هيئة التحرير
“دع الوحش ينام حتى تصبح مستعدًا”، كما يبدو فإن هذا شعار حماس الذي اعتمدته في قتالها مع الاحتلال، كما تذكر صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، فقد اعترفت القيادة العسكرية الإسرائيلية على مضض بسمة أساسية لدى المقاومة، وهي أن حماس عرفت كيف تنتظر الوقت المناسب.
وذكرت صحيفة فايننشال تايمز أمثلة على هذه المقاربة، فمثلًا، في عام 2018، نشرت حماس صورًا لجنود إسرائيليين في مرمى قناصتها، ومع ذلك لم يتم إطلاق النار على الجنود رغم قيام الاحتلال بالهجوم على المتظاهرين عند السياج الحدودي.
فيما أظهر مقطع فيديو آخر مقاومين وهم يدمرون حافلة عسكرية بصاروخ كورنيت، ولكن بعد نزول الجنود وأخذ السائق استراحة لتدخين السجائر.
وفسرت “إسرائيل” ضبط النفس لدى المقاومة على أنه تم ردع حماس، إلا أنه بحسب ما كتبت الصحيفة فإن القسام كان ينتظر جر “إسرائيل” إلى المعركة في الوقت الذي يختاره.
وكان السابع من أكتوبر\تشرين الأول، التاريخ الذي اعتمدته المقاومة، حينما اجتاحت مستوطنات غلاف غزة والمواقع العسكرية الإسرائيلية في عملية طوفان الأقصى، وأحدثت أكبر ضربة تعرضت لها إسرائيل منذ إنشائها.
شن الاحتلال هجومًا شرسًا على قطاع غزة جويًا، ولكنه لم يبدأ الاجتياح البري إلا متأخرًا وبشكلٍ محدود جدًا، وذكرت المختصة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ديفورا مارغولين أنه مع دخول جيش الاحتلال غزة، فإن حماس تتمتع بميزة أكبر، وهم “جاهزون”.
وفي أغسطس/آب الماضي، حذر اللواء يتسحاق بريك، المفوض السابق لجيش الاحتلال، من أن إسرائيل “ليست مستعدة للحرب”، ولم يخض جنودها معركة برية كبرى منذ عام 2014، وكان كبار الضباط منشغلين بالتهديدات المحتملة من إيران، وليس من المنطقة المجاورة مباشرة.
وفي الوقت نفسه، قال مسؤولون عسكريون ومحللون إن حماس أصبحت أقوى عسكريا منذ 2008-2009، عندما واجهت لأول مرة هجومًا بريًا إسرائيليًا، وحتى في ذلك الحين، أرسلت كتائب القسام، 16 ألف مقاوم إلى جانب 2000 مقاتل متخصص. والآن، وفقًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن لدى حماس ما يصل إلى 40 ألف مقاتل من النخبة، وترسانة من الطائرات بدون طيار وحوالي 30 ألف صاروخ.
وأطلق القسام 8500 صاروخ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما أدى إلى استنفاد صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية واضطرار الولايات المتحدة إلى استبدالها بالطائرات. وقال إميل حكيم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، إن “حماس تعرف تضاريسها المنطقة جيدًا وستدافع عنها بشراسة وببراعة”.
وقد أظهر المقاومون خلال عملية طوفان الأقصى، بناء على ما ذكرته صحيفة فايننشال تايمز، قدرتهم على تنفيذ عملية منسقة بإحكام شارك فيها ما لا يقل عن 1500 مقاتل هاجموا الاحتلال من البر والجو والبحر، تحت غطاء وابل من 3000 صاروخ كادت أن تطغى على نظام القبة الحديدية.
وفي غزة، قامت حماس بحفر شبكة عملاقة من الأنفاق العميقة المضادة للقنابل، وزودتها بالمؤن اللازمة، وقال القيادي في حركة حماس علي بركة، لصحيفة فايننشال تايمز الأسبوع الماضي: “لقد كنا مستعدين لهجوم بري منذ ما قبل بدء هجومنا”. وأضاف أن لحماس “بعض المفاجآت للعدو”، و”نحن قادرون على مواجهة حرب المدن بسهولة أكبر من الحرب الجوية – لا مجال للمقارنة”.
فيما أكدت الصحيفة أن المقاومة تمكنت من تحسين جودة أسلحتها بشكل مطرد، إذ قامت بتهريب المكونات اللازمة لتحويل الصواريخ غير الدقيقة إلى أسلحة دقيقة موجهة، وحتى صنع طائرة بدون طيار تحت الماء. ووفقًا لحماس، فإن الحركة تصنع الآن صواريخ مضادة للطائرات من طراز “متبر- 1” محمولة على الكتف، والتي تقول إنها قادرة على تدمير المروحيات الإسرائيلية، وقذيفة “الياسين” المضادة للدبابات، القادرة على اختراق دروع دبابات الميركافا الإسرائيلية.
وتضيف الفايننشال تايمز أن حماس طورت أسلوبًا لحرب المدن مشروطًا بحاجتها إلى مواجهة التفوق التكنولوجي والجوي لإسرائيل من خلال تحويل المعركة إلى قتال شوارع شجاع. كما فعلت الفيتكونغ في فيتنام، إذ حولت حماس غزة إلى حصن من المتاريس والثقوب – بما في ذلك شبكة من الأنفاق بطول 400 كيلومتر تمكّن المقاومون من الاحتماء أثناء الضربات الجوية واستخدامها لمهاجمة جيش الاحتلال من الخلف.
ومع بدء محاولات الاحتلال للتوغل في غزة فمن المرجح أن تحاول حماس استخدام الكمائن فوق الأرض والضربات السريعة والقنابل المموهة لإرهاق جيش الاحتياط وإغراقه في قتال الشوارع. وقال بلال صعب، زميل مشارك في مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن، إن “نهج حماس يدور في الغالب حول إلحاق الضرر باستخدام مزيج من القوات الهجينة والتقليدية”، مضيفًا أن العمليات لا مركزية إلى حد كبير، “وهناك نوع من البنية العسكرية الخلوية، حيث تعمل كل وحدة بمفردها”.
وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين، إن “إسرائيل” لم تكن قادرة على التنبؤ بطوفان الأقصى لأنها كانت تستمع إلى “الخطوط الهاتفية الخاطئة”. وفي الوقت نفسه، تم تبادل المعلومات العسكرية الحاسمة إما عبر هذا النظام “التناظري”، أو نظام مشفر آخر، لم يكن معروفًا لإسرائيل.