loading

الضفة في مهب الريح: قراءة في تصريحات سموتريتش الأخيرة

د. ياسمين تمام

في لحظة تحوّلت فيها الكلمات إلى أسلحة تُشهر بوجه العالم، جاءت تصريحات بتسلئيل سموتريتش لتكشف عن أطماع إسرائيلية لم تعد تخجل من العلن، بل تتجرأ على صياغة مستقبل الضفة الغربية بحدود الاستيطان وقوة الاحتلال.

هذه التصريحات، التي لا تحمل مجرد رسائل عابرة، بل تعكس أيديولوجية تسعى إلى تغيير الواقع الجغرافي والسياسي في المنطقة، تضع العالم أمام معضلة جديدة.

هل نحن أمام بداية لمرحلة تُعيد إسرائيل فيها كتابة قواعد الصراع بأسلوب أحادي؟ أم أن هذه التصريحات ما هي إلا مناورة ضمن لعبة سياسية معقدة تهدف إلى تعزيز مكاسب الاحتلال؟ وفي ظل هذا التحول الجريء، يجد الفلسطيني نفسه أمام تساؤلات وجودية: هل ما يجري اليوم هو إعلان لمرحلة جديدة من تصفية الحقوق الوطنية؟ وهل هذه الكلمات تمهيد لصراع مفتوح يتجاوز الحدود، ليُحسم بالسلاح والدبلوماسية؟هذا المشهد الجديد يفرض على الجميع الوقوف عند هذه التصريحات لا باعتبارها كلمات، بل كمؤشر على خريطة استراتيجية تتشكل في الأفق، قد تعيد رسم ملامح الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتلقي بظلالها على المنطقة بأسرها.

تصريحات بتسلئيل سموتريتش الأخيرة ليست مجرد كلمات عابرة؛ إنها إعلان صريح عن نوايا إسرائيلية توسعية تهدف إلى ضم الضفة الغربية بالكامل وفرض واقع جديد يرسّخ الاستيطان كأمر واقع.

هذه التصريحات، التي تأتي بجرأة تتحدى العالم بأسره، تتجاهل بشكل صارخ المناشدات الدولية للسلام وتكشف عن رؤية أيديولوجية لا تعترف بحدود.

ما يجعل هذه التصريحات أكثر خطورة هو سياقها ودلالاتها، فهي لا تكتفي بالتحريض ضد الفلسطينيين، بل تُعبّر عن خطة محكمة لإعادة تشكيل خريطة المنطقة بما يخدم المشروع الاستيطاني الإسرائيلي.

فهل نحن أمام كلمات تمهيدية لمرحلة جديدة من الصراع، أم أنها جزء من استراتيجية أكبر تُعدّ لتصفية القضية الفلسطينية وإعادة رسم ملامح المنطقة السياسية؟”تأتي تصريحات سموتريتش في توقيت بالغ الحساسية، يشكل مصدر قلق عميق على المستويين الإقليمي والدولي.

فبعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، الذي شكل تحولًا جوهريًا في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، لتضاف إلى سلسلة من المواقف التي تعكس دعمًا غير مشروط للسياسات الإسرائيلية.

ترامب الذي اعتمد سياسة مؤيدة لإسرائيل خلال فترة رئاسته كان قد تبنى مواقف جريئة مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان.

وبالتالي، قد يُنظر إلى تصريحات سموتريتش على أنها خطوة في نفس الاتجاه، تعكس نية لتوسيع سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في سياق تراجع الجهود الدولية لإحياء عملية السلام.

وبالتزامن مع هذه التحولات السياسية الكبرى، يصبح السؤال محوريًا: هل نحن أمام مرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي؟ أم أن هذه التصريحات تأتي كجزء من تحركات استباقية لتطويع التوازنات الإقليمية لصالح إسرائيل تحت غطاء الدعم الدولي المتمثل في القوى الكبرى؟”من الناحية القانونية، تتناقض تصريحات سموتريتش مع المعايير الدولية التي تعتبر الضفة الغربية أرضًا محتلة بموجب القانون الدولي.

الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، بما في ذلك اتفاقيات أوسلو، كانت قد أسست لمبدأ حل الدولتين، وهو المبدأ الذي يتعارض مع رؤية سموتريتش التي تهدف إلى “تصفية” هذا الحل.

هنا يبرز السؤال: هل ستكون إسرائيل قادرة على فرض هذا الواقع الجديد في ظل معارضة المجتمع الدولي، وخصوصًا في وقت تتزايد فيه الضغوط على حكومات العالم لفرض قيود على الاستيطان؟الحديث عن ضم الضفة الغربية قد يعني بدء مرحلة جديدة من الاستيطان المكثف، وهو ما سيزيد من تعقيد الوضع على الأرض.

هل ستشهد الضفة الغربية تغييرات جذرية في الواقع الأمني والاجتماعي؟ قد يكون هذا التصعيد على الأرض بمثابة خطوة نحو إنهاء أي فرصة لحل سياسي قابل للتطبيق، بينما يظل الفلسطينيون يدفعون ثمن الاحتلال المتزايد.

إذا كانت التصريحات بشأن الضم قد أثارت جدلاً على المستوى الفلسطيني والدولي، فإن تداعياتها قد تكون أشد تأثيرًا على الأمن الإقليمي. مع وجود أطراف مثل الأردن ومصر، التي ترتبط بمعاهدات سلام مع إسرائيل، قد يؤدي التصعيد الإسرائيلي إلى تغيير في التوازنات الإقليمية، ما قد يفتح الأبواب أمام احتمالات النزاع العسكري أو تغيير في السياسة الإقليمية تجاه القضية الفلسطينية.

