loading

الأخوان إدريس “باقون كما بقي الزعتر والزيتون”

تسنيم دارويش

في قلب مدينة الخليل، داخل ورشة عمل متواضعة، يواصل الشقيقان أمير وأحمد إدريس، المعروفان بلقب “زعتر”، إبداعهما في تحويل خشب الزيتون إلى قطع فنية فريدة، فهي ليست مجرد أعمال خشبية، بل هي تجسيد لجزء كبير من التراث الفلسطيني العريق، حيث كل قطعة تحكي قصة الأرض والهوية التي لا تزال باقية، تمامًا كصمود الزعتر والزيتون على هذه الأرض.

نشأ الأخوان في بيئة مليئة بالأخشاب والأدوات التي ورثوها عن جدهم، الذي كان نجارًا متميزًا منذ أكثر من 40 عامًا، فيقول أحمد إن ورشة النجارة كانت جزءًا لا يتجزأ من طفولتهم، حيث كانوا يلعبون ببقايا الخشب ويحلمون بتصميم قطعهم الخاصة، مضيفًا أنهم كبروا وكبر حلمهم في صناعة شيء مميز، فيما يرى شقيقه أمير  أن النجارة كانت دائمًا مرتبطة بمواسم الحياة الفلسطينية، حيث كان الخشب جزءًا من معالم كل موسم.

وأكد أمير أن كل موسم يحمل معه قطعًا خشبية تميز ذلك الوقت من العام، فعندما تبدأ العائلة بتحضير قوالب المعمول، فهذا يعني أن العيد اقترب، وعندما يبدأون بتحضير قوالب الفتوت، فهذا يعني أن موسم قطاف الزيتون قد حل.

ومع مرور الوقت، تحول شغف الأخوين بالنجارة إلى مشروع صغير أطلقا عليه اسم “زعتر”، فيوضحان أن “زعتر” هو اسم يشبههما تمامًا، فهو أخضر ويزدهر في جميع الظروف، وينمو في الجبال والصحراء، وهو يعكس ما يقدمونه من فنون الخشب التي تتجذر في الأرض وتتمسك بالهوية الفلسطينية.

في عالم السوشال ميديا والتكنولوجيا الحديثة، قرر الشقيقان الإستفادة من المنصات الإلكترونية للتسويق لمنتجاتهما، مما ساعدهما على تجنب تكاليف ضخمة لاستئجار محل تجاري في قلب المدينة، ورغم فشلهما في محاولاتهما السابقة في التجارة عبر الإنترنت، إلا أنهما لم يستسلما، واستمرّا في المحاولة حتى حقق مشروع “زعتر” النجاح الكبير الذي ينشدانه.

تنوعت منتجات “زعتر” بين أدوات الطعام والمستلزمات المنزلية، وصولًا إلى القطع التراثية التي تحمل تصاميم مخصصة تعكس عمق التراث الفلسطيني، ومن أبرز الأعمال التي تميز الأخوين هي إعادة إحياء قوالب المعمول الخشبية بشكل مبتكر، حيث تحولت هذه القوالب التي كانت تُستخدم لتحضير المعمول إلى قطع فنية قابلة للتعليق كديكور منزلي.

 كما أعاد الأخوان إحياء “رصّاصة الزيتون”، وهي قطعة تراثية كادت تختفي، فيقول أمير أنه شاهد رصاصة زيتون قديمة لدى صديقه، فبدأ برفقة شقيقه بالبحث عنها وتصنيعها بأنفسهم، مؤكدًا أنه وبعد عدة محاولات، نجحا في إحيائها بجودة عالية، لتصبح واحدة من أكثر القطع طلبًا في مشروعهما.

وقد أضاف الأخوان عبارات مخصصة باستخدام الحفر بالليزر مثل الأسماء أو العبارات الوطنية، مما يعزز ارتباط هذه القطع بالتراث والثقافة الفلسطينية، ومن أبرز هذه العبارات هي “نحن باقون ما بقي الزعتر والزيتون”، والتي أصبحت شعارًا للمشروع، تأكيدًا على أن الفلسطينيين سيبقون متمسكين بأرضهم وهويتهم، مثل الزعتر والزيتون اللذين ينموان في الأرض الفلسطينية رغم الظروف الصعبة، ويُعتبران رمزًا للصمود الدائم أمام الاحتلال.

