محمد عبد الله
وثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان واحدة من أبشع الجرائم التي تُرتكب بحق الإنسان وكرامته في العصر الحديث، من خلال شهادات لمعتقلين فلسطينيين من قطاع غزة أُفرج عنهم مؤخرًا، تكشف عن ممارساتٍ منهجية للتعذيب والعنف الجنسي في السجون والمعسكرات الإسرائيلية، تشمل الاغتصاب، التعرية، التصوير القسري، الاعتداء بالأدوات والكلاب، والإذلال النفسي المتعمد.
وأكد المركز في تقرير صدي عنه، أن هذه الانتهاكات ليست حوادث فردية، بل سياسة منظمة تُمارس في سياق جريمة الإبادة الجماعية المستمرة بحق سكان القطاع، الذين يُحتجز الآلاف منهم في أماكن مغلقة أمام الرقابة الدولية، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وفي واحدة من أبشع الشهادات التي وثقها المركز، روت المعتقلة الفلسطينية ن. أ.، وهي أم تبلغ من العمر 42 عامًا من شمال قطاع غزة، تفاصيل مروّعة عما تعرضت له داخل أحد مراكز الاحتجاز الإسرائيلية بعد اعتقالها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أثناء مرورها من أحد الحواجز في شمال قطاع غزة.
تقول ن. أ. إنها تعرضت للاغتصاب المتكرر، والتعرية، والتصوير القسري، والصعق بالكهرباء، والضرب المبرح، وسط سيلٍ من الشتائم والإهانات.
شهادتها، كما وثقها المركز، تكشف جانبًا مظلمًا من ممارسات التعذيب والعنف الجنسي الممنهج الذي تتعرض له المعتقلات الفلسطينيات، في مشهدٍ يختزل حجم الانتهاكات التي تُمارس خلف الأسوار المغلقة أمام الرقابة الدولية.
وفي إفادتها المفصلة لطاقم المركز، أوضحت ن. أ. أنها تعرضت للاغتصاب أربع مرات على يد جنود إسرائيليين خلال ثلاثة أيام من احتجازها، إلى جانب الضرب المبرح، والتهديد بنشر صورها، وإجبارها على البقاء عارية لفترات طويلة.
وتقول إنها تمنّت الموت في كل لحظة من شدة الألم والإهانة، مشيرة إلى أن الجنود كانوا يتناوبون على اغتصابها والتصوير والضحك أثناء ذلك.
ولم تتوقف الجرائم عند النساء؛ إذ وثّق المركز شهادات مماثلة لرجال تعرضوا لتعذيبٍ جنسي في سجون الاحتلال.
فقد اعتُقل أ. أ.، وهو أب فلسطيني يبلغ من العمر 35 عامًا، من داخل مستشفى الشفاء بمدينة غزة في مارس/آذار 2024. وخلال 19 شهرًا من الاعتقال، تعرض لأقسى أنواع الإهانة الجسدية والنفسية، من التعرية والضرب إلى التهديد باغتصابه واغتصاب عائلته.
وأفاد بأنه جرى اغتصابه من قبل كلب مدرب داخل معتقل “سدي تيمان” العسكري، بعد أن جُرّد من ملابسه وأُخضع للضرب ورشّ غاز الفلفل، ما أدى لإصابته بجروح ورضوض وكسر في القفص الصدري، إلى جانب صدمة نفسية عميقة.
وفي شهادة أخرى، تحدث ت. ق.، وهو أب فلسطيني يبلغ من العمر 41 عامًا، اعتُقل في ديسمبر/كانون الأول 2023 أثناء نزوحه في مستشفى كمال عدوان، عن تعرّضه للتعذيب الجنسي خلال 22 شهرًا من الاحتجاز، تخللتها شتائم نابية وتهديدات بإحضار زوجته واغتصابها.
وأوضح أنه جرى اغتصابه بقطعة خشبية أُدخلت بعنف في فتحة الشرج، ثم أُجبر على لحسها تحت الضرب، ما أدى إلى نزيف وإغماء قبل تدخل إحدى الضابطات لوقف الاعتداء مؤقتًا.
أما الشاب م. أ. (18 عامًا)، فأفاد بأنه تعرّض لاعتداء جنسي وحشي بعد إعادة اعتقاله قرب أحد مراكز توزيع المساعدات في غزة هذا العام، حيث أُجبر هو وعدد من المعتقلين على الجلوس على ركبهم بينما كان الجنود يغتصبونهم بزجاجات تُدخل قسرًا في أجسادهم، وسط صرخاتهم واستغاثاتهم.
وقال م. أ.: “انتهكوا كرامتنا وحطموا نفسيتنا وأملنا في الحياة، كنت أتمنى أن أكمل تعليمي، والآن أصبحت تائهًا بعد ما حصل معي.”
يذكر أن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان كان قد أصدر في مايو/أيار 2025 تقريرًا مفصلًا استند إلى شهادات 100 معتقل أُفرج عنهم، كشف عن أساليب تعذيب وحشية ومعاملة مهينة داخل السجون والمعسكرات الإسرائيلية، خلص إلى أن هذه الممارسات لا تندرج فقط ضمن جرائم التعذيب بموجب القانون الدولي، بل ترقى إلى جرائم إبادة جماعية من خلال التسبب المتعمد بأذى جسدي ونفسي جسيم وفرض ظروف معيشية تهدف لتدمير الفلسطينيين جزئيًا أو كليًا.
وفي ضوء هذه الانتهاكات الخطيرة، دعا المركز المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والدول المصادقة على اتفاقيتي مناهضة التعذيب ومنع الإبادة الجماعية، إلى التحرك العاجل لوقف سياسة التعذيب الممنهج والإخفاء القسري، والضغط على إسرائيل للإفراج عن المعتقلين المحتجزين تعسفًا، والكشف عن مصير المخفيين قسرًا، وتمكين الصليب الأحمر من الوصول إلى جميع أماكن الاحتجاز.
كما حذر من خطر الموت الذي يتهدد آلاف المعتقلين الفلسطينيين عقب إقرار الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يجيز تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الأسرى، في ظل انتزاع اعترافات قسرية منهم تحت التعذيب.
ودعا المركز في ختام بيانه إلى توفير رعاية طبية ونفسية عاجلة للضحايا والناجين من التعذيب، وضمان سرية هوياتهم وسلامتهم، مؤكدًا مواصلته توثيق هذه الجرائم وتقديم الأدلة إلى الآليات الأممية والمحكمة الجنائية الدولية لضمان المساءلة وإنصاف الضحايا ومنع الإفلات من العقاب.




