كتب عيسى قراقع
يحل يوم الاسير الفلسطيني 17 نيسان اليوم الوطني العالمي الشعبي هذا العام ليكون مختلفا عن كل الاعوام السابقة، فالسجن الذي يحتجز فيه الاف الاسرى والاسيرات لم يعد سجنا للانتظار أو القتل أو الابادة، بل تحول الى مصنع للرجال، لقد اسقط الاسرى بصمودهم ونضالهم مفهوم السجن كمقبرة وحبل مشنقة للمناضلين الى مكان للثورة وبعث روح الحياة.
الاسطورة الفلسطينية التي اجترحها ستة أسرى تمكنوا في يوم 6-9-2021 من حفر نفق تحت اسمنت سجن جلبوع المسلح والمحصن ومعانقة فضاء الحرية وسماء فلسطين يعتبر من أكبر معارك الاسرى في هجومهم على زمن السجن الجامد وزمن الافق السياسي المغلق، لقد كسروا حلقات المؤبدات الثقيلات وهدموا جدار الصمت وحركوا هواء الحرية في كل الاتجاهات، سقطت خرافة القلعة الصهيونية واسلاكها المدببة ومنظومتها الامنية والعسكرية والتكنولوجية، إنه هجوم الحياة على الفناء والموت والذوبان في الجدران الصامتة، إنه القدرة على النصر والتفوق والنجاة.
يوم الاسير الفلسطيني هذا العام تحتشد فيه كل اصوات الاحرار، اصوات المعذبين الصامدين الذين تحملوا ما لم يتحمله أي شعب اخر في الدنيا وظلوا مرفوعي الرؤوس فوق الجبل، صوت المرضى والمعاقين الذين أسسوا باراداتهم وتضحياتهم وعكازاتهم جمهورية مستقلة خلف القضبان، صوت القدس العاصمة الفلسطينية الصامدة المشتبكة مع المحتلين وقطعان المستوطنين، صوت مدينة جنين ومخيمها بأبطالها وشهدائها الذين وصل لهيب رصاصهم الى قلب تل أبيب .
يوم الاسير الفلسطيني هو هذا الجيش العظيم الذ يقبع داخل سجون الاحتلال، رجالا وشبانا وأولادا وبناتا ونساءً، جيش حركة التحرر الوطني الفلسطيني الذي يقود مشروع الحرية والاستقلال، جاءوا من كل مدينة وقرية ومخيم واغنية وعاصفة وصلاة، يرسمون خريطة فلسطين التاريخية بدمهم وملح اجسادهم من النقب حتى الجليل .
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء، إرادة أسرانا ترسم حدود الوطن، الأسرى يدقون الجدران وأبواب الحديد وزمن الظلمات، المؤبدات لم تستطع ان تقصر عمر الطريق، ساعة الغضب ليس لها عقارب، وحلم الأحرار لا ينام.
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء، فخخوا ترانيم الصلاة بآيات اللوز والرحمن، نصلي متوحدين موحدين مسيحيون ومسلمون في القدس ونسير على خطى الرعاة والأنبياء، القرابين الصهيونية لن تغفر خطايا القتلة ولن تعيد المعبد، نموت على الأرض المقدسة كثيرا كثيرا ونعشق الحياة.
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء،انهضوا من الغياب، تلك طقوسنا، نعيش كأننا سنموت غدا، ونتعلم كأننا سنعيش للأبد، أرضنا الكنعانية أنجبت أولادا هم ملوكها يتربعون على عرش التراب.
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء، فوق كل صخرة وتلة وقطرة ماء، هنا غزلاننا، هنا فؤوس أجدادنا، هنا أسماؤنا واضحة على جلدة الأرض، هنا زيتوننا وزيت أجسادنا دماء.
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء، نحن شعب الأساطير الأولى، أول الخلق وآخر الخلق، هنا الأولياء والأنبياء والفدائيون والشعراء والملح والثورات والانتفاضات، نحن شعب يسوق الغيم إذا ما جفت الدنيا إلى كل الجهات…
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء، الحائط لنا، والسور والهيكل وعين الشمس والمصاطب والآيات والأعياد، القدس عاصمتنا والكل سواء: الراهب والشيخ والقهوة والصليب والهواء والضوء والنار، البعث والنشور والميلاد.
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء، أكثر من مليون أسيرا واسيرة، يفيض البحر المتوسط وحليب الأمهات، نحن أهل الأرض، اقرعو الأجراس وامنعوا المحتل ان يجثم فوق أجساد المعذبين والمظلومين والفقراء، خير لنا ان نموت ونحن واقفين مرفوعي الرؤوس من ان نموت ونحن راكعين، ارفعوا رؤوسكم فانتم فلسطينيون.
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء، لن نكون عبيدا لدولة الاحتلال الفاشية العنصرية، لن نكون رهائن للمستوطنات والمستوطنين والجرافات ودولة القراصنة، سنكتب على اللوح في الصف: نعم قد نموت ولكننا سنقتلع الموت من أرضنا، ونركض في الشوارع والساحات، نزرع القمح في حدائق أجسادنا، تلك هي حياتنا، تلك هي أصواتنا، سنستمر في الهجوم كما قال لنا الشهيد القائد خليل الوزير أبو جهاد.
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء، نحمل القلم ونكتب على اللوح في الصف ما قاله الشهيد ياسر عرفات: إني أرى النور في نهاية النفق، يرونها بعيدة ونراها قريبة وإنا لصادقون، لسنا شعبا عاديا وعابرا، لسنا احتياطا ولا شيئا زائدا، لن نكون حلا أخيرا أو خيارا في أسفل القائمة.
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء، نحمل القلم ونكتب على اللوح في الصف: ليست القوة هي الحق، بل الحق هو القوة، ونكتب ان كرامة الفلسطيني هي الخط الأحمر الذي دونه الموت، يستطيع الاحتلال ان يغتصب الأرض ويقتل الثوار ويعتقل الآلاف لكنه لن يستطيع ان يقتل فينا الثورة.
انتزعوا السجن من نفوسكم فهناك خلف الحديد فضاء، نحمل القلم ونكتب على اللوح في الصف: نريد مزيدا من الأغنيات لحمل مليون راية وراية ننصبها في مهب البلاد، هنا البنات، هنا الكنعانيات، نساء فلسطين يتزنرن السنابل والحب والصهيل، المرابطات الحبيبات الأسيرات المعلمات المربيات الشهيدات، تلك هي أصواتنا: كل أغنية امرأة، على الباب تحرس رجع الصدى، كل امرأة شجرة، تدق مع الريح قفل المدى.