لم تقتصر إبداعاتهما على التصاميم الجاهزة فقط، بل قدما أيضًا خدمة التصميم حسب الطلب، حيث يستطيع الزبائن طلب قطع مخصصة، معتبرين إياها “مغامرة جديدة” في عالم الإبداع، مؤكدين أن كل تصميم يعد فرصة لاستكشاف أشكال جديدة وتحقيق رغبات زبائنهم بطرق فنية مبتكرة.

يعتمد الأخوان في عملهما بشكل رئيسي على خشب الزيتون، الذي يمتاز بخصائص فريدة تميزّه عن باقي أنواع الأخشاب، هذا إلى جانب قدسيته في مختلف الأديان، فكل قطعة خشب زيتون تحمل بصمة خاصة، مما يجعل من المستحيل العثور على قطعتين متماثلتين،  وهو ما يُضفي على أعمالهم طابعًا فرديًا يجعل كل قطعة تحكي قصة خاصة.

 وما يميز أعمال الأخوين هو الطريقة التي يعالجان بها القطع الكبيرة من الخشب، فغالبًا ما يصعب التنبؤ بالشكل النهائي للعمل في بداية المعالجة، لكن ما يضمنانه دائمًا هو أن النتيجة ستكون قطعة فنية فريدة، فهما على سبيل المثال قاما بتحويل جذع شجرة زيتون كان من المحتمل أن يُحرق إلى طاولة مميزة، ما يعكس إبداعًا يحوّل ما يُعتبر نفايات إلى فن.

وأكد الشقيقان إدريس أنهم لا يقومون بقطع أشجار الزيتون لأغراض صناعية، بل إنهم يستخدمون خشبها فقط عندما تموت الشجرة أو عند إعادة زراعتها، مبينين أنهم إذا لم يُعيدا تدوير الخشب فإنه يتم بيعه ليُحرق، مشددين على رفضهم السماح لحياة الخشب أن تنتهي بهذه الطريقة، وذلك لأنهما يرفضان حرق الفن.

تتمثل إحدى التحديات الرئيسية التي يواجهها أمير وأحمد في التعامل مع خشب الزيتون هي حاجته إلى معالجة دقيقة، حيث يتطلب تجفيفه وقتًا أطول مقارنة بأنواع الخشب الأخرى، كما يواجه الخشب خطرًا من دودة “الفرار” التي قد تهاجم الخشب بعد قطعه، وللتغلب على هذه الصعوبات فإنهما يحرصان على منح الخشب الوقت الكافي للتجفيف بعناية وتنظيفه بشكل دقيق لضمان خلوه من أي عيوب.

ورغم التحديات الكبيرة في تسويق منتجاتهما، خاصةً وبعد ارتفاع تكاليف الشحن وصعوبة وصول المنتجات إلى خارج فلسطين بسبب القيود التي يفرضها الاحتلال، إلا أن عزيمتهما لم تتوقف، فقد استمرا في العمل بإصرار، معتمدين على الجودة والابتكار لتجاوز هذه الصعوبات المادية واللوجستية. 

كما أنهما يواجهان أيضًا تحديًا كبيرًا في ظل هيمنة السلع الاستهلاكية الرخيصة منخفضة الجودة، والتي غالبًا ما يتم مقارنتها بمنتجاتهما الحرفية، إلا أن ذلك لم يمنعهما من الاستمرار في تقديم قطع فنية تدوم وتحتفظ بقيمتها بعيدًا عن التقليد، ورغم توجه العديد من الحرفيين لاستبدال الخشب بالمواد المستوردة أو البلاستيك، إلا أنهما يتمسكان بجودة عملهما، مؤكدين أن ما يصنعانه يحمل أصالة لا يمكن الاستغناء عنها.

