هيئة التحرير
على الرغم أن عيد الفطر ليس المناسبة الأولى التي لم يحضرها الصحفي نضال أبو عكر- 54 عاما- من مخيم الدهيشة في بيت لحم مع عائلته، إلا أن غيابه يترك كل مرة غصة أكثر عمقا وألما لدى زوجته منال شاهين وأولاده محمد 26 عاما، وداليا 23 عاما، وكرمل 21 عاما، بسبب الاعتقالات المتكررة له.
ومنذ كان طفلا لم يتجاوز عمره 16 عاما في مخيم الدهيشة في بيت لحم، ذاق نضال أبو عكر مرارة الاعتقال وبرد الزنازين، دون أن يدرك أن تلك السجون ستسرق من عمره لاحقا قرابة 18 عاما، جلها بالاعتقال الإداري، خاض خلالها اضرابات مفتوحة عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنه وإنهاء ملف اعتقاله الإداري.
لم تعتد منال شاهين على غياب نضال عن العائلة بسبب سنوات الاعتقال كما يظن البعض، قائلة لـ “بال غراف”، لم يكن غياب نضال عن عائلته أمرا عاديا، “أحيانا يظن البعض أننا اعتدنا على ذلك، لكن ذلك غير صحيح، إذ لا يمكن أن تعتاد على غياب شخص عزيز عليك، ولا يمكن أن تعتاد على اقتحام منزلك كل بضعة أسابيع، لأن هذا أمرا غير عادي للعائلة والأطفال، ويترك أبعادا كثيرة”.
وتضيف شاهين ” في كل مرة نشعر بحجم الفراغ الذي تركه نضال في العائلة، التي لديها غصة، وسؤال يلح عليها لماذا لا تعيش حياة طبيعية كالآخرين، كأن تجتمع كعائلة في رمضان أو في الأفراح والأعياد، أو نجاح الأولاد”.
وقالت: ” يقارب زواجنا من عامه التاسع والعشرين، وخلال هذه الفترة، 99% من مناسباتنا لم يكن نضال موجودا بها بسبب اعتقالاته المتكررة، سواء شهر رمضان أو الأعياد، أو حتى دخول الأطفال إلى الروضة أو المدرسة أو نجاحهم في الثانوية العامة، أو حفلات الزفاف”، وتتابع” الاحتلال كان يعتقل نضال وأطفالنا أعمارهم شهور، وحين يفرج عنه يكونوا قد كبروا ومشوا على أقدامهم، لم يعش معهم تفاصيل طفولتهم”.
وكما حرم الاحتلال نضال من عائلته بسبب الاعتقالات، حرمه كذلك من عمله الصحفي، إذ تقول شاهين “قبل اعتقاله الأخير كان يعمل نضال على عدة مشاريع، من بينها مشروع واعد للعمل في إذاعة لتقديم برنامج عن الأسرى، لكنه لم ينهِ استعداداته وتحضيراته بسبب اعتقاله الأخير عام 2000، ما تسبب بفشل المشروع”.
يواجه الصحفي نضال أبو عكر الاعتقال الإداريّ منذ طفولته، وتجاوزت سنوات اعتقاله المتكررة قرابة الـ 18 عاما، جُلّها رهنّ الاعتقال الإداريّ، وخلال هذه السنوات واجه الملاحقة والتهديد المستمر، وكان آخر اعتقال له في شهر تموز 2020، وقد حوّله الاحتلال إلى الاعتقال الإداريّ، الذي يُجدد له في كل مرة ينتهي بها.
ولد الصحفي نضال أبو عكر في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر عام 1968، في مخيم الدهيشة في بيت لحم، وهو متزوج ولديه 3 أولاد، ويحمل درجة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة بيت لحم، وكان يعمل صحفيا ومعدّا ومقدم برامج إذاعية.
وعمل نضال في مجال الصحافة، فقد أسس مع أصدقاء له إذاعة صوت الوحدة عام 2010، التي تولى إدارتها وبثت أثيرها من أزقة مخيم دهيشة لتحمل هموم اللجوء واللاجئين وكل القضايا الوطنية والفلسطينية، وعبر أثير الإذاعة أعد أبو عكر وقدم للجمهور برنامج “في زنازينهم”، والذي يُعنى بأخبار الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، وينقل رسائل الأسرى والمعتقلين للعالم وللشارع الفلسطيني، وهو عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين وناشط مجتمعي ونقابي، وعضو مجلس إدارة التجمع الوطني لأسر الشهداء.
لم يكن الاعتقال الإداري قدر نضال فقط؛ بل شاركه في ذلك نجله محمد، الذي عاش مع والده على “بُرش” السجن لمدة 5 أعوام متفاوتة، قد تكون أكثر من الفترة التي عاشاها سوية في منزل العائلة.
وكما تشارك نضال ونجله محمد “بُرش” السجن فقد سار محمد على درب والده في الإضراب عن الطعام، والذي خاضه نضال عام 2016 لمدة 40 يوما، رفضا للاعتقال الإداري حيث رضخ الاحتلال لمطلبه وحدد له سقف اعتقاله الإداري آنذاك، حين خاض محمد إضرابا مشابها بعد اعتقاله عام 2018 مع رفيقه الأسير مصطفى الحسنات، لينتزعا قرارا بإنهاء اعتقالهما الإداري بعد ٣٩ يوما من الإضراب، لكن الاحتلال كما تنصل من تعهده مع نضال وأعاد اعتقال فعل ذلك مع محمد وأٌعيد اعتقاله بعد شهور.
وينتمي نضال إلى عائلة مناضلة، فشقيقه محمد استشهد متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال في عام 1991، كما تعرض أشقاؤه للاعتقال على فترات متفاوتة، وقد فقد نضال والده خلال اعتقاله، الذي توفي حزنا وقهرا.
محمد نضال أبو عكر – 26 عاما- يدرس علم الاجتماع في جامعة بيت لحم، أمضى 5 سنوات في سجون الاحتلال جلّها في الاعتقال الإداري، عاش 4 منها مع والده.
يقول محمد لـ “بال غراف” إنه لم يعش مع والده نضال في البيت منذ 2014 حتى الآن، فقد تعرض محمد للاعتقال أول مرة عام 2015، وكان والده آنذاك في سجون الاحتلال.
وتوالت عمليات الاعتقال والإفراج عن الأب والابن منذ ذلك الوقت، أطولها كان عام 2016 حين أعاد الاحتلال اعتقال نضال وكان آنذاك محمد في سجن “عوفر” يمضي حكما بالسجن 3 سنوات، حيث أمضى الفترة مع والده بينما نضال كان رهن الاعتقال الإداري، وتكررت بعدها الاعتقالات.
وعن تجربة اعتقاله مع والده في سجن واحد، يقول محمد ” إن الرابطة الإنسانية والأبوية لا تغيب بأي شكل من الأشكال؛ بل إن اعتقال الابن بالنسبة للوالد هو أسوأ ما قد يحصل له لأنه يرى سنوات ابنه تضيع في السجون، لكن ذلك مرتبط بشخصية الوالد وما يحمله من مبادئ وأفكار، وهذا ما جعله يفكر مع كل الأسرى كأبناء له”.
ويتابع ” لم يكن الحسّ الأبوي يظهر بشكل واضح داخل الأسر، لأنه كان يتعامل مع الأسرى كأبناء له بحكم عمره داخل السجون، لكن تلك التجربة غير العادية بنت علاقة غير طبيعية بين الأب وابنه، اللذين لا يتناقشان على سبيل المثال حول جدوى الإضراب المفتوح عن الطعام ضد الاعتقال الإداري خارج السجن، فهذا يأخذ منحى آخر بالعلاقة بين الأب والابن، والخطوات النضالية التي يمكن اتخاذها”.
وتابع ” السجن خلق علاقة مختلفة من التعامل ورسخّ عند الأب شعورا أن هذا الطفل الذي هو جزء من مسؤوليته ورعايته، فيراه ناضجا وواعيا وقادار على تحمل المسؤولية ويردم أي شرخ بالعلاقة، قد تنشأ بين الابن والأب قد تنتج عن سنوات اعتقال الأب لسنوات طويلة، ويصبح هناك تعويضا معكوسا، وإن كان في أجواءٍ من القهر”.
