loading

أمينة أبو زنيد: أهدتها الطبيعة صدفة فحولتها لمشروع غذائي مستدام

تسنيم دراويش

في غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 12 مترًا داخل منزلها، بدأت أمينة أبو زنيد من قرية رابود جنوب الخليل رحلتها بتربية الفطر المحاري، لتكون أول امرأة في جنوب الضفة تروج لبروتين طبيعي بديل للحوم.

كانت أبو زنيد تبحث عن فكرة مبتكرة لمشروع ريادي حين لفت انتباهها فطر صغير نما بشكل عفوي بين نباتات حديقتها، لتتحول هذه الصدفة إلى مصدر إلهام شجعها على التعمق في عالم الفطر وأنواعه وفوائده الغذائية.

أبو زنيد تقول في حديث ل” بالغراف” أن الفطر أتى لها على طبق من ذهب، وكأن الطبيعة أرادت منحها فرصة لا تُعوض، حيث بعد جمع المعلومات وتطوير فكرتها، تحول الحلم إلى واقع؛ فجمعت أمينة التمويل اللازم وقدره 10,000 شيكل، لتبدأ مشوارها في زراعة الفطر وتقديمه كمنتج محلي، مؤكدة أن هذا المشروع لم يكن مجرد مصدر دخل لعائلتها، بل كان أيضًا فكرة مبتكرة تعزز من الوعي الغذائي وتلبي حاجة المجتمع المحلي، مما جعل من مشروعها قصة نجاح تُلهِمُ الجميع في قريتها وما بعدها.

بعد عملية بحث مطولة بدأت أبو زنيد في إنتاج الفطر المحاري لتميزه بمذاق لذيذ وقيمة غذائية عالية، مبينة أن هذا النوع من الفطر يحتوي على مضادات أكسدة قوية تُساعد على مكافحة الالتهابات، إضافة لكونه خيارًا قليل السعرات الحرارية

استخدمت أبو زنيد سلال الغسيل للزراعة، إذ أن ثقوبها تسهل عملية زراعة الفطر وتعتبر خيارًا غير مكلف، مفيدة بأن البداية كانت صعبة، لكنها اليوم تملك 60 سلة مزروعة بالفطر المحاري، حيث تنتج كل سلة من 3 إلى 4 كيلوغرامات، يباع الكيلو منه بما يقارب الأربعين شيكلًا.

“مزرعة الفطر البيئية” هذا الإسم الذي اختارته أبو زنيد لمشروعها، حيث تركز على إعادة تدوير مخلفات المشروع بشكل فعال، وتزرع الفطر داخل القش، الذي تقوم بإعادة استخدامه كعلف للحيوانات لكونه غنيًا بالبروتين، كما وتستخدمه في الزراعة من خلال وضعه على سطح التربة، مما يساعد على منع تبخر الماء.

في البداية، كانت أبو زنيد تعمل مع زوجها في مشروع زراعة الفطر ومع مرور الوقت، تمكنت من توسيع مشروعها ليشمل توفير فرص عمل لرجل وامرأتين من قريتها، حيث انضموا إليها في زراعة وتسويق وحصاد الفطر، مؤكدة أن هذا التطور لم يعزز فقط من نجاح مشروعها، بل وساهم أيضًا في دعم المجتمع المحلي وتمكين النساء من المشاركة الفعالة في العمل الزراعي.

وأوضحت أبو زنيد أن العناية بالفطر تشبه تمامًا رعاية الأطفال؛ فهي تعتبره ابنها السابع، مبينة أنها تعمل على متابعة أدق التفاصيل لضمان نموه السليم، فهي تُعامله برفق الأم وحرصها، مع الالتزام الدائم بعمليات التعقيم المستمرة لضمان نموه الصحي، فالفطر يحتاج إلى تعقيم مستمر لضمان خلوه من الجراثيم، مما يزيد من مسؤوليتها وحرصها على تقديم أفضل ما يمكن لهذا الكائن الحي

تتبع أبو زنيد الأساليب التقليدية في زراعة الفطر، لكنها تسعى لتطوير إنتاجها عبر دمج التكنولوجيا الحديثة، مثل استخدام أجهزة الحضانة والمعدات المتخصصة في التحكم بالرطوبة، بهدف رفع كفاءة الإنتاج، كما وتطمح إلى تنويع محاصيلها عن طريق زراعة أنواع مختلفة من الفطر، كفطر “الشامبينيون”، لتعزيز حصتها في السوق وتلبية الطلب المتزايد على هذا المنتج.

واجهت أبو زنيد منذ بداية مشروعها تحديًا كبيرًا في تأمين “التقاوي”، وهي بذور الفطر الأساسية للإنتاج، فعلى الرغم من معرفتها بكيفية تصنيع هذه التقاوي، إلا أن معظم البذور المتوفرة عبر التجار تكون هجينة، مما يجعلها صالحة للاستخدام لمرة واحدة فقط، ويحد من قدرتها على الاعتماد عليها بشكل مستدام.

كغيرها من الرياديات تأثر مشروع أبو زنيد سلبًا بسبب الحرب، حيث تراجعت القدرة الشرائية لدى الناس وارتفعت أسعار بذور الفطر، إلى جانب الصعوبات الكبيرة في تأمينها بسبب الحواجز والإغلاقات المتكررة، ورغم هذه التحديات لم تستسلم أمينة مؤكدة أنها ستواصل الزراعة مهما كانت الظروف، فهذا ليس مجرد مشروع، بل هو ابنها السابع وستبذل كل جهدها ليكبران معًا.

لم تتوقف أبو زنيد عند تطوير مشروعها الشخصي فحسب، بل كرست جزءًا من وقتها لتعليم النساء في قريتها وفي مناطق مختلفة من الضفة الغربية فنون زراعة الفطر، وذلك من خلال تدريبهن على أساليب الزراعة والرعاية، لتمكّنهن من اكتساب مهارات جديدة تساعدهن على تحسين أوضاعهن الاقتصادية والمساهمة في تنمية مجتمعاتهن.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة