مها عويس
وسط تصاعد الاعتداءات اليومية من قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين على كافة المناطق بالضفة الغربية تعاني بلدة سبسطية التاريخية كغيرها من المواقع الأثرية الفلسطينية من أوضاع إنسانية واقتصادية صعبة تهدد تراثها وتستنزف مواردها.
تقع قرية سبسطية على بعد 12 كم من مدينة نابلس وتعتبر ذات تاريخ عريق وحضارة هامة امتدت لأكثر من 3000 عام، حيث شهدت الكثير من الأحداث والوقائع التاريخية الهامة، وقد أطلق عليها المؤرخون لقب عاصمة الرومان في فلسطين.
وحول هذا الموضوع قال رئيس بلدية سبسطية محمد عازم في حديثٍ ل “بالغراف” إن البلدة تتعرض بشكل يومي لاعتداءات الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المستوطنين، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، مضيفًا أن
الاعتداءات تشمل إطلاق نار وقنابل غاز وصوت على السكان، والتي أدت لاستشهاد اثنين من أبناء البلدة وإصابة العشرات، إضافةً لاعتقال العديد من الشبان والشابات منذ السابع من أكتوبر.
وأشار إلى أن هذه الممارسات العدائية تستهدف البنية التحتية والموارد الطبيعية للبلدة، حيث شملت تدمير الشوارع وسرقة قطع أثرية من المواقع التاريخية، واقتلاع أشجار الزيتون وحرق المزروعات، كما تعرضت الأراضي الزراعية لسرقة الأسلاك الشائكة وشبكات الري، إلى جانب تدمير الغرف الزراعية ومنع المزارعين من قطف الزيتون خلال الموسم الأخير.
وأضاف عازم أن الاحتلال يفرض قيودًا خانقة على النشاط التجاري والسياحي في قرية سبسطية ويمنع الكثير من الدخول إليها، حيث أُغلقت العديد من المَحال التجارية والسياحية للمواطنين، ما أثر بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي وزاد من معاناة السكان بشكل كبير.
وأكد أن الخسائر الناجمة عن هذه الممارسات تُقدر بعشرات آلاف الدولارات، مما يضاعف من التحديات التي تواجهها البلدة، خاصة في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية وانقطاع الكثير من السكان عن أعمالهم.
وعن أبرز التحديات التي تواجه البلدة، قال عازم أن على رأس هذه التحديات هي اعتداءات الاحتلال والإجراءات القمعية التي يفرضها، إضافة للوضع الاقتصادي المتردي الذي تفاقم بعد السابع من أكتوبر 2023، وذلك بسبب نقص الأموال الحكومية والدولية لدعم البلدة ومشاريعها الحيوية.
وتابع بأن الاحتلال يعيق حركة السياحة من خلال وجود آلياته في المناطق الأثرية بشكل مباشر بالإضافة إلى أنه يتعامل مع كل المناطق على أنها سيادة مطلقة لإسرائيل، متيحًا للمستوطنين التواجد والاحتفال بها. ولفت إلى أنهم حصلوا على منحة من البنك الدولي لبناء مدرسة مجهزة بكل الأمور ضمن خططهم لتنمية البلدة، وسط مواصلة الجهود لترميم كافة المواقع الأثرية في البلدة وحمايتها من محاولات السيطرة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم هذه الضغوطات شدد عازم على الجهود الحثيثة التي تبذلها البلدية في صيانة وترميم ما يقوم بتدميره الاحتلال خلال اقتحاماته، مشيرًا إلى أن البلدية تحملت خسائر كبيرة من ميزانيتها في سبيل الحفاظ على مقومات البلدة.
وأضاف أن مشاريع البنية التحتية مثل المياه والكهرباء والشوارع والتعليم والسياحة تمثل أولوية، حيث تعمل البلدية حاليًا على تنفيذ مشروع سياحي ضخم بقيمة عشرات الملايين بتمويل من جهة دولية بهدف إعادة إحياء السياحة بالمنطقة والحفاظ عليها مع جهات دولية أخرى.
وأوضح عازم أن البلدية تعمل بشراكة وثيقة مع المجتمع المحلي والمؤسسات الفلسطينية والدولية، وعلى رأسها منظمة اليونسكو، للحفاظ على المواقع الأثرية والموروث الثقافي، مُشيدًا بدور وزارة السياحة كشريك أساسي في حماية هذه المواقع وتعزيز حضورها دوليًا.
وأردف بأنه ورغم كل هذه الصعوبات، إلا أنهم سيواصلون العمل بلا كلل للحفاظ على سبسطية، وتاريخها، وأهلها. داعيًا المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه ما تتعرض له البلدة من اعتداءات ممنهجة.
مدير عام التقنيات والآثار في وزارة السياحة جهاد ياسين قال في حديثٍ ل “بالغراف” إن سبسطية تعتبر من أهم المواقع الأثرية في فلسطين وهي مقسمة لتقسيمات سياسية جزءًا منها لا يزال تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح بأن الاحتلال قام بسرقة آثار من البلدة سابقاً، ولكن ما يقوم به الاحتلال الآن هو إعادة السيطرة على هذا الموقع الأثري، مشددًا على أنهم يبذلون جهود ديبلوماسية كبيرة لحماية الموقع والحفاظ عليه من خلال مراسلة اليونسكو وإعلامها بمعظم الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال.
وحول مشاريع وزارة السياحة لدعم هذا الموقع الأثري بين أن وزارة السياحة تعمل على تنفيذ العديد من المشاريع بالتعاون مع بلدية سبسطية، من أهمها ترميم البلدة القديمة والمباني المهمة بها، إضافة للعمل على تعزيز التواجد الفلسطيني بها، وإدراجها على لائحة التراث العالمي.
وأكد ياسين أن الوزارة تعمل بالتنسيق المباشر مع البلدية على خطط لإبقاء سبسطية على قائمة السياحة الدولية وتنفيذ الأنشطة والفعاليات الداعمة لها، وتنظيم الخدمات والقيام بعشرات المشاريع لتوفير بنية تحتية جاهزة لاستقبال السياح. ولفت إلى أنهم يعملون على تطوير الأنشطة التي تعزز السياحة الدولية والمحلية لها.