loading

سجن سدي تيمان: القضية التي تهز الجيش الإسرائيلي

محمد أبو علان/ خاص بالغراف

نقاش واسع في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية حول قضية سجن سدي تيمان، والكل ضد التحقيق مع الجنود المتهمين في القضية، وضد عملية التسريب للشريط الممنتج حسب وصفهم، والأهم قبل أن نستعرض ما كتبته يديعوت أحرنوت حول القضية، عليّ التوضيح بأن التحقيق في القضية المتعلقة بالتنكيل بأسرى فلسطينيين في سجن سدي تيمان من قبل الجيش ليس من باب “أخلاقيات” جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولا من باب سعي مكونات دولة الاحتلال “لتحقيق العدالة”، بل من باب الالتفاف على احتمالات تحقيقات من جهات دولية في جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

حيث كتبت يديعوت أحرنوت: قضية التنكيل بالفتى الفلسطيني في سجن سدي تيمان تهز الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من عام، اقتحام الشرطة العسكرية لمعسكر سدي تيمان أشعلت أعمال شغب غير مسبوقة، اقتحام للمعسكر، مواجهات عنيفة، تدخل وزراء وأعضاء كنيست، وقت قصير بعد ذلك سُربت أفلام حساسة، وعند وصول التحقيقات لدى المستشارة القضائية، النائبة العامة العسكرية تخرج لإجازة، وشكوك بأن جهات أمنية على علاقة بالتسريبات.

التحقيق الذي أدى إلى خروج المدعية العامة العسكرية اللواء يفعات تومر لإجازة في أعقاب أنباء عن تسرب أشرطة حساسة من محيطها، تهز جهات إنفاذ القانون في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية منذ متى كيف كانت البداية؟، ما هي التهمة الموجهة للجنود؟، من هو المتورط سياساً؟، لماذا نقل التحقيق من الجهات العسكرية إلى الجهات المدنية؟، يديعوت أحرنوت تعمل على تنظيم الأمور في أكثر القضايا التي هزت الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة.

ما هي حقيقة قضية سجن سدي تيمان؟

قضية سجن سدي تيمان ولدت في معسكر صغير للجيش الإسرائيلي جنوب مدينة بئر السبع، تحول منذ بداية الحرب على غزة كمعسكر اعتقال لغزيين اعتقلوا خلال الحرب بتهمة العضوية في حركة حماس، خلال شهر تموز 2024 اعتقل هناك عدد من الجنود من القوة 100 اتهموا بالتنكيل بفتى فلسطيني.

حسب لائحة الاتهام التي قدمت ضدهم (ثلاثة جنود وضابطان) ركلوا الأسير الفلسطيني الفتى، داسوا عليه، جروه على الأرض، واستخدموا ضده مسدس صاعق كهربائي، وفي رأسه، كل هذا كان والأسير الفتى مكبل اليدين ومعصوب العينين، وفي بداية التحقيق كان الحديث عن انتهاكات جنسية، لكنها لم تُثبت في النهاية في لائحة الاتهام، وجاء في لائحة الاتهام أن الأسير الفتى عانى من إصابات خطرة بشكل خاص، سبعة أضلاع مكسورة، ثقب في الرئة، تمزق ونزيف داخلي في المستقيم، نتيجة لذلك، تطلب الأمر إجراء عملية جراحية.

أين بدأ كل شيء؟

القضية بدأت عند اقتحام الشرطة العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي لمعسكر سدي تيمان في 29 تموز 2024، حينها تم توقيف ثمانية جنود للتحقيق، كان ذلك بعد تلقي الجيش تقارير من مؤسسات حقوق إنسان عالمية عن عمليات تعذيب للمعتقلين الفلسطينيين، شوهد جنود الشرطة العسكرية مقنعون في المعسكر، نشر تلك الصور أدى لحركة احتجاجات وصلت لاقتحام معسكر آخر هو معسكر بيت ليد، هناك وقعت مواجهات مع مقنعين وجزء منهم مسلح.

