كتبت حلا خلايلة
عين الحقيقة لن تنطفئ ولن يطفئها الاحتلال، وثق بكاميراته أحداث جمه، وكان عين الجمهور التي تصور الحقيقة، فقأوا عينه ولن يتمكنوا من عزيمته وإصراره، المصور الفلسطيني معاذ عمارنة فقد عينه اليسرى خلال تغطيته الأحداث والمواجهات في بلدة صوريف في مدينة الخليل عام ٢٠١٩، ويواصل تغطيته الصحفية بالعين الأخرى.
لن تندفن الحقيقة مهما حاول الاحتلال، وان استهدفوا بصر الصحفي معاذ فلن ينالوا من بصيرته الثاقبة، في اليوم العالمي لحرية الصحافة، سنسلط الضوء على قصة عمارنة وكيف استكمل حياته وممارسته في نقل الخبر رغم فقدان عينه اليسرى.
معاذ عين الحقيقة..
معاذ عمارنة مصور صحفي فلسطيني، ٣٤ عاماً، أب لثلاثة أطفال، أصله من قرية رأس أبو عمار قضاء القدس، سكان مخيم الدهيشة في مدينة بيت لحم، يمارس عمله منذ ١٣ عاما في الميدان، عن إصابته واستهداف قناصة الاحتلال له يقول عمارنة:” في الخامس عشر من تشرين الثاني لعام ٢٠١٩ كنت أصور اعتصام لأهالي قرية صوريف ضد مصادرة أراضيهم، وحصل قمع عنيف ووحشي، وكان هناك استهداف واضح من خلال معاملة الاحتلال للصحفيين بطريقة سيئة، خاصة وأنه سبقه أسبوع حافل من الاعتداءات للصحفيين”.
ويكمل عمارنة:” تمت إصابتي من خلال قناص واستهدافي بعيني اليسرى، برصاص الروجر المحرم دولياً، وعلى إثر هذه الإصابة فقدت عيني اليسرى بشكل كامل، ولا زالت الرصاصة موجودة في رأسي في آخر مجرى العين على جدار الدماغ، ولن يستطيعوا الأطباء إزالتها لخطورة المكان الموجودة فيه والتي تشكل خطر على الحياة، ووجودها أخف ضرراً من إزالتها”.
على الرغم من صعوبة الإصابة، وعلى الرغم من وجود الرصاصة التي لا زالت تشكل خطراً على حياة عمارنة، لن تمنعه من الاستمرارية في نقل الحقيقة والصورة، لم تمنعه رصاصات الاحتلال من نقل الصورة التي كانت عدوهم الأول والسلاح الموضوع أمام فوّهة بنادقهم والصوت المسموع الذي لا يمكنهم اسكاته.
عزيمة وإصرار
انتهاك الصحفيين من قبل الاحتلال لا زال مستمرا، لن يحترم قانون ولا حرية صحافة، فاستهداف الاحتلال المباشر للصحفيين عن قصد هو انتهاك لحرية الصحافة العالمية وتعدي على القوانين، حينما استهدف الاحتلال عمارنة استهدفه كصحفي على الرغم من لباسه وكاميرته فهو لن يأبه لذلك فاستهدفه كمصور لا كمعاذ.
يحاول الاحتلال باعتدائه المستمر على الصحفيين أن يرعبهم ويحجب صورتهم ويردعهم، ظانين أن محاولتهم هذه قد تحبط معنويات الصحفيين وتجعلهم يفكرون بمستقبلهم قبل نقل أي صورة وأن يتراجعوا عن نقل الحقيقة والصورة التي هي شوكة في حلق الاحتلال.
وعن استمرارية حياته رغم فقدان عينه يتابع عمارنة:” أن أكمل حياتي هو تحدي للاحتلال أنه مهما فعل ومهما اعتدى لن يمنعنا من ايقافنا عن أداء رسالتنا التي نقوم بها تجاه بلدنا وشعبنا، عملنا في الاعلام هو رسالة نوصلها لكل العالم لنوضح جرائم الاحتلال ضدنا، واتمامي لمسيرتي المهنية رغم فقدان عيني كان رسالة لزملائي أنه مهما حصل لن نكف عن رسالتنا التي خلقنا لأجلها وكي لا أكون سبباً لأن يقف زملائي عن العمل”.
رغم صعوبة المرحلة وقف معاذ على قدميه من جديد وحمل كاميرته واستمر برسالته، بعد وصوله لمرحلة لا تراجع فيها، فقدانه لعينه اليسرى لم يقف عائقاً أمام وظيفته ومسيرته المهنية.
تغطيته في الأقصى
شهد المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك اعتداء من قبل قوات الاحتلال، حيث استهدف الاحتلال المصليات بالقنابل والرصاص المطاطي، عقب تأمينهم لاقتحامات المستوطنين في ما يسمى عيد الفصح اليهودي.
وفيما حدث في المسجد الأقصى من انتهاك وجرائم تتعدى المعايير الانسانية يقول عمارنة عن تغطيته للأحداث هناك:” ما حدث هناك من اعتداء على المصلين والمعتكفين زرع في داخلي ضرورة ايصال رسالة وصوت الناس من خلال عدسة كاميرتي ومن خلال وجودي في المكان كان من واجبي أن أوصل الرسالة التي أحملها”.
ويكمل حديثه:” رسالة التحدي التي أحملها بعد إصابتهم لي، التي ظن الاحتلال أنهم قد أنهوني كصحفي فلسطيني بعد فقدان عيني، الرسالة التي أحملها للاحتلال أنه مهما فعلت لن توقف صوتي كصحفي وصوت الفلسطيني الذي أصبح شاهدا هو وكاميرته على جرائمك ضد الفلسطينيين”.
اليوم العالمي لحرية الصحافة
يعد الثالث من أيار اليوم العالمي لحرية الصحافة، اليوم الذي يذكر الحكومات بضرورة احترام هذه الحرية، حيث يعد يوماً يسلط الضوء على الوسائل الاعلامية التي تقمع وتحرم من حقها بممارسة الصحافة، عمارنة لا يعد الصحفي الفلسطيني الوحيد الذي تعرض لاعتداء واستهداف مباشر من قبل الاحتلال.
ولا زالت سياسة الاحتلال الممنهجة في إخراس الصحافة وجرائمه بحق الصحفيين والمؤسسات الصحفية مستمرة دون محاسبة، التي تصل إلى مرحلة تصفية جسدية للصحفيين وتعمد إصابتهم بالرصاص الحي والمطاطي، واعتقالهم والاعتداء عليهم ومصادرة معداتهم ومنع البعض منهم من السفر والتنقل.
أكدت نقابة الصحفيين أن الاحتلال الإسرائيلي هو الخطر الحقيقي على حياة الصحفيين الفلسطينيين وحرية الصحافة بما يمارسه من جرائم قتل وإطلاق نار واعتقالات وقمع واعتداءات ومنع حرية الحركة والتنقل، والتي وصلت الى أكثر من 800 انتهاكا خلال العام الماضي، وما يقارب من 360 انتهاكًا وجريمةً منذ بداية العام الحالي، مطالبين المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بالعمل بإجراءات حقيقية لتوفير الحماية للصحفيين الفلسطينيين.