تسنيم دراويش
تحديات بيئية جمة تواجه فلسطين مع تزايد النفايات البلاستيكية، ونظرًا لمحدودية البنية التحتية لإدارة النفايات والظروف السياسية الراهنة، فإن التلوث البلاستيكي في ازدياد بشكل يهدد البيئة والصحة العامة. لكن، وبدلاً من أن يظل البلاستيك عبئًا يلوث الشوارع والمحيط، فبأنامل إبداعية يمكن أن يُحَوَل لقطع فنية فريدة.
” عالم أخضر” مبادرة أطلقها الشاب محمد المحتسب “35 عامًا’ من مدينة الخليل، بهدف إعادة تدوير البلاستيك وتحويله لقطع فنية متعددة الاستخدامات، إضافة لنشر الوعي بضرورة الحفاظ على البيئة، وتعزيز جهود المجتمع الفلسطيني في التصدي لتلوث البلاستيك، والمساهمة في بناء بيئة أكثر استدامة.
انطلقت فكرة المشروع من رغبة المحتسب بإنشاء مبادرة طويلة الأمد تستفيد من الموارد المتاحة وتستثمر طاقات الشباب بشكل فعّال، مبينًا في حديثه ل” بالغراف” أنه كان يرغب في تأسيس مشروع يقدم قيمة مضافة على مستوى الأفراد والمجتمع، ويعالج التحديات البيئية بحلول مبتكرة ومستدامة، مُضيفًا أن المشروع استطاع تحويل النفايات البلاستيكية من عبء بيئي إلى فرصة للإبداع، ما أحدث تأثيرًا ملموسًا في المجتمع الفلسطيني.
“عالم أخضر نحو عالم نظيف”، هذا هو الشعار الذي يرفعه فريق “عالم أخضر”، مؤكدين أن رؤيتهم تتمثل في بناء بيئة أكثر أمانًا وصحة للعيش. كما ويهدف الفريق إلى تحقيق مجتمع واعٍ يقدر أهمية الاستدامة، ويعمل على الاستفادة من الموارد المتاحة بطريقة مسؤولة تضمن حماية البيئة للأجيال القادمة.
يعتمد المشروع على إعادة تدوير أربعة أنواع من البلاستيك: البولي بروبلين (PP)، البولي إيثيلين عالي الكثافة (HDPE)، والبولي إيثيلين تيريفثاليت (PET). تبدأ العملية بجمع النفايات البلاستيكية من المنازل والشوارع، حيث يتم فرز البلاستيك حسب النوع واللون. ثم يتم صهر المواد البلاستيكية وتشكيلها داخل قوالب خاصة لإنتاج منتجات جديدة، وفق ما يقوله المحتسب.
وأشار إلى أن البولي بروبلين يتميز بالمتانة والمرونة، ويستخدم في العديد من المنتجات مثل حاويات الطعام والأدوات المنزلية. أما البولي إيثيلين عالي الكثافة فهو قوي ومتين، ويستخدم في تصنيع الزجاجات البلاستيكية وأكياس التسوق وأسطوانات التخزين. ويُعتبر البولي إيثيلين تيريفثاليت من أكثر أنواع البلاستيك شيوعًا، ويُستخدم في صناعة زجاجات المياه والعصائر وعبوات الأطعمة.
في بداية المشروع، ركّز المحتسب على إنتاج إكسسوارات صغيرة مثل ميداليات المفاتيح، لكن مع تطور المبادرة، توسع ليشمل العديد من المنتجات المبتكرة مثل “ساعات الحائط، وبلاط الجدران السداسي، ومقاعد الحدائق”. وبذلك، يسهم المشروع في تقليل النفايات البلاستيكية وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة واستخدامات متعددة، مما يساهم في حماية البيئة وتحقيق الاستدامة.
لم يقتصر فريق “عالم أخضر” على المنتجات الأساسية، بل يطمح إلى إدماج البلاستيك المعاد تدويره في تصميم قطع الأثاث والديكور لتعزيز الاستدامة في السوق المحلي.
يضم الفريق 30 شابًا وفتاة، معظمهم متطوعون، ومن بينهم سامية عمرو التي ترى أن المشروع يمثل فرصة لتطوير مهاراتها الشخصية، مثل القيادة والعمل الجماعي. مؤكدة أن ما يميز “عالم أخضر” هو استمراريته وانفتاحه أمام الجميع للمشاركة فيه.
