مآثر بدو
قبل أشهر وفي ساعة مبكرة أفاقت عائلة فلسطينية في مخيم طولكرم على صوت انفجار مدوٍ، ليجدوا أنفسهم أمام كومة من الركام كانت يومًا منزلهم الدافئ. لم يكن هناك تحذير، ولا تهمة، فقط جدران انهارت، وحياة تمزقت.
وقفت الأم “هـ.ب”، محتضنة أطفالها الأحد عشر، أمام ما تبقى من منزلها، تشير بيديها إلى الحطام، وتقول بصوتٍ مختنق بالألم:
“احنا أحسن من غزة؟ مش أحسن من غزة! قصفوها بلا أي سبب. شو يعني صار؟ الله يحماهم. كل شيء بتعوض إلا الإنسان ما بتعوض”.
ورغم الألم، حاولت الأم لملمة شتات عائلتها، مضيفة: “إحنا صرنا مشردين. ملابسنا، أغراضنا، حتى ألعاب الأولاد كلها تحت الركام. بس الحمد لله إحنا طلعنا بأرواحنا.”
الرحيل المؤقت: بيت لا يتسع لهم
بعد تدمير منزلهم، لجأت العائلة إلى منزل ابنهم الأكبر الذي يسكن في المخيم. ورغم كرم الإبن بفتح بابه، إلا أن البيت صغير ولا يتسع لهم جميعًا. تقول الأم إن بيت ابنها لا يتسع لهم جميعًا فهو بالكاد يكفي عائلته الصغيرة، مضيفة أنهم أحد عشر فردًا لا يجدون مكانًا للنوم حتى بات يبحث كل فرد منهم على زاوية من زوايا البيت الصغير لينام بها.
الابنة الكبرى “أ، ب” تقول أنهم كانوا يجلسون فوق بعضهم البعض، بلا أية خصوصية أو راحة، فيما لا يعلم الأطفال كيف يدرسون أو كيف يعيشون حياتهم بشكل طبيعية.
محاولات البحث عن المساعدة
لم تقف العائلة مكتوفة الأيدي، بل توجهت إلى المؤسسات المختلفة في المخيم طلبًا للمساعدة. فتؤكد الأم أنهم توجهوا للجنة الشعبية وللمؤسسات المحلية، لمطالبتهم بتقديم الدعم لهم، مضيفة أنهم أخبروها أنهم بحاجة للوقت ليعلموا كيف سيساعدونهم، مؤكدة في ذات الوقت أن وضعهم لا يحتمل الانتظار.
ذكريات الطفولة المفقودة
إحدى بنات العائلة، التي شاركت في بناء المنزل منذ طفولتها، تحدثت عن الذكريات التي ضاعت مع انهيار الجدران، مبينة أنهم هم من قاموا ببناء هذا البيت حينما كانوا أطفالًا بوقتها، وقاموا بأنفسهم ببناءه، ولكن فجأة ذهب كل شيء، ذهب البيت الذي جمعهم وتحول البيت الذي بنوا فيه أحلامهم لكومة من الحجار.
ووصفت الابنة اللحظات الأولى بعد الهدم قائلة:
“صحينا على خبر قصف البيت. ما صدقنا. الدار ما فيها شيء. كل هذا عقاب عشان إحنا فلسطينيين. حقدهم ما خلا قدامهم إلا بيتنا يفشوا غلهم فيه.
إصرار على البقاء والصمود
رغم الظروف الصعبة، ترفض العائلة أن تُكسر عزيمتها. حيث تؤكد الابنة أن ما حصل لن يهزههم، بل بات لديهم إصرارًا أكبر ليس فقط ببناء البيت إنما العودة لأرضهم بوادي الحوارث التي هُجروا منها.
ووجهت الأم رسالتها للعالم بأن الشعب الفلسطيني ليس ضعيفًا، مضيفة أنهم هدموا بيتهم ولكنهم لم يستطيعوا هدم صمودهم، مؤكدة أنهم سيعيشون وسيبنون البيت من جديد، فحياة الفلسطيني كفاح بأكملها وهدم البيت ليس النهاية.
فيصل سلامة رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم طولكرم، أوضح بأن هناك العديد من الجهود المبذولة لمساعدة هذه العائلة، مبينًا أن سياسة هدم المنازل هي عقاب جماعي، ولكن أهل المخيم يسندون بعضهم البعض، مؤكدًا أنهم يعملون ويوفرون الدعم لهم سواء بإيجاد سكن مؤقت لهم أو بإعادة بناء المنازل التي هدمها الاحتلال.
ورغم الإمكانيات المحدودة، تستمر اللجنة الشعبية في مخيم طولكرم بالعمل كخط دفاع أول لتلبية احتياجات السكان، خصوصًا في الأوقات الصعبة. كما وتشكل اللجنة أحد أعمدة الدعم الأساسية لهذه العائلة لتجاوز محنتهم هذه.