كذلك مصير حل الدولتين هل يمكن أن تساهم تصريحات سموتريتش في إنهاء أي أمل في حل الدولتين؟ في ظل تصاعد الاستيطان والخطط الإسرائيلية لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، يبدو أن فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 قد تصبح مجرد ذكرى في التاريخ السياسي.

وهنا يتوجب على القيادة الفلسطينية اعادة التفكير في اعادة تقييم استراتيجياتها، ليس فقط على الصعيد الدبلوماسي، ولكن أيضًا في سياساتها الداخلية، بما في ذلك التنسيق الأمني مع إسرائيل.

ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر في قدرة القيادة على استثمار هذه اللحظة لإحداث تغيير ملموس، لا يقتصر فقط على كسب التعاطف الدولي، بل يتجاوز ذلك لضمان أن تصبح القضية الفلسطينية محورًا للضغط السياسي الحقيقي، بدلًا من أن تظل مجرد شعارات تُلقى بعيدًا عن التطبيق العمليتصريحات سموتريتش ليست مجرد شعارات عابرة أو دعاية انتخابية، بل قد تكون بمثابة نواة لاستراتيجية متكاملة تهدف إلى إعادة رسم ملامح القضية الفلسطينية وفق رؤية استعمارية جديدة.

السيناريوهات التي يمكن أن تتبع هذه التصريحات تنقسم إلى مسارات متشابكة، تحمل جميعها تحديات غير مسبوقة.

التصعيد الاستيطاني كأداة فرض الهيمنة:قد تُترجم تصريحات سموتريتش إلى خطوات عملية تتضمن تسريع وتيرة الاستيطان والضم الفعلي للأراضي الفلسطينية، مع تجاهل صارخ للمواثيق الدولية. مثل هذه السياسة قد تؤدي إلى تفكيك أي فرصة لحل الدولتين، وتحويل الضفة الغربية إلى مجموعة “معازل” معزولة، تفتقر إلى أي مقومات للسيادة.

هذا السيناريو لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يعيد تشكيل معادلات الإقليم بأسره، خاصة مع احتمال ردود فعل عربية ودولية تتراوح بين الإدانات الشكلية والتوترات المتصاعدة.توظيف التصريحات كأداة ضغط سياسي:في سياق آخر، قد تستخدم الحكومة الإسرائيلية هذه التصريحات كورقة ضغط في الساحة الدولية.

الهدف هنا ليس التنفيذ الفوري، بل خلق مناخ من القلق وعدم اليقين لدفع الفلسطينيين نحو تنازلات سياسية، مثل قبول حلول منقوصة أو العودة إلى طاولة مفاوضات غير متكافئة. هذه الاستراتيجية تهدف إلى إدامة حالة المراوحة السياسية، مع إبقاء الفلسطينيين تحت وطأة التهديد المستمر دون أي تغيير حقيقي في الوضع القائم.سيناريو التصعيد الأمني والعسكري:لا يمكن استبعاد أن تكون هذه التصريحات مقدمة لتصعيد أمني خطير.

قد يشهد المشهد مزيدًا من العمليات العسكرية في الضفة الغربية تحت ذريعة “إحكام السيطرة” على الأراضي، أو مواجهة ما تعتبره إسرائيل “تهديدات أمنية”. هذا السيناريو قد يشمل عمليات تهجير قسرية، وهدم منازل، وإجراءات عقابية جماعية تزيد من اشتعال الغضب الفلسطيني، وتضع المنطقة على حافة مواجهة مفتوحة.

تحول التصريحات إلى سياسة منهجية:السيناريو الأكثر تطرفًا يتمثل في تبني الحكومة الإسرائيلية لهذه التصريحات كسياسة رسمية طويلة الأمد، خصوصًا إذا استمرت القوى اليمينية في السيطرة على مفاصل القرار السياسي داخل إسرائيل.

في هذا السياق، قد تتحول رؤية سموتريتش إلى خريطة طريق لتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي في فلسطين، مع تداعيات كارثية على الاستقرار الإقليمي.

هذا السيناريو قد يدفع القوى الفلسطينية إلى مراجعة استراتيجياتها بشكل جذري، وربما يشعل موجة جديدة من الانتفاضات أو المقاومة المسلحة.انعكاسات دولية غير محسوبة:في ظل تصاعد تأثير القوى الكبرى في المشهد الإقليمي، قد تجد تصريحات سموتريتش طريقها إلى أجندات الدول المعنية بالنزاع. هذا قد يؤدي إلى انقسامات دولية حول طريقة التعامل مع إسرائيل، خاصة إذا استغلت الأخيرة دعمًا غير محدود من قوى مثل الولايات المتحدة في ظل إدارة مشابهة لتوجهات ترامب. مثل هذا السيناريو قد يعمق الانقسامات الدولية حول القضية الفلسطينية، ويزيد من تعقيد الجهود الدبلوماسية.

ختاماً: في ضوء هذه التطورات، تبقى تصريحات سموتريتش اختبارًا حقيقيًا للإرادة الفلسطينية والعربية والدولية في مواجهة المشروع الإسرائيلي. سواء أكانت هذه التصريحات خطوة في خطة محكمة أم مجرد دعاية سياسية، فإن التحدي الأكبر يكمن في قدرة الفلسطينيين وشركائهم على تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لإعادة وضع القضية الفلسطينية في صلب الأجندة الإقليمية والدولية، قبل أن يتحول الواقع إلى خريطة جديدة يصعب تغييرها.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة