوع الوقت المستغرق في التأخير في التنقل في الضفة الغربية بالدقائق، سفرة داخلية في محافظة نابلس التأخير يقدر ب (23) دقيقة، سفرة من نابلس لأريحا تقدر ب (43) دقيقة، سفرة من نابلس لوسط الضفة الغربية تصل (60) دقيقة.
وحسب ذات الدراسة التي أرسلت لهآرتس: التكلفة ليست بسبب الانتظار على الحواجز فقط، بل بسبب محاولة الالتفاف عنها، السائقون الذين يحاولون البحث عن طرق التفافية يستهلكون أكثر محروقات، تكلفة الزيادة اليومية حوالي (60) ألف شيكل، وهذا يعني حوالي (20) مليون شيكل في العام، ناهيك عن خسائر أخرى ناتجة عن تراجع في عدد المسافرين، واستهلاك المركبة من حيث العجلات والقطع والميكانيك، واستهلال مزيد من المحروقات في الانتظار على الحواجز.
تكلفة السفر غير متوفرة:
لينا تنقل عن الطبيب المعالج أن مريضه من قرى شمال رام الله توقفت عن الحضور للعلاج، عندما اتصل واستفسر عن سبب غيابها قالت إنها لا تملك ثمن المواصلات العامة، وتفضل أن تبقي القيل الذي لديها من المال لأطفالها، وعندما أرسل لها الطبيب المال للمواصلات لمدة ثلاثة شهور، فضلت أن تنفقها على أطفالها بدلاً من الذهاب للعلاج.
الامتناع عن السفر أو الحد منه قدر الإمكان في الضفة الغربية بات ظاهرة، والعامل الاقتصادي من العوامل التي تقف خلف ذلك، عشرات آلاف العائلات الفلسطينية فقدت مصدر رزقها بعد أن منعت إسرائيل دخول العمال مباشرة بعد السابع من أكتوبر 2023، والسلطة الفلسطينية غير قادرة على دفع رواتب موظفيها والإيفاء بالتزاماتها بسبب قرصنة إسرائيل لأموال الضرائب الفلسطينية، مما نتج عن ذلك تقليص أيام دوام الموظفين وأيام دوام المعلمين في المدارس الحكومية.
ونقلت الصحفية الإسرائيلية أثر الحواجز ونقاط التفتيش الإسرائيلية على حياة الكل الفلسطيني، وعلى كل تفاصيل حياتهم اليومية في الشارع وفي البيت وفي المدرسة وفي كل مكان، وحتى في مكان السكن، شمال الحاجز أم جنوبه، أبو نهاد مواطن فلسطيني عبر عن شكل الحياة في الضفة الغربية بسبب الحواجز معتبراً أن الحل الأسهل له هو الموت، وقال في هذا الإطار:” “عندما يموت شخص بيننا نحن الفلسطينيين- يكون الأمر سهلاً عليه، لقد سهّلتم عليه الأمر، لكننا في حالة حبس دون أن نكون سجناء رسميًا. كل يوم أموت من جديد”.
أشكال العوائق الإسرائيلية في الضفة الغربية:
أشكال العوائق وأدوات إعاقة الحركة كثيرة في الضفة الغربية، قد تكون بلوكات من الباطون، أو تلال وسدات ترابية في وسط الطرق، أو أودية عميقة حفرت وتلال ترابية حولها، وبوابات حديدية منها المغلق بشكل كامل ومنها الاتي، تفتح وتغلق بين الفينة والأخرى، ومنها ما تفتح على الريموت كنترول، ومنها ما يفتح يدوياً، وهناك حواجز مأهولة 24 ساعة، وهناك حواجز تغلق عندما يعود الجنود للمعسكر، وهناك حواجز تفتح لساعات محددة مسبقاً، وأخرى تغلق دون تحديد أسباب، أو “وفقاً لمزاج الجندي” حسب وصف الفلسطينيين.
تحدث تقرير هآرتس عن حاجز الكونتينر الذي يعبره سكان جنوب الضفة الغربية في طريقهم إلى وسط الضفة الغربية، حاجز أي تأخير بسيط عليه، أو ذهاب جندي للحمام أو أكله سندويتش كفيل بخلق أزمة كبيرة، في السابق كان مقبولاً بعد عدة أسابيع من الضغط يقوم الجيش بتخفيف إجراءات الحركة والتنقل، اليوم التوجه العام التشدد في الإجراءات.
وعن المعطيات الرقمية حول الحواجز ذكر تقرير هآرتس: في شهر أيار 2025 كان في الضفة الغربية (94) حاجزاً مشغولة على مدار الساعة، و (153) حاجز كانت مشغولة لعدة ساعات في اليوم، ومن بين (223) بوابة منتشرة في الضفة الغربية (127) منها كانت مغلقة خلال شهر أيلول/سبتمبر، وهذه البوابات ليست نقاط إغلاق فقط، بل على كل واحدة منها كاميرة مراقبة، لتصوير الوجوه ولوحات الترخيص.
داليا مواطنة فلسطينية قالت في وصف العوائق الإسرائيلية في الضفة الغربية: “نتنقل بين الشعور بالاختناق داخل كل جيب من الجيوب المغلقة والمحاطة بنقاط التفتيش والحواجز والمواقع العسكرية والبؤر الاستيطانية والمستوطنات، وبين الوعي بأننا نخضع للمراقبة المستمرة”.
وعن موقف الجيش الإسرائيلي نقلت الصحفية الإسرائيلية: الناطق باسم الجيش الإسرائيلي رفض الإجابة عن سؤال حول عدد البوابات الحديدية في الضفة الغربية، وعن المستوى العسكري الذي يقرر متى تفتح ومتى تغلق هذه البوابات، ولا عن المستوى العسكري الذي يحدد متى يفتح الجنود الحاجز ومتى يغلقونه، ولا على سؤال أن كانت العوائق في الضفة الغربية لتسهيل حركة الإسرائيليين.
وقال: القرارات بنشر حواجز أو فتح بوابات أو إغلاقها مرتبطة بتقدير موقف عملياتي، وبالواقع الأمني، وادعى أن نشر الحواجز يهدف للسيطرة العملياتية على المنطقة وتوفير الأمن فيها، وتستخدم وسائل تكنولوجية تتلائم مع القانون الدولي، وساعدت في منع عشرات العمليات، وفي بعض الحالات يفضل استخدام الحواجز.