عملية الاقتحام أثارت ضجة كبيرة، جنود ومدنين اقتحموا المعسكرات، اصطدموا مع عناصر الشرطة العسكرية، فيما بعد وصل وزراء وأعضاء كنيست من اليمين، منهم عضو الكنيست تسفي سكوت من الصهيونية الدينية، ونائب الوزير الموغ كوهين من القوة اليهودية، المراسلون والمصورون الذين حضروا للتغطية تعرضوا لاعتداءات واحتاجوا لم يخلصهم من المكان.

رئيس الأركان الإسرائيلي في حينه هارتسي هليفي هاجم الحدث واعتبره منافي للقانون، كذلك وزير الحرب في حينه يوآف جالنت ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو طالبوا بتهدئة الأمر، رغم كل هذا، الحدث تحول لرمز سياسي للصراع العسكري القضائي بين جهات في اليمين أيدت الجنود.

وتابعت يديعوت أحرنوت: التفاعلات السياسية للحدث وصلت لجلسة الحكومة في اليوم الثالث للاقتحام، خلال الجلسة كانت مواجهات استثنائية بين الوزراء، كانت بعد أن قال نتنياهو:” لا يقتحمون معسكر للجيش الإسرائيلي، ولكنهم أيضًا لا يلجأون إلى التنفيذ الانتقائي ويسمحون بإغلاق كابلان.”

ما هي التهم الموجهة للجنود؟

لائحة الاتهامات المقدمة من النيابة العسكرية ضد الجنود الإسرائيليين تظهر اعتداء عنيف على أسير فلسطيني، وهو من عناصر النخبة التابعة لحركة حماس اعتقل من غزة وسجن في سدي تيمان، حسب لائحة الاتهام، اثنان من الجنود أوقفوا الأسير على الحائط ويداه للأعلى، وجنود آخرون يوجهون له الضربات، ركلوه وداسوا عليه وهاجموه بمسدس صاعق لمدة 15 دقيقة، الجنود متهمون بتهمة تعذيب، واعتداء تسبب بأضرار استثنائية، وتجاوز الصلاحيات، الجنود ينفون التهم الموجهة لهم.

في الجلسة الأولى للمتهمين في المحكمة العسكرية اقترح القاضي التوصل لحل وسط بين الأطراف، محامو المتهمين طلبوا فتح تحقيق في تسريب شريط الفيديو، وطلبوا من النيابة التوضيح إنه لم تكن انتهاكات جنسية، بعد أن كان اتهام بذلك في بداية التحقيق.

ماهية الشريط المُسرب، ولماذا هو مهم ؟:

في شهر آب 2024 بثت قناة كيشت شريط فيديو يظهر جنود إسرائيليين يعتدون على أسرى فلسطينيين، في البداية الجيش الإسرائيلي ادعى أن الفيلم تمت منتجته بشكل ممنهج، ومركب من جزئين مختلفين، بعد البث عائلات إسرائيلية ثكلى تحت اسم تجمع “نختار بالحياة” طلبوا من المحكمة العليا التحقيق في تسريب الشريط، والسبب أن الشريط يعرض حياة الجنود للخطر، وشوه صورة إسرائيل في العالم، لاحقاً تبين أن الشريط تسرب من داخل الجيش، والمعلومات أشارت إلى أن التسريب كان من محيط النائبة العسكرية نفسها.

لماذا نقل التحقيق من الجيش لجهات مدنية؟

المستشارة القضائية للحكومة أعلنت عن فتح تحقيق في أعقاب معلومات جديدة وصلت، وتنفذ من خلال قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة الإسرائيلية، وبإدارة النيابة العامة، والسبب في نقل التحقيق للنيابة العامة لتجنب وضع الجيش في وضع يحقق فيه مع نفسه، خاصة أن الاتهامات ذات علاقة بالنائبة العسكرية نفسها، والسبيين الرئيسيين حسب المستشارة القضائية، معلومات جديدة تم جمعها في الشهور الأخيرة، والحفاظ على ثقة الجمهور بأن التحقيق يتم خارج المنظومة المتهمة بالتسريب.

ما هي الاتهامات ضد النائبة العسكرية ومحيطها؟:

مقربون من النائبة العامة العسكرية متهمون بعملية تسريب الشريط أو علموا بتسريبه، في الجيش الإسرائيلي لم يؤكدوا بعد إنها هي نفسها قد تكون صادقت على التسريب، ولكن حتى الآن هي غير متهمة، ومحسوبة كشاهدة، وتقدر مصادر قانونية في الجيش أنها ما كانت لتخرج في إجازة لو لم يكن هناك شك حقيقي في سلوكها، ومن المتوقع أن تقدم روايتها قريبًا.

