جيفارا سمارة
في أغلب حالات الطلاق في مجتمعنا، ينتهي الحال بالمطلقة الحاضنة (الأم) في منزل ذويها إلى أن يلزم الزوج المطلق بإيجاد مسكن في إطار النفقة، وفي حالات لا تخرج الأم الحاضن من منزل ذويها، إلى أن تغير الحال قبل فترة قصيرة.
وفي التفاصيل لجأت الأم التي طلقت إلى القضاء الشرعي بدعوى طلبت بموجبها أن تبقى هي في المنزل التي كانت تسكنه وأولادها مع الزوج قبل الطلاق الدائم، ليعترض الرجل على الدعوى المقدمة على أساس أنها ليست من صلاحيات المحكمة الشرعية، وإنما من صلاحيات المحاكم النظامية، بعد ان أصدرت المحكمة الشرعية حكمًا يقضي بحصول الأم الحاضن على حق البقاء في المنزل.
الرجل استأنف الحكم أمام المحكمة العليا، التي ردت الدعوى بالقول إن قرار المحكمة الشرعية نافذ، وأن الحكم من صلاحياتها.
وتقول رئيسة النيابة الشرعية القاضي ريم الشنطي لـ”بالغراف”: “إن هذه الحالة الأولى، ولكنها حتمًا لن تكون الأخيرة بل سيترجم هذا لاحقًا إلى نصوص قانونية تضمن للأمهات الخاضنات ولأطفالهن الأمان، وهذا قرار له أثر مهم جدًا ذات أبعاد أهمها البعد الاجتماعي والشرعي الضامن أن لا يتشتت الأطفال ويتسبب الطلاق في ضياعهم”.
وتشير الشنطي إلى أن هذا القرار مخصص للأمهات الحاضنات، أي أن منزل الزوجية السابق فقط يشمل المطلقة الحاضنة، ما عدا ذلك كأن تكون الحاضنة الجدة من جهة الأم يشملها القرار بل يلزم الرجل بإيجاد مسكن تتوفر فيه كل الشروط المطلوبة.
وتؤكد رئيسة النيابة الشرعية أن في حالات كثيرة كان خروج المطلقة الحاضن يتسبب بمتاعب ومشاكل جمة لها ولأولادها إلى حين أن يتم إيجاد مسكن ملائم ولكن هذا القرار سيمنع كل ذلك، لافتة إلى أنه إذا وفر الرجل مسكن تتوافر فيه كل الشروط المطلوبة، يمكن أن تنتقل إليه المطلقة الحاضن لاحقًا.
وتشير أرقام الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن عدد حالات الطلاق المسجلة في فلسطين في عام (2022) بلغت 9,564 حالة، في حين أن عدد عقود الزواج المسجلة في العام ذاته 43,430 عقدًا.
وتفيد تقار أممية مثل تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA فلسطين (تم إصدار تقرير في يوليو 2024)، وتقرير اليونيسف 2024 عن الحالة الإنسانية في فلسطين، إضافة الى أن أبحاث اجتماعية منشورة في مجلات جامعية فلسطينية تتناول أسباب الطلاق، وأوراق بحثية أخرى إلى أن الزواج المبكّر أو فرق في المستوى التعليمي يزيد من احتمالات الطلاق لاحقًا؛ كذلك الفجوة التعليمية بين الزوجين قد تؤدي لصراع مصالح وقيم.
إضافة الى مشاكل أخرى مثل حالات التوتر المزمن والتالي من أبرزها أسبابها (الاحتلال، الوضع السياسي، الصدمات الناتجة عن النزاع) تخلق بيئة ضغط تزيد من احتمال تفكك الأسرة. بعض الدراسات المحلية تذكر الأثر النفسي والاجتماعي كعامل مهم، والضغوط الاقتصادية (فقر، بطالة، عدم قدرة على تأمين مسكن مستقل) تُعدّ من أهم العوامل المؤدية إلى التوتر الزوجي والطلاق؛ أظهرت دراسات أن الطلاق يرتفع في الفترات الاقتصادية الصعبة.
هذا السبب يزداد وضوحًا في سياق النزاع والدمار (غزة).
وتطرقت الدراسات إلى مسببات أخرى كضعف المعرفة بمقتضيات الزواج والحقوق الشرعية يؤدي إلى خلافات في مسائل النفقة، الحضانة، وغيرها ـ تُذكر في بعض الدراسات كمسبب اجتماعي، واختلاف العادات والتقاليد بين طرفي الزواج (خاصة في حالات زواج من محافظات مختلفة) أحيانًا يؤدي إلى صراعات وقيم متضاربة تساهم في الطلاق.
إضافة إلى أن كثير من الأزواج يفتقرون إلى مهارات التفاهم، التفاوض، وإدارة الخلافات، ما يجعل المشكلات الصغيرة تتصاعد إلى طلاق. هذا سبب متكرر في الدراسات الميدانية، وتدخّل الأهل (التدخل العائلي السلبي)، والعنف الأسري أو سلوكيات إدمانية أو عنيفة لدى أحد الطرفين تظهر في دراسات عديدة كعوامل مباشرة تسبب الانفصال.
ويقول الاستاذ جامعي في الفقه والتفسير والمحامي شرعي وعضو هيئة موقع فتوى- جامعة النجاح د.سعيد إبراهيم دويكات: أن هنالك حالة أصبحت ملاحظة نتيجة ما نسمع عنه ونراه بشكل متكرر من قبل بعض الفتيات وهي أن تعقد (عقد زواج دون الدخول) قبل إتمام مراسم الزواج لفترة قصيرة، تطلب الانفصال لأعذار واهية، فعندما يطلب منها أن تعيد ما أخذته، ترفض فالواضح أنها تكون من البداية لا تريده ولكن تريد أمواله، دون أن تلقي بالًا لخسارئه النفسية والمادية.
ويضيف: فيأتي ذويها لدعم موقفها والمطالبة بحقوقها، ولكن أي حقوق إذا كانت هي من طلبت الانفصال دون دخول، فالشرع ينص أن عليها أن تعيد له أمواله، فلو كان العكس على الشاب ان بعطي الفتاة حقها الشرعي فإذا لم يكن هناك دخول تأخذ نصف المهر، وإذا كان هناك خلوة ودخول يدفع كامل المهر، لكن إن قررت هي الانفصال لا يحق لها أن يدفع هو ثمن الإنفصال شرعًا وقانونًا.
ويستشهد دويكات بحادثة حصلت أيام النبي محمد (ص) عندما جاءت جميلة بنت أبي اليه، تريد خلع زوجها وهي لا تعيب عليه خلقًا ولا دين، فردت عليه حديقته (أي ما دفعه لها مهر للزواج)، وطلقها وهي حالة فيها دخول، ولكن أن يجد الرجل نفسه بلا زوجة ولا أموال هذا ظلم، مستغربًا من طلب شقاق ونزاع في الخطوبة.
ويؤكد دويكات أن أي أموال تؤخذ عندما تطلب الفتاة الانفصال دون دخول هي حرام شرعًا، لافتًا إلى أنه أحيانًا يعد خلوة على شكل فخ لتحصيل الأموال، وهناك من يقع بها من الشباب بتواطؤ أهل الفتاة.
ويشير إلى أن الأفضل هو خطوبة دون عقد شهر أو شهرين بإشهار مع جاهة من أجل التعارف فقط لا غير مع كامل شروط الحشمة بحجاب وانضباط كامل ومراعاة القواعد الشرعية الضامنة لعدم حدوث أي حرام، وبعدها تتم الأمور بالشكل السليم.