عمرو تبين أنها اكتسبت مهارات القيادة والعمل الجماعي
من خلال مشاركتها في المبادرة، إضافة لتعلمها التعامل مع الأشخاص من خلفيات متنوعة، وتوسع وعيها البيئي بشكل أكبر خاصة بعد الأبحاث التي قاموا بها حول أنواع البلاستيك وطرق إعادة التدوير، مضيفة أن “عالم أخضر” أصبح جزءًا أساسيًا من حياتها اليومية، وبدأت بجمع البلاستيك من الجامعة والمنزل وأيضًا من بيوت الأقارب.
وفي إطار جهودهم للحد من النفايات البلاستيكية، قام الفريق بتوزيع سلات مخصصة لفرز النفايات البلاستيكية في العديد من الأماكن مثل العمارات السكنية والمحلات التجارية الأكثر إنتاجًا لهذه النفايات، وذلك بهدف تشجيع الناس على فرز نفاياتهم وبالتالي تسهيل عملية جمعها وإعادة تدويرها.
واجه المشروع العديد من الصعوبات، أبرزها نقص المعدات إلى غياب الوعي البيئي، وحول ذلك يوضح المحتسب أنهم استطاعوا تجاوز هذه التحديات بفضل دعم بلدية الخليل، وجامعة بوليتكنك فلسطين، والعديد من المؤسسات المجتمعية.
فيما تبين عمرو أن نقص المعرفة بأنواع البلاستيك كان تحديًا كبيرًا، لكنهم استطاعوا التغلب عليه بالبحث المستمر والتعلم من الخبراء. وأيضًا من خلال تنظيم حملات توعية شملت المدارس والجامعات لنشر ثقافة إعادة التدوير.
لحظات فخر عاشها المحتسب وعمرو خلال عملهما بالمشروع، فيؤكد المحتسب أن أكثر اللحظات التي شعر بها بالإنجاز كانت عند نجاحهم في عملية التدوير وإنتاج المنتجات، فيما كانت فرحته لا توصف عندما تمكنوا من بيع أول قطعة وكذلك عندما فازوا بمسابقات بيئية وريادية. أما عمرو فأوضحت أنها شعرت بالفخر عندما رأت اسم المشروع ينتشر في الضفة الغربية، وعندما لاحظت تطور شخصيتها بفضل مشاركتها في المشروع.
شارك فريق “عالم أخضر” في العديد من المعارض التي سمحت لهم بالتفاعل مع الناس مباشرة. وحول ذلك أوضح المحتسب بأن البعض كان لا يصدق أن هذه المنتجات كانت نفايات، لكن الأغلبية أعربوا عن إعجابهم بالفكرة وأبدوا اندهاشهم من طريقة التدوير واستخدام النفايات في صناعة منتجات جديدة. مضيفًا أن المعارض كانت فرصة جيدة للوصول لجميع شرائح المجتمع وتعزيز ثقافة إعادة التدوير لديهم، بالإضافة إلى التشبيك مع المختصين والمهتمين بالمجال.
يحلم فريق “عالم أخضر” بتوسيع نطاق مشروعهم ليصبح محطة مركزية لإعادة التدوير تخدم جميع مناطق الضفة الغربية، مع التركيز على زيادة الوعي البيئي في المجتمع الفلسطيني. في هذا السياق، يقول المحتسب أنه من اللحظات الأولى للمشروع كان هدفهم أن يكون المشروع عالميًا ويساهم في تحسين البيئة بشكل واسع، مؤكدًا أن رسالة الفريق تكمن في أن النفايات البلاستيكية يمكن أن تكون مصدرًا للإبداع والتغيير، وهم يسعون لنشر هذه الفكرة في المجتمع الفلسطيني ثم العالم.
ووجه المحتسب رسالة أمل للشباب الفلسطيني، بأن لديهم القدرة على إحداث تغييرات إيجابية، خاصة في المجالات البيئية التي تتطلب جهوداً مبتكرة. داعيًا المجتمع إلى دعم المشروع عبر فرز النفايات البلاستيكية وإرسالها إلى الموقع المخصص، أو التواصل مع المشروع عبر صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال شراء منتجات “عالم أخضر”.