لماذا خرجت النائبة العامة العسكرية لإجازة- ومن يدعي عكس ذلك؟:

هنا يكمن أحد التصدعات المركزية في القضية كتبت يديعوت أحرنوت، حسب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي النائبة العسكرية يفعات تومر طلبت بنفسها الخروج لإجازة لكي تحافظ على نقاء التحقيق واستقلالية المحققين، رئيس الأركان صادق على طلبها لحين استيضاح الأمور.

في الوقت نفسه وزير الحرب يسرائيل كاتس قال إن النائبة العسكرية أخرجت لإجازة بناء على طلب رئيس الأركان، وإنها لن تعود لموقعها حتى نهاية التحقيق، ووصف كاتس الموقف بأنه:” افتراء دموي خطير ضد جنود الجيش الإسرائيلي”.

من سيقوم بدور النائبة العامة العسكرية ؟:

حتى الآن لم يتم تعيين قائم بأعمال بدلاً منها، والتقديرات أن مساعدها سيحل محلها بشكل مؤقت، مساعدها شغل في السابق رئيس قسم التحقيق في النيابة العسكرية، وكان مسؤول ملف التحقيق السابق الذي أدى لإغلاق ملف التحقيق في التسريب الأول للشريط، الناطق باسم الجيش الإسرائيلي قال: الأمر قيد المتابعة وسيحل عما قريب، وفي قيادة الجيش لم تبلور بعد آلية لإدارة النيابة العسكرية.

علاقة أعضاء الكنيست في القضية؟:

التحقيق الجنائي ضد المقتحمين للمعسكر مستمرة، في مارس الماضي صادقت المستشارة القضائية للحكومة والنيابة العامة للدولة على استدعاء الوزير عمحاي الياهو من القوة اليهودية، وعضو الكنيست نيسم فاتوري من الليكود، وتسفي سكوت من الصهيونية الدينية بعد اقتحامهم للمعسكر، الثلاثة هاجموا القرار واثنان قالوا إنهم لن يلتزموا بالدعوة للتحقيق، وزير الأمن القومي بن جفير قال: تنفيذ اختياري للقانون ضد اليمين.

مساعد الوزير الموغ كوهين استُدعي لإعطاء شهادة لكنه رفض، وقبل أيام استُدعي لتحقيق تحت التحذير عضو الكنيست سكوت، الشرطة الإسرائيلية هاجمت المستشارة القضائية والنيابة العامة لتوجهها للإعلام قبل أن تتوجه للقائد العام للشرطة الإسرائيلية.

سر حساسية التحقيق في القضية؟:

تنبع أهمية القضية من أنها تلامس جوهر الصراع الذي رافق الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب على غزة، والخط الرفيع بين التحقيق في “المخالفات الخطيرة المزعومة” التي يرتكبها الجنود والخوف من تجريم المقاتلين أثناء القتال.

والآن، ومع تركيز التحقيق أيضًا على مكتب النائبة العامة العسكرية نفسها، وهي الهيئة التي من المفترض أن تشرف على شرعية النظام القضائي العسكري ــ فإن الأمر يعتبر أزمة ثقة غير عادية للغاية، تعمل على تقويض أحد الفروع المركزية في الجيش الإسرائيلي.

المتوقع مستقبلاً؟

خلال الأيام القليلة القادمة النائبة العامة العسكرية يفترض أن تقدم شهادتها أمام المحققين، التقديرات في المنظومة القضائية، أنها ما كانت لتأخذ إجازة لو كان هناك اشتباه حقيقي بعرقلة العدالة أو ارتكابها جريمة، الحقيقة ستتضح بعد جمع شهادات إضافية، في المستوى السياسي والمستوى العسكري ينتظرون بحذر، كون التحقيق في هذه القضية تجاوزت حدود المعسكر في الجنوب، وتحول لمعركة للجمهور في الجيش الإسرائيلي، وبجهات إنفاذ القانون.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة


جميع حقوق النشر محفوظة - بالغراف © 2025

الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعةحكي مدني