لم يمرّ على حرية محمد من سجون الاحتلال سوى 4 شهور، لكن قوات الاحتلال اقتحمت قبل أقل من شهر منزل العائلة وقامت بتدمير محتوياتها وتخريبها، واعتقلوه ليوم واحد دون سبب، إذ قال له ضابط مخابرات الاحتلال ” لا يجوز أن يكون هناك اثنان خارج السجن أنت أو أبوك، يجب على الأقل أن يكون إحداكما في السجن، خاصة أن هناك توقعات بالإفراج عن والده.
وينهي نضال أبو عكر في منتصف شهر أيار/مايو فترة اعتقاله الإداري الأخير، ليكمل بذلك قرابة العامين.
اعتقال الصحفيين
وقال نادي الأسير الفلسطينيّ في بيان صدر عنه في اليوم العالميّ لحرية الصحافة[1]، والذي يُصادف يوم غد الثلاثاء الموافق الثالث من أيار/ مايو من كل عام، إنّ سلطات الاحتلال تواصل اعتقال (15) صحفيًا في سجونها من بينهم الصحفية بشرى الطويل المعتقلة إداريّا، وتفرض عليهم ظروف اعتقالية قاسية، كما كافة الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال.
وتهدف سلطات الاحتلال عبر عمليات اعتقال الصحفيين، محاولة تقويض دورهم في كشف وفضح جرائم الاحتلال، وتقييد حرّيّة الرأي والتعبير[2]، حيث شكّل دور الصحفيّ الفلسطينيّ وما يزال دورًا نضاليًا خاصًا نتيجة لكثافة العنف الذي يواجهه خلال عمله، ومواجهته المستمرة لسياسات الاحتلال التّنكيلية منذ عقود، سواء كان ذلك عبر الملاحقة والتهديد والاعتقال.
الاعتقال الإداري
أنّ الاحتلال يواصل تصعيده لجريمة الاعتقال الإداريّ، حيث تجاوزت أعداد الأوامر الصادرة منذ مطلع العام الجاري، لأكثر من (550) أمر اعتقالٍ إداريّ، من بينها (240) أمرًا جديدًا، فيما صدرت بقية الأوامر بحقّ معتقلين صدرت أوامر سابقة بحقّهم، وتركزت نسبة الأوامر الصادرة في شهري آذار/ مارس الماضي ونيسان/ أبريل الجاري.
وأوضح نادي الأسير أنّ الارتفاع في أعداد المعتقلين الإداريين لم نشهده منذ سنوات “الهبة الشعبية” وتحديدًا منذ عامي (2016 و2017)، ومن المرجح إذا ما استمر الاحتلال بنفس الوتيرة أن يصل عدد المعتقلين الإداريين حتى نهاية العام لـنحو 700 معتقل، وذلك وفقًا للمعطيات الراهنّة.
اليوم العالمي لحرية الصحافة
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي لحرية الصحافة في كانون الأول/ ديسمبر 1993، بناء على توصية من المؤتمر العام لليونسكو. ومنذ ذلك الحين يُحتفل بالذكرى السنوية لإعلان ويندهوك في جميع أنحاء العالم في 3 أيار/مايو باعتباره اليوم العالمي لحرية الصحافة.
ويعود تاريخ اليوم العالمي لحرية الصحافة إلى مؤتمر عقدته اليونسكو في ويندهوك في عام 1991. وكان المؤتمر قد عُقد في الثالث من أيار/مايو باعتماد إعلان ويندهوك التاريخي لتطوير صحافة حرّة ومستقلّة وتعدديّة. وبعد مرور ثلاثين سنة على اعتماد هذا الإعلان، لا تزال العلاقة التاريخية بين حريّة التقصّي عن المعلومات ونقلها وتلقيها من جهة، وبين المنفعة العامة، من جهة أخرى،تحظى بذات القدر من الأهمية. وسوف تقام سلسلة من الاحتفالات لإحياء الذكرى الثلاثين لاعتماد الإعلان خلال المؤتمر الدولي لليوم العالمي لحرية الصحافة.
ان يوم 3 أيار/مايو بمثابة تذكير للحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، وكما أنه يوم للتأمل بين الإعلاميين حول قضايا حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة.اليوم العالمي لحرية الصحافة | الأمم المتحدة (un.org)