loading

المستوطنون في الضفة: سرقة من أجل التهجير

محمد عبد الله

فجر يوم 17 كانون الثاني من العام الجديد، استيقظ أهالي تجمع عرب المليحات على طريق المعرجات الواصل إلى مدينة أريحا، على سرقة 53 رأس من الأغنام، من حظيرة الحاجة فاطمة سليمان المليحات.

ولدى تتبع الأهالي عبر كاميرات المراقبة لديهم، تبين أن مجموعة من المستوطنين هم من داهموا التجمع خلسة وسرقوا الأغنام، وبعد تتبع أثرها تبين أنهم ساروا بها مشياً على الأقدام عبر طرق وعرة وجبلية وصولاً إلى بؤرة استيطانية رعوية مقاومة على أنقاض تجمع وادي السيق غرب طريق المعرجات، الذي هجر سكانه منه قسراً بعد اندلاع حرب الإبادة على غزة.

هذه القصة، نقلها إلينا رئيس تجمع المليحات شمال غربي أريحا سليمان مليحات، الذي أكد على تعرضهم المستمر لسرقات الأغنام من قبل المستوطنين خلال ساعات الليل.

يروي الملحيات، أنه في شهر حزيران العام الماضي هاجمهم المستوطنون بعد منتصف الليل بسيارة تشبه سيارة الجيش وتوجهوا مباشرة إلى حظيرة أغنام يمتلكها هو وشقيقه، وقد استيقظوا على صوتهم وصوت الكلاب.

وتابع الملحيات “كانوا 5 أفراد وشرعوا مباشرة بوضع الأغنام داخل سيارة تشبه الباص الصغير، واندلعت مواجهات ومشاجرة معهم ورمينا عليهم الحجارة، ولكن لم يخافوا منا وغادروا التجمع بعد أن سرقوا 25 رأس من الأغنام”.

وفي حديثه مع موقع “بال غراف” يقول المليحات، إن هناك نوع ثاني من السرقات تجري خلال النهار وبشكل علني بتواطؤ من شرطة الاحتلال الإسرائيلية وجيش الاحتلال، وهذه السرقات أدت إلى خسارتهم الكثير من الأغنام.

وأوضح المليحات، أن المستوطنين يقتحمون التجمع خلال النهار ويتنقلون بين المساكن مع أغنامهم، ويتعمدون اختلاط الأغنام مع بعضها البعض، ثم يتسببوا باندلاع شجار، ويتصلوا مباشرة على المستوطنين أو يضغطوا على زر إغاثة عبر تطبيق على الهاتف وفوراً تحضر الشرطة والجيش ومليشيات المستوطنين خلال دقائق، ويدعي بعدها بأن المزارعين الفلسطينيين سرقوا منه 20 رأس غنم مثلاً، ويأخذ من أغناهم بشكل علني والمزارع ينظر إليه دون حول له ولا قوة، وبالرغم أنه يعرض صور الأغنام التي يوثقها باستمرار على هاتفه للشرطة إلا أنهم يردون عليهم أنهم سيقومون بالتحقيق ودون جدوى.

ومن الأساليب أيضاً- بحسب المليحات، أن يتعمدوا الدخول إلى حظائر الأغنام وبين المساكن بحجة البحث عن أغنام مفقودة لهم، ويجري الأمر وفق خطة مدروسة، بحيث إذا أعجبته الأغنام ويريد السرقة منها، يتصل على المستوطنين ويفتعلون شجار معهم، ويدخل مجموعة أخرى منهم على الحظيرة خلال الشجار، ويضعوا أرقام زراعية إسرائيلية على الأغنام على وجه السرعة، ومع وصول الشرطة والجيش يدعي أن هذه الأغنام له، ويتم سرقتها، وليس هذا فحسب بل يتم اعتقال راعي الأغنام الفلسطيني.

الوضع في مسافر يطا جنوب الخليل ليس أفضل حال من التجمعات البدوية في الأغوار، إذ يؤكد رئيس مجلس قروي التوانة محمد ربعي بأن كل التجمعات في مسافر يطا تتعرض لسرقة الأغنام، والأمر بلغ ذروته في العام 2024، ومع حلول العام الجديد لم تعد هناك سرقات، والسبب أنه لم يعد هناك أغنام، وما تبقى منها يوجد في الحظائر ولا تخرج للرعي، بسبب إغلاق المساحات الروعية، وأيضاً خشية من سرقتها.

“والأمر لا يقتصر على سرقة الأغنام”، يقول ربعي لموقع “بال غراف”، بل إن المستوطنين يسرقون الحمير والدواجن وثمار الأشجار وغرس الأشجار التي يتم خلعها والبركسات وخطوط المياه والخزانات والأسلاك الشائكة وخطوط الكهرباء وخلايا الطاقة الشمسية والكشافات.

