سامي الشامي
أنا محمود الدبعي فليأت الحصار، فصل جديد من فصول معجزات جنين، خمس ساعات طوال يقاتل جيشاً، جنوداً ورصاص، جرافات وصواريخ، حتى نفذت ذخيرته، لا مبالغة إن قلنا، وبحسب مصادر من جنين، بأن اقتحام حي الهدف وحصار منزل عائلة الدبعي فيه، استغرق خمس ساعات، إلى أن انتهت العملية العسكرية العنيفة من أجل اعتقال المطارد الشاب محمود الدبعي (20 عاما).
خمس ساعات من إطلاق النار والصواريخ، واستخدام عائلة الدبعي درعا بشريا من أجل الضغط على محمود لتسليم نفسه ليتم اعتقاله كونه مطلوب كما يدّعي الاحتلال، عدا عن الاشتباكات العنيفة المتواصلة في محيط الاقتحام ومنطقتي مخيم جنين ووادي برقين بالمدينة.
يعي جيش الاحتلال أن اقتحام مدينة جنين ومخيمها وأحيائها ليس بالأمر السهل، ويحاول أن ينجز دوما مهمته بأسرع وقت ممكن كي لا يعرض حياة جنوده للخطر وهو ما فشل فيه خلال الاقتحام اليوم الجمعة، حيث تمكن المقاتلون من إبقاء قوات الاحتلال لوقت طويل داخل المخيم تزامنا مع الاشتباكات العنيفة خلال تصديهم للاقتحام، هو ما أسفر عن مقتل جندي من وحدة اليمام بحسب ما أعلنته المصادر العبرية.
ويتضح وفق المعطيات من جنين، بأن كل هذه العملية جاءت فقط لاعتقال أحد المطاردين من كتيبة جنين وهو محمود الدبعي، ولا مبالغة في القول بأن عملية محاصرته التي تخللها اشتباك مباشر بينه وبين جنود الاحتلال لنحو خمس ساعات متواصلة أصيب جنود الاحتلال خلالها بالذعر والخوف وكان واضحا عليهم محاولتهم إنهاء المهمة بأسرع وقت ممكن.
في حديث خاص لـ”بال غراف”، مع والد الأسير محمود الدبعي أوضح بأن عائلته استفاقت من النوم على صوت انفجار خارج المنزل، حيث اعتقد والد محمود بأن جيش الاحتلال فجر باب المنزل لاقتحامه، لكنه لم يكن كذلك، ومن داخل المنزل بدأ يسأل بصوت مرتفع عن هوية المتواجدين خارج المنزل، ليجيبه الجنود بمطالبة كامل المتواجدين داخل المنزل بالخروج إلى خارج المنزل.
يضيف: “بعد خروجنا قام جنود الاحتلال بتفتيشي وتقييدي واستجوابي ميدانيا وسألوني عن تواجد محمود فأجبتهم بأنه ليس في البيت ولا علم لي عن مكان تواجده، وحدثت بيني وبينهم مشادة كلامية، وخلال تحقيقهم معي اندلع اشتباك مسلح بين جنود الاحتلال ومحمود، وفي كل طلقة رصاص تخرج من المنزل كانت الجنود يمطرون المنزل بالنيران الثقيلة حتى أنهم أطلقوا عليه صواريخ تسبب بدمار كبير في المنزل”.
يقع منزل عائلة الدبعي في حي الهدف على أطرف مخيم جنين، وهو منزل مكون من طابقين كل طابق فيه شقتين، تعيش فيه عائلة محمود وعائلة جده بالطابق الأرضي وعائلتي عمّيه في الشقتين بالطابق العلوي، يقول والد محمود: “كل المنزل كان مستهدفا من قبل جنود الاحتلال ولم يتركوا نافذة إلا أطلقوا تجاهها النار بكثافة”.
خلال الاشتباك كان بين فترة وأخرى يعطي جنود الاحتلال هاتفا لوالد محمود، حيث كان المتحدث معه ضابط من مخابرات الاحتلال، يطالبه بتسليم نجله حيث قال في إحدى المكالمات: “حرام عليك بدك ابنك يستشهد مثل جميل العموري”. لكن والد محمود كان ينفي علمه بتواجده داخل المنزل.
استمر الاشتباك مع قوات الاحتلال لساعات، عدا عن اشتباكات عنيفة أخرى كانت تدور في عدة مناطق بجنين، لكن ما أوقف اشتباك محمود مع جنود الاحتلال هو نفاذ ذخيرته، واستخدام جيش الاحتلال لوالده ووالدته وجدته درعا بشريا من أجل الضغط على محمود لتسليم نفسه، إلى أن تم اعتقاله ومن ثم بدأت عملية انسحاب قوات الاحتلال من حي الهدف بمخيم جنين.
يقول والده: “جيش الاحتلال استخدمنا درعا بشريا، وأحد الجنود وضع بندقيته على كتفي خلال محاصرة محمود، لم يكن محمود ينوي أن يسلم نفسه لولا نفاذ ذخيرته، واستخدامنا كدروع بشرية من أجل الضغط عليه”.
يصف والد محمود ما جرى في منزله ومحيطه بساحة الحرب، حيث رأى جنود الاحتلال وهم يطلقون الصواريخ تجاه الشقق السكنية التي يعيشون فيها، وقد أحدث ذلك دمارا كبيرا في كافة الشقق وتهدمت جدرانها واشتعلت النيران فيها بشكل كامل.
خلال الاقتحام والاشتباكات التي استمرت طويلا هاجم أحد الجنود والد محمود وصرخ في وجهه: “إحنا طولنا هون.. خلي محمود يطلع”، حيث يقول الدبعي لـ”بال غراف”: “كنت أشعر أنهم يترجون بي من أجل إقناع محمود بتسليم نفسه”.
محمود هو شاب يبلغ من العمر عشرين عام حيث ولد في شهر آب عام 2002 بعد اجتياح مخيم جنين بأربعة شهور، يلقبه أصحابه ويعرفونه باسم “الاكبس”، لا معنى لهذا اللقب وفق والده، ولكنه يقترن دائما بكثير الحركة، منذ صغره نعرف صفاته جيدا التي أبرزها بأنه عنيد وشرس صاحب عزة نفس وكبرياء، اعتقل لدى الاحتلال سابقا، وطُلب سابقا لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية لكنه لم يكن يذهب.
وعلى الرغم من تدمير المنازل وحرقها، واعتقال محمود بعد عملية عسكرية طويلة، يقول والد محمود الدبعي: “مهما فعل الاحتلال لن يثنينا عن مسيرتنا الجهادية ولن يثني المقاومة، نحن نؤمن بأننا في أرض رباط وسنبقى نقاوم ونقاتل حتى دحر الاحتلال عن أرضنا”.