وفي إطار تعزيز المهارات المجتمعية، يُقدّم الأخوان ورشات عمل تهدف لتعليم المشاركين فنون صناعة الخشب باستخدام أدوات بسيطة وآمنة، حيث تركز الورش على صناعة قطع فنية بسيطة مثل حافظات الشموع، وتوفر للمشاركين فرصة لتجربة تقنيات الحفر بالليزر على الخشب. 

شارك الأخوان في العديد من المعارض والبازارات التي كانت تمثل فرصة قيمة للتفاعل المباشر مع الجمهور وبناء علاقات مهنية وشخصية مع الزوار، ولا يقتصر الأمر على عرض المنتجات فقط، بل يتيح أيضًا للمشاركين فرصة مشاهدة عملية التصنيع المباشرة، مما يعزز التواصل مع منتجاتهم ويشجع الزوار على اقتناء القطع الفنية، مؤكدين أن قطعهم تحظى بإعجاب الزوار الذي يشددون على أن هذه القطع يجب أن تكون تُحفًا تُزين المنازل 

تتمثل إحدى التحديات الرئيسية التي يواجهها أمير وأحمد في التعامل مع خشب الزيتون في حاجته إلى معالجة دقيقة، حيث يتطلب تجفيفه وقتًا أطول مقارنة بأنواع الخشب الأخرى، كما يواجه الخشب خطرًا من دودة “الفرار” التي قد تهاجم الخشب بعد قطعه، وللتغلب على هذه الصعوبات فإنهما يحرصان على منح الخشب الوقت الكافي للتجفيف بعناية وتنظيفه بشكل دقيق لضمان خلوه من أي عيوب.

ورغم التحديات الكبيرة في تسويق منتجاتهما، خاصةً وبعد ارتفاع تكاليف الشحن وصعوبة وصول المنتجات إلى خارج فلسطين بسبب القيود التي يفرضها الاحتلال، إلا أن عزيمتهما لم تتوقف، فقد استمرا في العمل بإصرار، معتمدين على الجودة والابتكار لتجاوز هذه الصعوبات المادية واللوجستية. 

كما أنهما يواجهان أيضًا تحديًا كبيرًا في ظل هيمنة السلع الاستهلاكية الرخيصة منخفضة الجودة، والتي غالبًا ما يتم مقارنتها بمنتجاتهما الحرفية، إلا أن ذلك لم يمنعهما من الاستمرار في تقديم قطع فنية تدوم وتحتفظ بقيمتها بعيدًا عن التقليد، ورغم توجه العديد من الحرفيين لاستبدال الخشب بالمواد المستوردة أو البلاستيك، إلا أنهما يتمسكان بجودة عملهما، مؤكدين أن ما يصنعانه يحمل أصالة لا يمكن الاستغناء عنها.

يطمح الأخوان إدريس في المستقبل إلى إشراك أكثر 100 شاب وشابة في مشروعهما، لفتح فرص عمل جديدة للشباب الفلسطيني في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة، آملين أن يُسهم ذلك في تحسين الأوضاع الاقتصادية وفتح آفاق جديدة للجيل القادم، حيث يؤكد أمير أنهم هدفهم ليس فقط صناعة قطع خشبية، بل خلق فرص حقيقية للشباب الفلسطيني،  وهم يعملون على توفير منتجات يمكن للشباب بيعها دون الحاجة إلى رأس مال، مما يتيح لهم تحسين وضعهم الاقتصادي وبناء مستقبل أفضل.

كان جدهما في الماضي يوزع القطع الخشبية في أنحاء فلسطين، واليوم يواصل الشقيقان هذا الإرث بصناعة لمسات فنية تعكس الهوية الفلسطينية، فعلى مدار العامين الماضيين، جذب المشروع اهتمام الفلسطينيين وأصبح جزءًا من العديد من المنازل الفلسطينية، وتحظى القطع الفنية بتقدير كبير سواء كهدايا للمغتربين أو تذكارات وطنية. 

اليوم، يطمح الأخوان إلى أن تصبح قطعهم الفنية جزءًا من كل بيت فلسطيني وعربي في جميع أنحاء العالم، مؤكدين أن الحلم الذي بدأ صغيرًا أصبح اليوم رمزًا للهوية الفلسطينية وإبداعها المتجدد.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة