محمد عبد الله
أعلنت سلطة النقد عن مشروع قانون يقضي بحظر أي مدفوعات نقدية في السوق المحلي تزيد عن 20 ألف شيكل للصفقة الواحدة.
وما زال المشروع مطروحًا للنقاش ولم يُقر بعد، لكن التوجه واضح نحو تقليص تداول النقد، في إطار مبادرة تهدف إلى ترشيد السيولة وتحسين الرقابة المالية.
ويرى مختصون اقتصاديون أن دوافع المشروع ثلاثة: مكافحة غسيل الأموال، الحدّ من التهرّب الضريبي، والتعامل مع “تكدّس الشيكل” في السوق.
ووفق مشروع القانون، فإنه يحظر الدفع النقدي في المعاملات التي تتجاوز قيمتها بأي حال من الأحوال 20 ألف شيكل، أو ما يعادلها بالعملات المتداولة في فلسطين.
ويعني القرار أن أي فرد أو جهة لن تكون قادرة على دفع ثمن السلع أو الخدمات نقدًا بأكثر من هذا المبلغ، وأي مبلغ فوقه سيكون المشتري مجبرًا على الدفع الإلكتروني.
الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي أيهم أبو غوش قال في حوار ل “بالغراف” إن جميع دول العالم تتجه نحو الحد من استخدام التعاملات النقدية، وذلك لسببين رئيسيين: الأول محاربة غسيل الأموال، بحيث تكون الأموال تحت الرقابة وتكتشف الجهات الرسمية إن كانت من مصادر مشروعة أو غير مشروعة، والثاني محاربة التهرب الضريبي، لأن العمليات التجارية الخاضعة للرقابة تُمَكِن الجهات الرسمية من ضبط التهرب الضريبي.
وأضاف أبو غوش أن هناك سببًا ثالثًا في الحالة الفلسطينية، وهو “تكدّس الشيكل”، إذ إن التداول يتم بشكل رئيسي بهذه العملة، التي تأتي من مصادر رسمية وغير رسمية. موضحًا أن المنظومة المالية في فلسطين تحتاج إلى بعض العمل باتجاه ترسيخ الدفع الإلكتروني وتعويد المجتمع عليه.
وحول أثر هذا القانون، يرى أبو غوش أن بعض القطاعات الاقتصادية قد تتأثر في البداية، مثل العقارات والذهب، لكن على المدى البعيد سيكون هناك تأثير إيجابي لصالح الدولة، لأن الأمور ستكون تحت الضبط والرقابة، ما ينعكس على تنظيم حركة الأموال والضريبة ومصادرها.
ويتفق رئيس مجلس إدارة شركة فلسطين للاستثمار الصناعي عبد الحكيم فقهاء مع أبو غوش في أن الحد من التعاملات النقدية له ثلاثة أهداف: محاربة التهرب الضريبي، والحد من غسيل الأموال، والتقليل من فائض الشيكل في الاقتصاد الفلسطيني، خصوصًا ما يتدفق منه من إسرائيل.
في المقابل، حذّرت نقابة أصحاب محطات المحروقات والغاز في بيان صحفي من أن المضي في هذه السياسات قد يدفع عشرات المحطات إلى الإغلاق القسري، ما يهدد بانهيار أحد أكثر القطاعات الحيوية ارتباطًا بحياة المواطنين والاقتصاد الفلسطيني.
لكن فقهاء اعتبر أن ردة فعل أصحاب محطات الوقود “غير مبررة”، لأن البيع بالتجزئة لن يتأثر بهذا السقف (20 ألف شيكل للصفقة الواحدة)، مشيرًا إلى أن قطاعات أخرى ستتأثر أكثر مثل الثروة الحيوانية، والذهب، والصرافة، والعقارات.
وأكد فقهاء أن مشروع القانون يحتاج إلى نقاش معمّق من حيث آثاره على اقتصاد “يترنح” ومن حيث التوقيت المناسب، مع ضرورة منح مهلة للتطبيق، مثلًا لمدة عام، حتى تتمكن القطاعات المختلفة من التكيّف معه. كما رفض فقهاء “لغة التهديد” التي استخدمها أصحاب المحطات، معتبرًا أن سلعة الوقود “حيوية تمسّ كل مفاصل الاقتصاد، ولا يجوز التلويح بإغلاقها عند كل احتجاج، لأن ذلك يشكل تهديدًا للاقتصاد الوطني ويجب التعامل معه كمسألة أمن اقتصادي”.
من جانبه، قال مصدر اقتصادي مطلع لموقع “بالغراف” إن 50% من النقد الذي يصل إلى البنوك، وفق إعلان سابق لسلطة النقد، يأتي من أربعة مصادر رئيسية هي العقارات والذهب والمحروقات والدخان، موضحًا أن تكدّس الشيكل لدى البنوك مصدره السوق المحلية.
وأضاف المصدر أن هناك قطاعات اقتصادية لديها تعاملات نقدية أعلى من محطات الوقود، مثل الاتصالات والكهرباء، ولم تعترض على المشروع، بينما رفضته محطات المحروقات، ما يثير تساؤلات حول طبيعة أنشطتها التجارية ومصادر النقد لديها، وإن كانت جميعها من نشاط بيع الوقود فعلاً أم لا.
كما أشار إلى وجود اعتقاد بأن بعض محطات الوقود قد تكون واجهة لنشاطات تجارية أخرى أو ضالعة في تهريب المحروقات نحو المستوطنات، وهي قضايا “تحتاج إلى إجابات واضحة”.