وأكد ربعي، أن كل هذه المسروقات يتم بناء بؤر استيطانية رعوية جديدة لهم بها على أراضي المواطنين في مسافر يطا وتقليد طريقة عيشهم بشكل كامل.

وفي حديثه أشار بعي، إلى تعرض تجمع خلة الظبع في مسافر يطا في 3 تموز 2024 لسرقة قطيعين كاملين من الأغنام بواقع أكثر من 130 رأس غنم.

في السياق، أشار مدير دائرة التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود لموقع “بال غراف”، بأن عدد الحيوانات التي تعرضت للمصادرة والسرقات من المواطنين في محافظات الضفة الغربية بلغت 1634 في العام 2024.

ونوه داوود، إلى أن السرقات والمصادرات للحيوانات، كانت النسبة الأعلى في محافظة الخليل بواقع 434 سرقة، ثم تلتها على الترتيب محافظات نابلس ورام الله أريحا، وهي المحافظات التي تتركز فيها التجمعات البدوية التي تعتاش من الثروة الحيوانية.

أما حول تأثير هذه السرقات على حياة البدو الفلسطينيين، قال سليمان مليحات إن جميع التجمعات البدوية مصدر رزقها هو الثروة الحيوانية وتعيش من هذه حرفة رعي الأغنام.

وتابع مليحات، أن بداية دخول المستوطنين عليهم كان بإغلاق جميع المراعي وهي تقدر بآلاف الدونمات وبمساندة الجيش، ومن ثم انتقلوا لمرحلة سرقة الأغنام، وكل هذا لتهجير السكان ومصادرة الأراضي التي تقام عليها التجمعات، والعمل على انقراض الثروة الحيوانية الفلسطينية، وإنهاء حياة البادية الفلسطينية.

ويرى مليحات أن هذا المخطط ناجح بالنسبة لهم، فلا أحد يتصدى لهم سوى المزارع والراعي الفلسطيني، الذي لا تقدم له أي مساعدة ودعم لصموده، فلا يوجد أي جهة تقدم لهم المساعدات والمساندة، ولا أحد يهتم بهم، والجميع فقط ينتظر ويعد الأيام إلى متى سوف يبقى هذا التجمع وذاك ومتى رحل كي يتم توثيق رحيل تجمع جديد، ومن يريد الصمود عليه أن يصمد على حسابه الخاص.

كذلك يقول محمد ربعي إنه بدون أغنام لا وجود لهم في هذه المناطق، فهي التي تثبت وجودهم، وبعد السرقات الكبيرة التي تعرضوا لها، صار المزارع يقترض الأغنام اليوم من التجار بنظام التقسيط لثمنها على مدة سنة أو أكثر على أن يقوم بسداد ثمنها من انتاجها، وهذا ما يجري لأول مرة في التاريخ بأن يتم شراء الأغنام بالدين والقرضة.

وأكد ربعي، أنه مع الوضع القائم في مسافر يطا بحيث أن كل الأراضي مغلقة ولا يوجد محصول زراعي، ومناطق الرعي تم إغلاقها بشكل كامل، قد لا يتم سداد ثمن هذه الأغنام، ومع ذلك خيار الرحيل ليس موجود لديهم، وأكبر دليل هو هدم تجمع خلة الضبع يوم الأثنين بالكامل، ومع ذلك لم يرحل السكان بل توجهوا نحو الكهوف والمركز المجتمعي والمدرسة في التجمع. 

وفي سابقٍة خطيرة، أصدر ما يُسمى حارس الأملاك الحكومية في الإدارة المدنية للاحتلال في منتصف شهر شباط 2025، 6 أوامر عسكرية تخصّص ما مجموعه 16200 دونمًا من أراضي محافظتي سلفيت ورام الله والأغوار، لصالح الاستيطان الرعوي للمستوطنين.

وفي تعليقه على القرار، أفاد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان في بيانٍ صحفيّ صدر عن الهيئة يومها أن دولة الاحتلال تمعن في تعزيز الاستيطان الزراعي والرعوي، ليس فقط بتشجيع إقامة وإنشاء هذا النوع من البؤر، بل من خلال حمايتها بتخصيص مساحاتٍ كبيرة من قبل المؤسسة الرسمية في دولة الاحتلال لصالح مليشيات المستوطنين.

وأضاف شعبان أن هذه الأوامر تمعن في منع الرعاة الفلسطينيين من الوصول إلى هذه الأراضي وتمنح المستوطنين كامل صلاحية استخدامها.

وأدت اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر بحسب أمير داوود إلى رحيل 29 تجمعاً فلسطينياً.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة